قد يكون من المفيد أن نشير إلى أنه مما يعنينا هنا من إلقاء الضوء على عهد وزيرين سابقين من وزارة الأوقاف السيد المدغري والسيد أحمد التوفيق بعده. إلا أن غيرهما من أمثال الوزارء أحمد بركاش والشيخ المكي الناصري والهاشمي الفيلالي .. رحم الله الجميع، وقد أفضوا الى ما أفضوا إليه ليس لهم دور أو أية مسؤولية عن أوضاع قطاعنا. المدغري واحد من وزارء السيادة وأحد أركان دولة الحسن الثاني -رحمه الله- وممثل الشأن الديني في نظام إمارة المؤمنين آنذاك. الكثير من القيمين الدينيين يعتبرون فترته عهدا ذهبيا للمساجد والآخرون يرونها سنوات الاسترخاء ويلقبونها بوزارة مراقبة الهلال وإصدار حصص الأذان ! وحجة الأولين أن المساجد التي حظيت بالأكفاء من القيمين الدينيين شهدت ازدهارا وإقبالا كبيرا، وكان الأئمة والخطباء وغيرهم من الدعاة خارج المساجد يجدون في عهده فضاء كافيا من الحرية، فعملوا بكل أوراق الاحتواء ليجد الجميع مكانتهم في المساجد وصل حد التعلق بها خاصة الشباب. ووصل اهتمام المغاربة بالمساجد وشؤونها في العهد الذهبي –وإن كان يتخللها الارتجال والفوضى-هذا الكم الهائل من المساجد والمدارس العتيقة ما بين 1980و 2002. ويرى آخرون ممن يطلق على عهده سنوات النوم والاسترخاء، أنه اذا ما استثنينا حصص الأذان ومراقبة الهلال فلا نجد علاقة لتلك الوزارة بالمساجد. بل ذهبوا لحد تحميل هذا الوزير وحده مسؤولية تخلف القطاع عن الركب فقد فوت فرصة النهوض بها، والأمر أنه عمر عقدين من الزمن على هرم أغنى وزارة وأتيحت له صلاحية التصرف المطلق لم تتح لمن سبقه، ويحضى بتقدير كل الفرقاء السياسيين ملتحين وغيرهم. إن إطارا حكوميا بهذه المواصفات ودَّع اسرة المساجد ليتركها كما وجدها. ولا نعلم إن كنا نستطيع إرغام التاريخ ليجد له الأعذار. وغير خاف على ذي عينيين أن الدكتور المدغري جاء إلى الوزارة، أو بالأحرى جئ به إليها فقيها يجيد عملية تمطيط القانون الوضعي، فهو محام محنك يمتلك تصورا شاملا عن الحركة الاسلامية ولا تمثل شؤون المساجد في وظائفه إلا واحدة من زوايا بيت العنكبوت يصح معها إبداء هذه الملاحظة: لماذا كل هذا التحامل على رجل ما اعترف يوما ان القيمين الدينيين ينتسبون لوزارته ؟! ومن المفارقات العجيبة أن تحظى كل المؤسسات العمومية بميزانيات عامة للإنشاء والصيانة وراتب الموظفين، ويشجع السيد المدغري استثناء المساجد والعاملين بها بدعوى فتح المجال لذوي الخير للمساهمة في الإنفاق عليها. وأعجب من ذالك ان يستقر على طرف لسان وزيرنا وينشرها على نطاق واسع*تكافل وكرم المغاربة قيم اجتماعية يجب ان تستمر*وهو أول من يعلم أن ذلك يفقد الائمة الاستقلالية والشجاعة ويقتل فيهم الأنفة، وفي نفس الوقت يتناقض مع نفسه إذا ما لاحظنا علاجا يقترحه لتفعيل مؤسسة العلماء، حيث قال: (بعدما أصبح من عامة الناس، بدون حقيبة-وقد قيل النشوة المخدرة تحجب التبصر) "إن هيئة العلماء تحتاج إلى استقلال مثل