يعتبر النقاد الشعر "خلاصة للتجارب الإنسانية ووعاء ثقافيا"، كما أنه مصدر للمعارف الإنسانية؛ كذلك الحال بالنسبة للأمازيغ الذين جعلوا من أشعارهم وعاء لتجاربهم الإنسانية وحياتهم اليومية وحتى طقوسهم الاحتفالية، مشكلين بذلك إرثا ثقافيا غنيا. يعرف الشعر بصوره البلاغية وباستعاراته الجمالية، لذلك جعل الأمازيغ من الشعر موسيقى يتغنون بها في كل المناسبات وفي المواسم الفلاحية. وكانت الأغاني الأمازيغية هي بداية انطلاق الشعر الأمازيغي مع الفرق الغنائية المعروفة ك"أحواش" و"الروايس". نبذة تاريخية عن الشعر الأمازيغي خديجة أروهال، كاتبة وشاعرة أمازيغية، معدة ومقدمة البرنامج الثقافي "اميري" على القناة الأمازيغية، حاصلة على العديد من الجوائز في الإبداع الأدبي الأمازيغي، تعرّف الشعر الأمازيغي بكونه "أدبا شفهيا يلخص الطقوس اليومية التي يقوم بها الأمازيغ، ومن المعروف أنهم يقومون بأنشطتهم اليومية بشكل جماعي، بذلك تم تكوين الفرق الغنائية الأمازيغية، كأحواش وغيرها". لدى الأمازيغ أشعار خاصة بكل طقس من الطقوس، للخطبة والزواج والختان، وللمرأة أثناء قيامها بأشغالها، كما للمطر. وهذا نوع من التميز في التراث الأمازيغي؛ إذ إن كل شعائرهم ترافقها أغان وأشعار معينة، معبرين بذلك عن التفرد والتميز. لهذا السبب اكتسب الشعر الأمازيغي سابقا صبغة الارتجال؛ إذ لم يكن يعتمد على قواعد الكتابة الشعرية المحضة، وكان يسمى "النْضمْ"، كما وضحت الشاعرة خديجة أروهال، "هذا النوع من الأشعار لم يكن يقتصر على الشعراء في الجبال، بل حتى الشعراء الرحل في الصحراء، مثل الطوارق الذين عرفوا بتاروحالت، وهو شعر غلبت عليه تيمة الغزل". تؤكد الشاعرة ذاتها أن "الشعر الأمازيغي لم يدون حتى بداية السبعينات وإلى التسعينات، مع بعض الشعراء كمحمد البسطاوي"، أي إن هؤلاء الشعراء أدركوا أهمية هذا الموروث الثقافي وضرورة جعله مكتوبا، وليس فقط شفهيا، لكي لا يندثر. وتضيف أروهال أن العصر الحديث "عرف بمحاولات الكتابة التي شهدها، والتي بدأت في الظهور مع بداية الحركة الثقافية الأمازيغية من أجل الدفاع عن الهوية والأرض". بعد الاستقلال، بدأ نضال الأمازيغ من أجل الأمازيغية، لأنه، كما صرحت بذلك خديجة أروهال، "بعد حملة التعريب، وجد الأمازيغ أنفسهم في موقف وسط بين العرب والفرنسيين، لا يفهمون أيا منهما، لذلك أحسوا بضرورة النهوض من أجل المطالبة بترسيم الأمازيغية، خاصة الأمازيغ المتعلمين الذين هاجروا إلى مدينة الدارالبيضاء"، مؤكدة أن "الشعراء الأمازيغ كانوا يعنون بقضايا مرتبطة باللغة والأرض، لأنها كانت محتشمة ولم تتطرق إلى الحب". عرف الشعر الأمازيغي فترات انتقالية متعددة، فلم يقتصر الشعراء على التدوين بل تحولوا إلى كتابة الشعر والإبداع فيه، كما ذكرت الشاعرة نفسها، قائلة: "انتقل الشعر الأمازيغي من النْضمْ الذي ارتجله الأميون إلى الكتابة مع كتاب مثقفين وأساتذة كان همهم الكتابة باللغة الأم، وهي اللغة الأمازيغية، وأن تصبح مكتوبة وليس فقط شفهية". وأشارت إلى أن الشعر الأمازيغي "حاول