نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة بحبات البرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الإثنين    رئيس مجلس الشيوخ البرازيلي يدعم مغربية الصحراء ويشيد بعلاقات البلدين    حفل ديني بالمسجد العتيق بتاوريرت إحياء للذكرى 26 لوفاة المغفور له الحسن الثاني    عجز الميزانية بالمغرب يتراجع إلى 26,6 مليار درهم عند متم شتنبر (الخزينة العامة للمملكة)    تقرير.. المغرب يحقق نتائج إيجابية في مواجهة "الجوع"    غالانت يعد بالرد على عملية "العشاء الأخير"    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: مشهد داعشي بالضاحية.. والتشادور في شوارع المسيح    بسبب احتجاز اللاعبين في المطار.. نيجيريا تقرر عدم خوض مباراة ليبيا    تواجد في ملهى ليلي أثناء مباراة فرنسا.. تشواميني وديشان يدافعان عن مبابي    تحذير من أمطار عاصفية هذا اليوم    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء – سطات تطلق عملية واسعة النطاق لتنقية شبكة التطهير السائل بالجهة    تعليق الدراسة اليوم في مدارس العالم للقروي بورزازات بسبب الأمطار الطوفانية    مجلس المالكي يُؤكد سطوة الخيار الفرنسي على التعليم باتفاقيات جديدة للشراكة    ناشط بارز ب"حراك الماء" في فكيك يغادر سجنه    دولة إفريقية تعلن تسجيل أول حالتي إصابة بفيروس جدري القردة    بورصة البيضاء تنتعش بعد انخفاض طفيف    تراجع أسعار النفط بفعل مخاوف بشأن الطلب في الصين    تسجيل 18,7 مليون ليلة مبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة خلال 8 أشهر    مرصد: "غول الفساد" واستفحال البطالة والاحتقان الاجتماعي من بين التحديات المقلقة التي تواجه الحكومة في عامها الرابع    هزالة الأجر ومدة التعاقد وقضايا أخرى تدفع الأطباء المقيمين والداخليين للإضراب    مناورات بحرية مشتركة بين المغرب وبريطانيا قبالة سواحل طنجة    حادثة غريبة في "مارينا" السعيدية.. سيارة تنزلق إلى قاع الميناء وسط دهشة الحاضرين    "لوموند": المغرب لديه "أكبر مسرح" في إفريقيا كلف بناءه 200 مليون أورو لكنه مغلق    فيلم "تيريفاير 3" يتصدر شباك التذاكر    دارون أسيموغلو وسيمون جونسون وجيمس روبنسون يفوزون بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2024    ماريا نديم تظهر لأول مرة مع مولودها وتكشف عن إحساسها بالأمومة (فيديو)    هذا موعد الدورة المقبلة من مهرجان موازين إيقاعات العالم    "العدالة والتنمية" ينتقد الارتباك والتدبير الكارثي للمجالس الجماعية بإقليم سيدي إفني    دراسة: تناول كميات طعام أقل قد يكون له تأثير إيجابي على متوسط العمر المتوقع    المنتخب المغربي لكرة القدم لمواليد 2000 يفوز وديا على نظيره الغيني (5-0)        الكاف يحدد موعد انتخاباته الرئاسية    رسميا..طلاق فرح الفاسي وعمر لطفي    عامل إقليم الفقيه بن صالح محمد قرناشي يترأس الذكرى السادسة والعشرين لوفاة المغفور له الحسن الثاني بمسجد السلام حي نزهة 1.    "غلوري" توقف المقاتل جمال بن صديق بسبب المنشطات    ترتيبات جديدة تنظم "إسعاف السفر"    "البام" يعرض هجوم مستشاري "الأحرار" على عمدة طنجة في اجتماع الأغلبية    حزب الله يستهدف ثكنة في وسط اسرائيل    دراسة: الذكاء الاصطناعي ساعد في اكتشاف آلاف الأنواع من الفيروسات    قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مركز توزيع أغذية في جباليا    المعهد المغربي للتقييس يخلد اليوم العالمي للتقييس        جامعة كرة القدم تكرم لاعبين دوليين بالمنطقة الشرقية    رحيل المفكر اللبناني مصطفى حجازى صاحب كتاب "سيكولوجية الإنسان المهدور" عن عمر ناهز ال 88 عاما    مصرع سيدتين في فيضانات بإقليم تازة    السلاح النووي والصراع بين إسرائيل وإيران يدقان ناقوس الخطر في المنطقة    توقيف شخص مسلح قرب تجمع انتخابي لدونالد ترامب    دلالة ‬النداء ‬العاجل ‬من ‬جلالة ‬الملك ‬للشعب ‬من ‬أجل ‬التعبئة ‬و ‬اليقظة    منسوب واد إميضر يربك حركة المرور    من التصيد إلى الاحتيال .. هكذا تحمي نفسك في العالم الرقمي    أعراض داء السكري من النوع الأول وأهمية التشخيص المبكر    أول عملية مغربية لتجميد مبيض تحفظ خصوبة شابة تواجه سرطان الدماغ    مغربيتان تتوجان بجائزة أفضل قارئ عربي في مسابقة "إقرأ" بالسعودية    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بهدوء ...
