وجّه محمد الساسي، القيادي السياسي اليساري البارز، انتقادات لاذعة إلى حزب العدالة والتنمية، القائد للتحالف الحكومي الحالي، متهما إياه بعقد صفقة مع النظام ثمنها أن يتخلى حزب "المصباح" عن المطالبة بأي إصلاح سياسي، مقابل عدم التنصيص على الحريات في الدستور. وقال الساسي، في ندوة نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان "الديمقراطية وحقوق الإنسان.. الواقع والتحديات"، إن الإسلاميين "خدموا الملكية وخدموا أنفسهم ولم يخدموا الديمقراطية؛ لأن صراعهم لم يكن أبدا من أجل تغيير الوضع السياسي". الساسي ذهب إلى القول إن "الإسلاميين لا ينتفضون إلا عندما يلاحظون بأن موقعهم مُسّ، لأن هدفهم كان هو تقوية موقعهم في النسق السياسي القائم. وعندما يلاحظون أن هذه المكانة مستهدفة، فإنهم يلوحون بالتصعيد، كما حصل عند اقتراب انتخابات 2015، إذا لم نتصدر الانتخابات فإن البلاد ستفتح على ما لا تحمد عقباه". وأضاف الساسي: "عندنا يشعرون بأن موقعهم مستهدف ينتفضون، لكن عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية فليس لديهم أي مانع من أن تستمر السيادة الملكية، وأن يستمر الأمر كما هو عليه"، وزاد قائلا: "أعطيكم مثالا واحدا، ليس هناك ولا واحد من العدالة والتنمية عبر عن موقف إزاء حظر حزب البديل الحضاري". وذهب الساسي إلى القول إن حزب العدالة والتنمية اقترح على النظام إبرام صفقة، حيث عرض عليه التخلي عن حزب الأصالة والمعاصرة، "وحْنا نديرو داكشي كولّو د البام"، مضيفا أن "البيجيدي" اقترح على النظام سحب الحريات الفردية من الدستور، بما يوحي بأن الحزب يريد أسلمة المجتمع، مقابل أن يفعل النظام ما يشاء. وعرج الساسي، في مداخلته التي تطرق فيها موضوع مآل للصراع من أجل الديمقراطية في المغرب، على المراحل التي مر منها "الانتقال الديمقراطي" في المغرب، مقسما إياها إلى مرحلة سماها ب"الديمقراطية الحسنية"، امتدت من 1962 إلى 1965. بعد ذلك، يضيف الساسي، دخل المغرب مرحلة "الديمقراطية المعلّقة"، وكانت امتدادا "للديمقراطية الحسنية"، امتدت من سنة 1965 إلى غاية 1977، ثم تلاها مسلسل الانتقال الديمقراطي، الذي امتد إلى حين وفاة الحسن الثاني عام 1999. وشرح القيادي السياسي اليساري البارز أن "الديمقراطية الحسنية" انبثقت من إدراك النظام بقوة الحركة الوطنية ومنافستها له؛ وهو ما أفرز صراعا بين توجهيْن، أفضى إلى تشكل رغبة لدى النظام في العودة إلى دولة السلطنة، التي كانت قائمة قبل عهد الحماية، حيث سادت السيادة الملكية، بينما كانت الحركة الوطنية تدفع في اتجاه السيادة الشعبية. واعتبر الساسي أن الحركة الوطنية، على الرغم من أنها كانت تدفع في اتجاه تأصيل السيادة الشعبية، فإنها لم تكن مدافعة عن الحرية، "حيث اخترقتها نزوعات بناء الحزب الواحد"، مبرزا أن غياب الحرية يفقد السيادة الشعبية أي معنى، كما هو واقع، في إيران. وتابع المتحدث ذاته أن "الديمقراطية الحسنية كان موردها الخصوصية، حيث تم استبعاد كل ما هو جوهري في الديمقراطية، حيث كانت هناك مؤسسات، كالبرلمان؛ ولكنها كانت خاضعة للضبط، عبر صناعة أغلبية طيعة مهمتها تمكين السيادة الملكية من أن تتمدد وتستمر". وخلص القيادي السياسي اليساري البارز إلى أنه لا يمكن القول إن المغرب لم يقم بإصلاحات سياسية؛ غير أن استدرك أن كل الإصلاحات تُجهض لأنها تُبدأ ولا يتم تتميمها، وغالبا ما تكون إصلاحات تقنية، معتبرا أن النظام "نجح، بهذه الإصلاحات التقنية، في استقطاب جل النخب؛ لكنه لم ينجح في حل مشاكل البلاد".