قالت ورقة بحثية صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن حرائق الأمازون التي أتت على جزء كبير من الغابة البرازيلية من شأنها الإضرار بالأمن البيئي الإقليمي والعالمي، لكون هذه الغابة تلعب دورًا محوريًّا في التصدي لظاهرة التغيرات المناخية، وهي مسؤولة عن إنتاج نحو عشرين بالمائة من الأكسجين على كوكب الأرض، وتمتص ملايين الأطنان من انبعاثات الكربون سنويًّا. وأضافت الورقة أن لغابة الأمازون تأثيرات على الاقتصاد البرازيلي كذلك، إذ لها جوانب مزدوجة: تُفسح المجال أمام التوسع في قطاع الزراعة وتربية الماشية، وهو ما يمكن أن يكون له مردود إيجابي على الاقتصاد البرازيلي، ومن ناحية أخرى يمكن أن تُلحق الدعوات الأوروبية لمقاطعة منتجات البرازيل من لحوم البقر، أو وقف التصديق على الاتفاق التجاري مع الميركوسور، خسائر بالاقتصاد البرازيلي الذي يُعاني بالفعل من حالة من الركود، خاصة مع انخفاض توقعات النمو الاقتصادي لعام 2019، من 2 بالمائة إلى 0.8 بالمائة. وأوضح المصدر ذاته أن مكانة البرازيل مهددة أيضا، إذ جذبت حرائق غابات الأمازون اهتمام قطاعات عريضة في المجتمع الدولي، ونظم المتظاهرون المعنيون بتغير المناخ احتجاجات خارج السفارات البرازيلية في عدد من البلدان، للمطالبة بالتصدي لهذه المشكلة. وواجهت الحكومة البرازيلية ضغوطًا دولية لحماية الغابات المطيرة الشاسعة من أنشطة قطع الأشجار أو عمليات التنقيب غير القانونية. وكان ائتلاف يضم 118 منظمة غير حكومية انتقد في بيان مشترك "انعدام المسؤولية" لدى الرئيس البرازيلي. وبخصوص الأسباب قالت الورقة البحثية إن الأمر ينقسم إلى الداخلي والخارجي، فثمة تباين واضح في مواقف الأطراف الداخلية البرازيلية في ما يتعلق بأسباب اشتعال حرائق الغابات؛ فمن ناحية أولى تُلقي المنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة، وكذلك المنظمات المدافعة عن حقوق السكان الأصليين، بالمسؤولية على الرئيس البرازيلي "جايير بولسونارو" في اشتعال الحرائق في غابات الأمازون بوتيرة غير مسبوقة منذ عدة سنوات. ويرى المدافعون عن البيئة أن "التغيرات المناخية قد تكون من العوامل المفسرة لاشتعال الحرائق، خاصة مع موسم الجفاف الذي تشهده البرازيل في الوقت الحالي"، لكنهم يؤكدون أن "معظم الحرائق أُضرمت عن عمد من قبل المزارعين لإزالة الغابات بطريقة غير شرعية". أما على المستوى الدولي، تورد الورقة أنه "مثلما اختلفت رؤى الأطراف الداخلية البرازيلية حول المسؤول عن حرائق غابات الأمازون، فقد حدث الشيء نفسه بالنسبة للأطراف الدولية؛ ففي وقت اتخذت بعض الدول الأوروبية مواقف منددة بسياسات "بولسونارو" البيئية، واتهمته بعدم اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للتصدي لمشكلة الحرائق، ساندته بعض الدول الأخرى". وأكمل المصدر ذاته: "فرنسا، الدولة الحاضنة لاتفاق باريس للتغير المناخي، كانت صاحبة الصوت الأعلى في الأزمة؛ إذ صدرت عن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" انتقادات لاذعة للرئيس البرازيلي، بسبب ما اعتبره "تقاعسًا" من قبل "بولسونارو" أمام هذه الكارثة البيئية. واتهمت باريس "بولسونارو" ب"الكذب" بشأن التزاماته حول المناخ. ووصف "ماكرون" الحرائق بأنها "أزمة دولية"، مطالبًا قادة مجموعة الدول السبع بضرورة إدراجها على جدول أعمال قمتهم المنعقدة في فرنسا". وسارت كل من ألمانيا وكذلك أيرلندا وفنلندا على نفس النهج الفرنسي، حسب الورقة، فقد انتقدت استجابة "بولسونارو" للأزمة. ووصفت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الحرائق بأنها "حالة طوارئ خطيرة". كما هددت فرنسا وأيرلندا بعدم التصديق على الاتفاق التجاري الموقع في يونيو الماضي بين الاتحاد الأوروبي وتجمع الميركوسور "البرازيل، الأرجنتين، أوروجواي، وباراجواي"، في حال عدم بذل البرازيل المزيد من الجهود لحماية الغابات المطيرة. وفي السياق ذاته طالبت فنلندا بفرض حظر على صادرات البرازيل من اللحوم. في المقابل، كان موقف بريطانيا إلى حد ما فاترًا من هذه الأزمة، وربما يمكن وصفه بالمساند لبولسونارو؛ فبينما صرح رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" بأنه "قلق جدًا" بسبب التأثير الكارثي المحتمل لفقدان عدد كبير من الأشجار على البيئة، زار وزير التجارة البريطاني "كونور بيرنز" البرازيل، سعيًا إلى تعميق علاقات بلاده الاقتصادية ببرازيليا، وذلك في إطار استعداد بريطانيا لمرحلة ما بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وردًّا على سؤال حول الحرائق، قال وزير التجارة البريطاني إن حكومة "بولسونارو" لديها "طموحات مشروعة لتحقيق الرخاء لشعبها". أما الولاياتالمتحدة فساندت الرئيس البرازيلي. وأجرى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" اتصالًا هاتفيًّا ببولسونارو، وعرض المساعدة إذا لزم الأمر في التعامل مع الحرائق. ويمكن تفسير موقف ترامب المساند لبولسونارو بعاملين، أولهما: موقف الرئيس الأمريكي نفسه المعارض لقضية التغير المناخي، خاصة أنه سبق أن أعلن في يونيو 2017 انسحاب الولاياتالمتحدة من اتفاق باريس للتغير المناخي، وثانيهما: تقارب الرؤى بين الرئيسين الأمريكي والبرازيلي، ليس فقط في ما يتعلق بالموقف من قضية التغيرات المناخية، ولكن أيضًا في ما يتعلق بالعديد من القضايا والملفات الدولية والإقليمية، خاصة أن كلا الرئيسين ينتميان إلى تيار اليمين المتطرف.