نشر في هسبريس يوم 29 - 12 - 2011

كثرت المقالات التي تناولت حدث انسحاب جماعة العدل و الإحسان من أنشطة 20 فبراير، منها ما كان أسير النظرة الإيديولوجية و القراءات الانفعالية المشحونة بالغضب الطفولي و منها ما كان نتيجة قراءة متأنية متحررة من خطاب الاحتراب الجامعي و عقليات المفاصلة الجذرية ، مقالات حاولت أن تنصب نفسها كما لو أنها خبيرة بمفاصل الفكر السياسي و اللغة السياسية فنزعت نحو ألعاب التبخيس و التحقير بشكل يجعل أصحابها مفكرين أحاطوا بالمفردات السياسية و جهابذة في العلوم السياسية ، مقالات تتحدث عن ارتباط القرار بالسفارة الأمريكية بطريقة كوميدية يضحك عليها كل متتبع لخط الجماعة و تاريخها الثابت ، تتحدث عن " الظلامية " بشكل يذكرنا بخطابات التحريب المفاهيمي و مثقفي طلاب الشهرة ، ... في المقابل نلاحظ مقالات رصينة لم تاخذها العجرفة السياسية و الانفعالية السطحية في تحليل أبعاد قرار الجماعة و إنما قاموا برصد و قراءة أبعاد القرار مستحضرين الافتراضات و الدوافع الأساسية و الثانوية التي أسهمت في دفع الجماعة لاتخاذ قرار التوقيف .
مشكلة العديد من المؤدلَجين بالثقافة التداولية الهجينة أنهم لا يتركون مجالا للتروي و لا يتركون مناطق فارغة للتحليل خارج منطقهم ، فأنتَ حينما تقرأ لهم تحس بعنف رمزي شديد لا هوادة فيه و لا نسبية بشكل يتناسب تماما مع منطق العنف الثوري الذي يؤمنون به ، بمجرد أن أُصدِرَ القرار بدأت تتقاطر الردود السامة و الكتابات الهزيلة و القراءات المغرضة و الاتهامات المجانية بشكل يوحي أننا بإزاء كراكيز تسعى للاحتراف والتسلق على أنقاض الشرفاء لا مع كتاب متواضعين ، المقالات الايديولوجية أبانت عن صورتها الثابتة و كشفت الغطاء عن بنية لائكية متحكمة في اللاشعور الباطني عندهم ، أعادتنا إلى نقطة الصفر حينما سمحت لنفسها بالتطاول و التنابز بالسخافات مع تيار يزداد صلابة مع الأيام ، كنا نقول دائما إن ردود الأفعال لا تصنع الأحداث و الآن نقول إنها فعلا زادت من كشف الأنياب ، فمقالات تافهة "سياسوية" تصدر عن انفعال تحيلها مباشرة إلى قبور الفكر و تصك لها أوسمة المراهقة السياسية إلى حين أن يتواضع أصحابها و يتحدثون بأدب مع من توغلوا في السياسة و سبروا أغوارها . نقبل بنقاش هادئ محمول على وجهات نظر و نلتزم مع أصحابهم آداب التحاور و نعرض عن قمامات السب و القدح بالدعاء لهم بالشفاء العاجل من هيستريا الانفعال.
