كوارث طبيعية متعددة شهدتها المملكةُ، خلال الفترة الصيفية، أبانت عن مكامن الضعف المتعلقة بهشاشة النسيجين الاقتصادي والاجتماعي. كما سلطت الضوء بشكل أوضح على النقائص التي تعتري تدبير الوقائع الكارثية على المستويين المؤسساتي والتنظيمي بالمغرب؛ الأمر الذي يُمكن إرجاعه إلى غياب إستراتيجية وطنية مُندمجة في مجال تدبير المخاطر، بحيث لا يتم إيلاء الأهمية القصوى لمشاريع الوقاية وإعادة التأهيل ضمن السياسات العمومية. وعمل المغرب على إحداث صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية في 2016، من أجل تعويض ضحايا الكوارث ذات الأصل الطبيعي أو البشري في المغرب؛ لكن القانون لم يعرف طريقه إلى التنفيذ، لا سيما أن المرسوم التطبيقي الخاص بهذا الصندوق بقي "مُعطّلا"، وهو ما يُرجعه البعض إلى بطء الجهاز التنفيذي في إقرار القوانين، خصوصا أن هذا الموضوع لا يحتمل المزيد من التأخير في ظل التغيرات المناخية الكوكبية. تأخر في تنزيل القانون أُحدث صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية بموجب القانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام للتغطية عواقب الوقائع الكارثية، والذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر من سنة 2016، بحيث يُعرف القانون الواقعة الكارثية بكونها حادثا تنتج عنه أضرار مباشرة في المغرب، يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي. علي لطفي، الفاعل النقابي، قال إن "دستور المملكة نصّ على التضامن في حالة الكوارث، على أساس أن التضامن يستدعي تدخل الحكومة خلال وقوع هذه الكوارث الطبيعية، بغية إنقاذ المواطنين وحماية ممتلكات الناس، ثم العمل على تعويض الأسر على ضياع ممتلكاتها في فترة لاحقة"، معتبرا أن "الجميع كان في انتظار أن يصدر القانون التنظيمي لهذه العملية، لكنه تأخر مع كامل الأسف، لا سيما أن المغرب شهد فيضانات كثيرة في مناطق متعددة؛ من قبيل كلميم وتاونات والحوز، وغيرها". وأضاف لطفي، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "من المفروض حماية المواطنين خلال الكوارث الطبيعية، من خلال العمل على تقديم التعويضات اللازمة؛ لكن تنزيل المرسوم التطبيقي ما زال معطّلا، خصوصا في فترة الصيف التي تقع فيها هذه الوقائع بشكل كبير للغاية، إلى جانب ما يتعلق بالحرائق والجفاف الذي يستهدف الفلاحين الصغار والمتوسطين"، وزاد مستدركا: "أظن أن المغرب، ربما، هو البلد الوحيد الذي لا يعطي قيمة للكوارث الطبيعية". غياب التخطيط القبلي كريم عايش، باحث في العلوم السياسية، أكد أن "تدبير المخاطر بالمغرب موضوع متجدد كلما حدثت كارثة طبيعية ما، أو فاجعة إنسانية يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء ليس لهم من ذنب إلا غياب أي تدابير وقائية ومساطر احترازية تُجنبه المخاطر والكوارث، فتحفظ حياته وممتلكاته، ويتجدد سؤال الإستراتيجيات الاستباقية لتدارك المخاطر، لندرك أننا ما زلنا في بداية الطريق، وأن من يقومون بتدبير القطاعات، على الرغم من علو رتبهم، فإنهم على نفس المستوى من إدراك حتمية حدوث الكوارث". وشدد عايش، في حديثه مع هسبريس، على أن الفرق بين المواطن وبين المسؤول يتجلى في "كون المواطن بالمناطق المنكوبة يتعرض مباشرة للخطر؛ في حين يتعرض المسؤول عن استشعاره إلى التقارير والصور ومقالات الصحف ومقاطع الفيديو، ليبقى استباق الكوارث والاستعداد لها شيئا صعب المراد، عكس ما تقوم به الشركات الخاصة من اعتماد مصلحة تدبير المخاطر، فتقوم برسم شبكة لها وإعطاء احتمالية وقوع حادث ما مؤشرا من الأخضر إلى الأحمر، مع وضع خطط لتجنب الحوادث، وأيضا لتدبير هذه الحوادث وحصر تأثيرها بشريا أولا ثم ماديا". وتابع عضو مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقول: "تأخر القطاعات الحكومية على تدبير المخاطر هو تأخر بنيوي مركب بسبب غياب ثقافة الاستشراف، وأيضا التخطيط القبلي لمجابهة المخاطر، إذ تكتفي بانتظار الكارثة لتقوم المصالح بالاستنفار والتحرك لمباشرة الإنقاذ وحِساب الخسائر"، مؤكدا أن "صندوق التضامن مع الوقائع الكارثية المحدث بالقانون رقم 110.14 والذي تبعه مرسوم رقم 2.18.785، والذي عين مديره العام يوم 4 يونيو 2019 آلية حديثة ومتعددة الاختصاصات، والأدوات". استكمال هياكل الصندوق بموجب القانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام للتغطية عواقب الوقائع الكارثية، تحدث لجنة تتبع الوقائع الكارثية. ويتم الإعلان عن حدوث الواقعة الكارثية بموجب قرار إداري بعد استطلاع