مواكبة موجة الحداثة وتحولات الشرق الأوسط من خلال تكسير البنية التقليدية للشعر، وهي بنية البيتين، وأصبح بذلك شعرا حرا". في بداية الثمانينات والتسعينات أصبح الشعر أكثر جرأة وتغيرت السمات، انطلق الشعراء من الأرض والشوق إلى الأب والأم إلى المطالبة بترسيم الأمازيغية رغم الحصار الذي كان يمارس عليهم. وأكملت الشاعرة خديجة أروهال تصريحها بالقول: "من بعد خطاب الحسن الثاني رحمه الله ودعوته إلى إدخال الأمازيغية في الإعلام، وبذلك كان نوع من الانفتاح، أصبحت الأمازيغية تظهر في وسائل الإعلام، وبذلك غدا شعرا نضاليا أكثر منه شعرا غزليا لتفريغ الإحساس بالحب، كما ندد بإقصاء الأمازيغية وشدد على ضرورة الكتابة بتفيناغ". خديجة أروهال من الشعراء الذين حركهم الوعي الهوياتي الأمازيغي، على حد قولها، خاصة بعد خطاب الملك محمد السادس الذي طالب بالكتابة بحرف تفيناغ، وكذلك بعد "انفتاح النساء وعدم خوفهن، حيث أصبحن يكتبن الشعر بأسمائهن الحقيقية بدل أسماء الرجال المستعارة". أنماط الشعر الأمازيغي وصفت نزيهة أبا كريم، الشاعرة والكاتبة الأمازيغية التي تعنى بقضايا الطفل والمرأة وحقوق الإنسان، الشعب الأمازيغي "بالشعب الأصيل، والمقصود بالأصيل هو الذي له ثقافة عريقة وممتدة إلى جذور التاريخ؛ فقد استطاع الأمازيغ أن يحافظوا على ثقافتهم وهويتهم، مثل اللغة ونمط العيش، رغم الاقصاء والصعاب التي واجهتهم. ويعتبر الشعر بالنسبة للأمازيغ أحد تمظهرات هذه الثقافة، بل الأساسية منها والأكثر انتشارا وتداولا في المجتمع الأمازيغي، والتي تتخذ أشكالا متعددة وتؤدي وظائف متعددة". وأضافت نزيهة أنه يمكن أن "نصنف الشعر الأمازيغي إلى أنماط، لكنها تظل متداخلة مع بعضها البعض إلى درجة يصعب معها التفريق بينهما، لذلك اختلف الباحثون في ما يخص تصنيف الشعر، منهم من ينطلق من البنية حيث يميز بين الشعر القصيدي الذي يظم قصائد مطولة فيها أبيات لكن مترابطة بينها، والصنف الثاني على مستوى البنية دائما هو الشعر البيتي الذي قد يكون عبارة عن قصيدة مطولة أو مكونة من شطر أو شطرين أو عدة أبيات ولكن لا يربط بينها سوى الوزن وليس المواضيع". في السياق ذاته، هنالك بعض الباحثين الذين يصنفون الشعر حسب المواضيع، لكن في رأي نزيهة أبا كريم "يبقى الشعر الأمازيغي حسب ما تم الاتفاق عليه هو شعر شفوي وغنائي بامتياز"، شارحة أن "من بين أسباب احتلال الشعر الأمازيغي مكانة رائدة، كون الشعوب الأمازيغية اضطرت عبر الأحقاب والأزمنة إلى اتخاذ هذا الجنس الأدبي الشكل الرئيسي للتعبير والإبداع الفنيين، باعتبار ما تعرض له هذا الشعب من اضطهاد من طرف قوى كانت تحرمه من تطوير هذا الابداع، خاصة في الجانب اللغوي حيث ما كان بإمكانهم استعمال حرف تيفيناغ بالكتابة، وكان لهذا الموضوع تأثير سلبي مباشر على الانتاجات الفنية والأدبية بشكل عام". الفرق الغنائية الأمازيغية تظل المرجع والمصدر الوحيد للشعر الأمازيغي، لذلك فلح الأمازيغ في الحفاظ على هذا الشعر لكن بصيغته الشفهية. إضافة إلى أن الدارسين اليوم يعتمدونهم