لا يخفى على العديد من المتتبعين لمسار جماعة العدل و الإحسان الدعوي و السياسي منذ نشأتها الأولى على يد الأستاذ عبد السلام ياسين أن مصطلح القومة و الخلافة ضلا لصيقين إعلاميا بها ؛ كما أن الجماعة طالما ظلمت بسبب أدبياتها خصوصا المتعلقة بمستقبل الأمة و مصيرها ؛ فكيف انخرطت الجماعة المتشبعة بفكر القومة و التي طالما تحدت عنه مرشدها في كتبه العديدة ؛ و كيف شاركت شرائح من المجتمع المغربي في ما يسمى حراك 20 فبراير . مفهوم القومة : تتميز المصطلحات التي تتداولها الجماعة في أدبياتها بالانتقاء من القرآن الكريم أو الحديث الشريف ؛ و يندرج مصطلح القومة ضمن هذه المصطلحات فنجده في القرآن : قال الله تعالى: ﴿وإنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبدا﴾[1]. وفي القرآن: ﴿وأن تقوموا لليتامى بالقسط﴾[2]، ﴿كونوا قوامين لله شهداء بالقسط﴾[3]، ﴿كونوا قوامين بالقسط شهداء لله﴾[4]. كان الصحابة و التابعين لهم يميزون بين كلمة "القائم" وبين كلمة "الثائر" حيت اقترنت الأولى بكل من قام بالحق ضد حكام الجور أما الثانية فضلت لصيقة بكل من حمل السلاح ضد السلطان. إن جماعة العدل و الإحسان لا تتشبت بالقومة كمصطلح قرآني فقط بل تتبناه كمنهاج على منوال آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا أول القائمين على حكام الجور من بني أمية و تبعهم في ذلك علماء المسلمين . القائمون من آل البيت و الصحابة: كان الصحابي حُجْرٌ بنُ عَدِيٍّ السبّاق إلى هذا السبيل ؛ حيت قام في المسجد على زياد بن أبي سفيان - منسوب لابي سفيان زورا - الذي كان يكثر من سب آل بيت رسول الله فردّ عليه ؛ فبعث زياد بحُجر وباثني عشر من أصحابه إلى معاوية، فقتل معاوية حجرا وسبعة من أصحابه شر قتلة، أما الثامن فرده إلى زياد فدفنه حيا . و كان قيام حُجر رضي الله عنه حدَث مُهم فتح في تاريخ المسلمين سجلا طويلا من مقاومة العلماء لسلاطين الجور؛ ثم كانت قومة الإمام الحسين عليه السلام ضد اليزيد حتى أفضت إلى استشهاده حيت غدر به ؛و بعد بني أمية توالت مِحنةُ آل البيت مع العلويين فقام الإمام زيدٌ بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين رضي الله عنهم ضد هشام بن عبد الملك الأموي، وتضامن معه الإمام أبو حنيفة الذي كان يقول كلمة الحق وينتقد الحكم. وخرج أبو حنيفة مع قائم آخرَ من آل البيت، من ذرية الإمام الحسن عليه السلام، هو محمد بن عبد الله "النفس الزكية"، وآزره بالمال في حربه للمنصور العباسي. وكان أبو حنيفة يرى أن الثورة على ملوك العض من أمويين وعباسيين أمرٌ جائزٌ شرعا، بل مشروع واجب ؛ و كذلك الشافعي كان يُكنُّ الوَلاءَ للقائمين ضد تسلط بني العباس. الجماعة و 20 فبراير.. محطة في مسار القومة : تعد مشاركة الجماعة في الحراك الشعبي الذي جاء بعد تاريخ 20 فبراير مشاركة مشروعة و لا تتناقض مع فكر القومة المتشبعة به حيت أنها اشترطت في الوهلة الأولى السلمية شرطا لا محيد عنه ؛ كما أن مشاركتها غير مستغربة حيت ظلت تمارس القومة منذ نشأتها ؛ فلا ننسى الرسالة التي بعثها مرشدها عبد سلام ياسين إلى الملك الراحل الحسن 2 و التي عنونها ب الإسلام أو الطوفان فتعرض على إثرها إلى السجن 3 سنوات ؛ تم رسالة إلى الملك الجديد محمد 6 تحت عنوان مذكرة لمن يهمه الأمر و كانت هاتين الرسالتين عبارة عن نصيحة من عالم إلى الملكين ؛ كما أن خط الجماعة ظل يصدع بالحق و المعارضة الواضحة لسياسة النظام برمته و هو ربما ما لم تجرأ عليه العديد من المكونات أو لم تثبت عليه ; كما أن محطة 20 فبراير توقفت يوم 18 دجنبر بالنسبة للجماعة و تستمر في فتل حبل القومة إلى أن يستجيب القدر. ***** [1] سورة الجن، الآية :19. [2] سورة النساء، الآية :127. [3] سورة المائدة، الآية :8. [4] سورة النساء، الآية :135.