قال فؤاد عبد المومني، ناشط حقوقي خبير مهتم بقضايا الاقتصاد: "من الإشكاليات العويصة التي يعاني منها المغرب، كونُه دولة باذخة، دون أن تسمح لها إمكانياتها ومؤهلاتها الاقتصادية بأن تعيش هذا البذخ". وفي مداخلة له ضمن ندوة نظمها الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان حول موضوع "القراءات السوسيو-اقتصادية والحقوقية للحراكات الاجتماعية في المغرب"، مساء أمس الجمعة بالرباط، استعرض عبد المومني جملة من مظاهر "البذخ" الذي قال إنه يثقل كاهل ميزانية الدولة، ذكر من ضمنها الصفقات العسكرية التي يُبرمها المغرب.. واعتبر عبد المومني، الذي تناول في مداخلته موضوع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، أنّ الطبقات الاجتماعية في المغرب تنقسم إلى ثلاث فئات، هي الطبقة التي تعيش من "الرأسمالية الريعية"، والطبقة المدينية، أي الطبقة المتوسطة التي توفر لها الدولة بعض الخدمات، ثم الفئات الشعبية المحرومة من أبسط الحقوق. وانتقد الرئيس السابق لترانسبارانسي المغرب استمرار ما سمّاه "الرأسمالية الريعية"، قائلا إن بإمكانها توفير بعض المتطلبات الحياتية الضرورية للمواطنين، "ولكنّ ذلك لا يمكن أن يتعمّق في الزمان، لأنّ أفُقَ الريع محدود، وكذلك زمانه ومجاله، ما يجعل التعويل عليه رهانا خاسرا". وذهب المتحدث إلى القول إنّه من الصعب على المغرب أنْ يتمكن من بلوغ نسبة نموٍّ تمكّنه من الخروج من أزماته الحالية، "لأن الشروط المادية لتحقيق هذه الغاية غير متوفرة، فالمغرب بلد صغير بإمكانيات استهلاكية محدودة، كما أنه منعزل في ظل عدم وجود إمكانية للاندماج مع أوروبا، ثم القطيعة مع الجزائر، ووجود مشكل الصحراء في الجنوب"، على حد تعبيره. وأضاف أن "النمو الضعيف الموجود تواجهه مجموعة من العراقيل، أولها مشكل الصحراء، الذي لم يعد ممكنا أن نسكت عنه، لكونه يذهب بعشرة في المئة من الناتج الداخلي للمغرب، كما لم يعد ممكنا أن نسكت عن الصفقات العسكرية الضخمة التي يوقعها المغرب لشراء العتاد العسكري، والذي لا نعرف ضدَّ مَن سيُوجَّه هذا العتاد العسكري". مبارك عثماني، مسيّر ندوة الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، استنتج من مداخلة فؤاد عبد المومني أنّ التفاوتات الصارخة بين طبقات المجتمع، وغياب الحَكامة في تدبير المال العام، من العوامل الأساسية التي أفضت إلى تنامي الحركات الاجتماعية في المغرب خلال السنوات الأخيرة. في هذا السياق، قال قيس مرزوق الورياشي، أستاذ جامعي باحث في علم الاجتماعي، إنّ الحركات الاجتماعية الجديدة "هي تعبير عن أخذ المبادرة بواسطة الاحتجاج، والمطالبة بنموذج جديد في العلاقة بين الدولة والمواطنين المحبطين ضحايا النظام التعليمي المفلس"، مضيفا أن "الإحباط تعمَّق بعد فشل الانتقال الديمقراطي وتراجُع التنظيمات السياسية عن القيام بدور الوساطة بين الدولة والمجتمع". وخصص الورياشي حيزا من مداخلته للحديث عن حراك الريف، الذي وصفه ب"الأكثر حساسية والأكثر تعقيدا والأكثر تعبئة وتعاطفا على المستوى المحلي والوطني والعالمي، والأكثر تأثيرا على المستوى السياسي والاجتماعي، والأكثر توترا من ناحية العلاقة بين الدولة والمجتمع". واعتبر المتحدث أنّ المشكل الذي وقعت فيه الدولة في تعاطيها مع حراك الريف، "يكمن في عدم الفهم الجيد للريف، الذي له شخصية متميزة، لتميُّز تاريخ المنطقة التي يرى أهلها أن هناك محاولات لطمْس تاريخها، وهذا ما أفرز عودة اللا وعي التاريخي بقوة، حيث لا توجد منطقة يحتل فيها التاريخ مكانة متميزة ومحورية مثل الريف"، وزاد موضحا أن "الريف ينبغي فهمه من خلال الموقع الحدثي، حيث لا يمكن أن يمر عِقد من الزمن دون أن يحدث فيه شيء ما مؤثر على الصعيد المحلي والوطني". وخلُص الورياشي في تحليله لتزايد زخم الحركات الاجتماعية في المغرب إلى القول إن هذه الحركات "هي تعبير عن الأزمة السياسية التي يعيشها المغاربة، حيث لا يتعدى عدد المنخرطين في الأحزاب السياسية واحدا في المئة فقط، وخُمس المغاربة فقط يصوتون في الانتخابات، كما أن المجتمع المدني ينخره الفساد، إضافة إلى أزمة الوساطة بين الدولة والمجتمع، وهي تعبير عن فشل الدولة في حل تناقضاتها".