استقلال هيئة القضاء في الدول التي احترمت استقلال القضاء، وأن يكون لهم عطاء من الدولة يغنيهم عن السؤال، وعن بيع ماء الوجه وبيع الذمة والضمير، وأن يكون لهم عطاء غير مجذوذ ومن الميزانية العامة لا منة فيه لأحد". فأين غابت هذه الحكمة عن وزيرنا عندما استأثر بمال أوقاف أجدادنا المسلمين يفعل فيه كهذا وهكذا ذات اليمين وذات الشمال، ومنح النضار الذين صنعهم على عينه صلاحية صرف بعض الصدقات كما يحلو لهم وقتما يشاؤون؟!!.. أسرة المساجد وعهد احمدالتوفيق في محاولة أولى من أحد الائمة الغيورين للدخول على السيد الوزير التوفيق بدون استئذان رافعا في وجهه شعار *تنظيم قطاع أسرة المساجد وتحسين أوضاع القيمين الدينيين*وهي العبارة الترحيبية التي حرص هذا الإمام المناضل إسماعها للوزير أحمد التوفيق وموكبه يجتاز صفوف فقهاء المدارس العتيقة وجماهير القيمين الدينيين بالملتقى الوطني لحملة القرآن بموسم تعلات بنواحي سوس، إن شاء الله ان شاء الله ، هي هدية الوزير الجديد كوعد استقبلناه بأمل كبير، ومنذ ذلك الحين وهو يمطرنا سيادته بزوبعة من المبادرات لم نر لها وقعا في الغالب. إن السيد التوفيق على عكس سلفه المدغري جاء إلى الوزارة، ولا نقول جئ به حتى لا يعدنا معاليه من المرجفين ليحرس عن كثب وفي ظل إكراهات المحيط الدولي التي لا تميز بين جبال قندهار وجبال سوس بالمغرب !! إننا نكاد نلتقي مع تصور السيد الوزير في الأهداف المتوخاة من خلال تنظيم مهمة الإمامة والخطابة والمتمثلة في صيانة وظائف المساجد وحرمتها، ثم ضمان الطمأنينة اللازمة للمصلين ورواد المساجد، هي أهداف نبيلة حملها السيد الوزير ليجد الوزارة وقطاع المساجد كمّا هائلا بدون خرائط ولا معطيات. ولم يكن استقدام فريق عمل جديد وغريب في نفس الوقت عن القطاع إلا جزءا من المشكلة لتأتي بعده مبادرة إعادة هيكلة الحقل الديني لتعفي كثيرا من المشايخ المديرين ورؤساء الاقسام من مهامهم وما كان يسع فريقي إلا الارتجال المختفي في عملية استنساخ بعضها من خطط وزارة التربية والتعليم لتسيير قطاع تقليدي جد معقد، إلى درجة أن الناظر المتأني في جنبات أوراش الاصلاح التي اقترحها التوفيق يدرك انها مبادرات مرتجلة لا يرجى منها الكثير. إن صلاحية أية فكرة تبقى مرهونة بما تحمله من وسائل منهجية عملية تنقلها من عالم الفكر والنظر الى عالم التطبيق والتنزيل. ومما لا يخفى أن قضايا المساجد و أسرتها لم تأخذ قسطها من النقاش والعراك السياسي في دواليب صناعة القرار. وعليه، فإن ما نسمعه من أوراش إصلاح ما هو إلا اجتهاد أفراد قليلين يعطون حلولا آنية باعتبارها معالجة وقتية طارئة ريثما تتضح الصورةن فهي مثل الأوراش التي يأخذها أصحابها داخل حقائبهم إذا غادروا القطاع وكذلك في غياب استشارة القيمين الدينين الذين هم في ساحة التنفيذ لم يبق إلا ما يطرحه السيد الوزير من مبادرات. *الكاتب العام للرابطة الوطنية لأسرة المساجد بالمغرب [email protected]