كمصادر لدراسة الشعر الأمازيغي الذي تتغنى به كل من "أحواش" و"الروايس"، لأنه الحقل الوحيد الذي يأخذون منه لدراسة الشعر الأمازيغي. "بطبيعة الحال، اليوم هناك اشتغال على هذا التنسيق، وندعو إلى هذا الموضوع لكي لا يندثر هذا الموروث، لأن العديد من الأشعار ما زالت شفهية رغم أهميتها وستغادر بمغادرة أصحابها"، تقول الشاعرة نزيهة أبا كريم، وتشدد على ضرورة وجود "محاولة رسمية وجدية للحفاظ على هذا الموروث لأن له أهمية كبرى، كما أنه يبقى المصدر الوحيد للباحثين في الشعر الأمازيغي". تيمات الشعر الأمازيغي تقول الشاعرة نزيهة أبا كريم إن "الشعراء هم المرآة التي تعكس قضايا المجتمع، حيث نجده يرتبط بالعادات الاجتماعية الأمازيغية في الأفراح كالزواج، وكذلك المواسم الزراعية لارتباط الإنسان الأمازيغي المباشر والمتميز بالفلاحة والأرض"، مؤكدة وجوب التفريق بين "تيمات الشعر الأمازيغي القديم وتيمات الشعر الأمازيغي الحديث". وتضيف أن "الفرق الغنائية جل إنتاجاتها فيها كثير من الرومانسية والحب، وهدفها امتاع المستمع، وفيها بعض القضايا السياسية لأنها انساقت مع خطاب السلطة حسب ما أكده الباحثون". مواضيع الشعر الأمازيغي الحديث تلونت بتلون القضايا والأزمنة كذلك، وهذا ما صرحت به المتحدثة ذاتها، قائلة: "بعدما كان الشعر لا يراوح دائرة الفرجة والاحتفال والمهرجانات والتعلق بالأرض، أصبح الآن للشعراء والشاعرات صوت آخر كله مكتوب بحرف تيفيناغ، وأصبحت مواضيعه القضايا الكونية والنضالية والوجودية، مثلا البحث في قضايا الهوية الأمازيغية وفي الذات التاريخية، وكذا الالتزام بالقيم الكونية وقضايا الساعة كالسلم والسلام وحقوق الإنسان والميز العنصري والمحافظة على البيئة". إكراهات الشعر الأمازيغي تأسفت الشاعرة خديجة أروهال على واقع القراءة بالمغرب المتراجع، وبالتالي على وضع الشعر الأمازيغي وضعف مقروئيته، إضافة إلى تفادي دور النشر تولي طباعة الدواوين الأمازيغية، نظرا لعدم فهم الناس حروف تفيناغ، وقالت: "بذلك أضطر إلى توزيع الدواوين بشكل شخصي على المكتبات التي أعرفها، وكذلك أقوم بترجمة الدواوين إلى اللغة العربية لتيسير عملية الفهم". إبداعات في الشعر الأمازيغي الإبداعات في الشعر الأمازيغي عديدة ومواضيعها مختلفة، نذكر منها ديوان الشاعرة نزيهة أبا كريم الأول الذي عنونته باسمها مترجما إلى الأمازيغية "التاج"، وصرحت في هذا الصدد بأن "العنوان يقبل تأويلات عديدة، لكن الذي أقصد به تاج الكرامة وإكليل السعادة، والذي يزيح كل مظاهر الظلم الاجتماعي على المواطن والمجتمع بفئاته". وبداخل هذا الديوان سبع قصائد شعرية تعنى بالمرأة. أما الديوان الثاني، عنوانه "سات"، وهو رقم سبعة. وإيمانا منها بدور الشعر في التلقين والتربية على القيم، بدأت نزيهة تكتب للطفل، ولحنت بعض الأغاني في إطار الأنشودة التربوية. ونذكر من الإبداعات الشعرية الأمازيغية أيضا، ديوان "ملامح" للشاعرة خديجة أروهال، وديوان "تيه بين الكلمات"، وهما ديوانين أيضا يعنيان بقضايا المرأة والطفل. *صحافية متدربة