رأي اللجنة السالفة، ويتم تحديد المناطق المنكوبة وتاريخ ومدة الواقعة الكارثية، لتنطلق بعدها عملية تقييد الضحايا في سجل التعداد ثم عملية منح التعويضات من طرف الصندوق. في هذا السياق، أبرز عايش أنه "لكي تقوم هذه الآلية بدورها على أكمل وجه، لا بد أن تستكمل هياكلها الإدارية من مجلس الإدارة وتعيين الأطر. وطبقا للمرسوم سالف الذكر، يتحتم الإشراف على تكوين مختلف اللجان التي بها ممثلو القطاعات الحكومية المختلفة، وكذا قوانينها الداخلية وفتح سجل التعداد وتنظيم مساطر إحصاء الكوارث وتصنيفها وسبل تعويض المتضررين منها، وعلى صعيد تمويل الصندوق يحدد الظهير مجموعة من الموارد التي ما زالت لم تصب بعد في حسابه، مما يظهر ثقل وكبر هذا المشروع". وختم الباحث في العلوم السياسية تصريحه بالقول: "الصندوق يحتاج بعض الوقت لإرساء دعائمه وتجويد أدواته حتى يكون قادرا على أداء الدور المنوط به وفق الأهداف المسطرة له. ولهذا، لا أعتقد أنه سيكون عمليا في هذه الفترة، بل سيحتاج أشهرا إضافية حتى تكتمل مختلف جوانبه الإدارية والقانونية، ويصبح قادرا على الاستجابة لمختلف العواقب التي تخلفها الكوارث الطبيعية". غياب المُواكبة الطبية اعتبر الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل أن الحكومة غيّبت برنامج المستعجلات خلال فترة الكوارث، مشيرا إلى أن "هذه الأحداث تستدعي وجود تدخل سريع من قبل وزارة الصحة من أجل إنقاذ المواطنين، بحيث كنّا نشاهد المروحيات الطبية تنقل حالات طبية ليست مستعجلة من مدينة إلى أخرى خلال أوقات عادية، بينما كانت غائبة في الوقت الذي احتاجها المواطن، إبان الكوارث الطبيعية التي شهدتها بعض مناطق المملكة". ويرى لطفي، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "وزارة الصحة اقتنت سبعين سيارة إسعاف مجهزة بأحدث التجهيزات، بحيث كلّفت كل واحدة على حدة قرابة 340 مليون سنتيم؛ لكنها توجد في مرائب وزارة الصحة والجماعات الترابية، في حين يفترض استخدامها لأداء الخدمات الاستعجالية للمواطنين إبان هذه الوقائع الإنسانية"، مؤكدا أن "السلطات المحلية لا تأخذ النشرات الجوية على محمل الجد، بينما ينبغي أن تعبئ فرقها قبل وقوع الكوارث". برنامج استعجالي للإنذار حزب الاستقلال تطرّق بدوره إلى الموضوع الذي يشغل بال المغاربة، داعيا الحكومة إلى "ضرورة تبني إستراتيجية استباقية ووقائية في تدبير الكوارث الطبيعية، حماية لأرواح المواطنات والمواطنين، وأن لا تبقى حبيسة ردود الأفعال بعد حصول الفواجع كما يؤكد ذلك واقع الحال ومختلف التقارير الوطنية والدولية". تبعا لذلك، طالب التنظيم السياسي، من خلال بيان اللجنة التنفيذية، الثلاثاء، ب"وضع برنامج استعجالي للإنذار والتدخل لتحصين المناطق المهددة بالفيضانات وباقي الظواهر الطبيعية القصوى، كالعطش وندرة المياه والزلازل، وهي ظواهر ستزداد وتيرتها وحدتها في ارتباط بالتغييرات المناخية". وساءل الحزب عينه الحكومة بخصوص عدم تطبيق القانون المتعلق بصندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، الذي تم صدوره منذ أكثر من سنتين دون أن يعرف طريقه إلى التنفيذ، على الرغم من كل ما عرفته بلادنا من كوارث طبيعية خلفت ضحايا في الأرواح والممتلكات تستدعي تعويض الأسر والساكنة عما لحقها من أضرار". انعدام إستراتيجية وطنية المجلس الأعلى للحسابات سبق أن نبه، منذ سنة 2016، إلى غياب إستراتيجية وطنية في مجال تدبير المخاطر، مؤكدا أن المخاطر الطبيعية لا تولى لها أي أهمية في السياسات العمومية. في هذا الصدد، يورد تقرير صادر عن المجلس سالف الذكر: "تبقى المشاريع المتعلقة بالوقاية والتدبير وإعادة التأهيل غير كافية، رغم ما تم من مجهودات في مجال الرفع من القدرة على مواجهة المخاطر والانتقال من ممارسة تقنية صرفة إلى الانخراط في منطق إستراتيجي مندمج". كما أشار "مجلس جطو" إلى غياب نظام إعلامي جغرافي يشمل جميع المخاطر بخصوص تدبير الكوارث الطبيعية، مبرزا أن هذا "الأخير يُمَكن من التحكم أكثر في المخاطر عن طريق استعمال المعطيات المتوفرة في تحديد المناطق المعنية، ووضع سيناريوهات لمواجهة الحالات الاستعجالية". وأبرز التقرير عينه غياب إطار قانوني بخصوص الوقاية وتدبير المخاطر، وزاد: "يتوفر المغرب على العديد من النصوص القانونية التي تعالج القضايا المتعلقة بتدبير الكوارث الطبيعية، لكن يلاحظ بأن هذه النصوص كانت قد أعدت في الأصل استجابة لحاجيات معينة، دون أن توضع في إطار رؤية شاملة تؤسس لإستراتيجية منسجمة للوقاية ومكافحة الكوارث الطبيعية".