حسنا ، لماذا كل هذا اللغط حول قرار الوقف و هم يؤمنون بأن القيادات في كل التنظيمات تملك هذا الحق ؟ لماذا هذه المزايدات السياسية على تنظيم عُرف بمبدئيته و خطه السياسي المُعلن ؟ لماذا هذه الطعونات و الاتهامات و أصحابها لو أُمِروا بالانسحاب من طرف قياداتها لما ترددوا لحظة في الالتزام بالقرار ؟ هل نحن أمام حراك مائع أم أمام تنظيمات لها أطرها و خبراءها ؟ نحن نطرح تساؤلات تنظيمية و لم ننفذ بعد إلى الدوافع الموضوعية و الموانع التشاركية التي تكبح عجلة مسيرة 20 فبراير ؟ لم نطرح من جهتنا تساؤلات الصدق على اليساريين في بناء التغيير اعتمادا على المقاربة التشاركية ، و لم نُسائل محاولات الهيمنة و فرض الأمر الواقع و خطابات الإقصاء ، لم نقم بعد بعرض إفرازات الايديولوجية و تسليطها قسرا على الفبرايريين رغم محدودية القواعد الشعبية التي يتمتع بها أصحابها في الشارع . ربما لو أمكن لنا تحليل الصخب المقالاتي المُثار و الهياج الكلامي سنجد الأمور أبعد من أن تجمعها اعتبارات النقد السخيف للبيان ، و نحن نختصرها في ثلاث اعتبارات :
الإعتبار الأول : العقلية الاحترابية الجامعية
فقد أصبحت أجواء التناقض الجامعي بين المكونات الفصائلية و ما أنتجتهُ من صراعات ثابتا أساسيا في عمليات التصنيف و الفرز بحيث أمكن لنا الجزم أن تبعات الصدام الجامعي، بما هي تناقضات في الأسس المرجعية ، غدت رافدا مركزيا متحكما في نمط الاجتماع إمتدت تأثيراته ليمس ظلال الفصائل خارج الجامعة ، فنحن نلاحظ كيف يسارع العقل اليساري عند الإدانة ليعيد الروايات و المسارات الجامعية كلما تناقض مع خصومه في الحراك الاجتماعي . إن إدانة قرار الجماعة من طرف هؤلاء لم يكن إلا صورة أخرى من صور نقل الصراع خارج الحلبة حيث تجد بعض اليساريين ممن لم يتلوثوا بصور الاحتراب الجامعي التزموا الأدب و تحدثوا عن حق الجماعة في اتخاذ ما تراه مناسبا ، في حين تجد عقلية الجامعي اليساري يعيش نفقا أسودا يطلق سهامه بعشوائية كما لو أنه أُطلقَ من عقاله .
الاعتبار الثاني : محدودية القواعد الشعبية
تصدر ردود الأفعال أحيانا من عقد نفسية لا علمية تتحكم في عملية النقد الهدام ، و قد تأخذ هذه العقد أشكالا مختلفة ، فاليسار للأسف لما تدحرجت شعبيته في بداية التسعينات ليصل إلى مستوى متدن صارمجنونا لا يملك الجرأة على الاعتراف بعقدته مع الشعب ، في حين يرتفع منسوب الإسلاميين من الشعبية و الجماهيرية مع تعاقب الأيام ، و هذه القهقرى لم تكن لتغيب عن صناعة أحكام الإقصاء و القدح اللامبرر ، فاليسار اللائكي يدرك القوة الجماهيرية الإسلامية التي حركت الشوارع في الاحتجاج الفبرايري و يعي أن أي انسحاب سيؤدي لا محالة إلى تراجع الصوت الاحتجاجي و هو ما ظهر بشكل واضح في مسيرات 25 دجنبر ، للأسف فإن هذا الوعي لم يصاحبه مراجعة أشكال التعامل مع الجماعة و لم يدفع اليسار لتغيير الأساليب النمطية و السلوكات الانفعالية التي وسمت أداءه السياسي ، فبدلا من نقد الذات و صياغة "حلف فضول " يحترم مرجعيات الآخرين تجد عقد النقص تتحكم في اتخاذ الأحكام المتسرعة التي تصف قرار الجماعة بالخذلان . برأيي لو كان لليساريين القاعدة العريضة في احتجاجات الشوارع لما كانوا في حاجة لنقد قرار الجماعة بالسخافات و الدعايات لتسويق الأكاذيب ، و لكانت سواعدهم الشعبية تُغنيهم عن الانفعال الجنوني و الصخب الإعلامي .
الاعتبار الثالث : الجهل بفنون السياسة
السياسة في منظورنا ليست خطا ثابتا من الممارسات التدبيرية و ليست قواعد صارمة بحيث يمثل الالتزام بها قانونا ، و إنما هي جملة مسارات تخضع للزمان و المكان و لا تسقط عامل المتغيرات الطارئة ، فكثير من القرارات قد تبدو عند البعض جزافية ومنافية للحس السياسي و لكنها تُثبت نجاعتها و صوابيتها مع مرور الأيام ، و لا يقدح في قرارات أصحابها بمجرد صدمتها لعموم الناس و أعرافهم ، و لعل التاريخ المعاصر للحركات الاحتجاجية و التنظيمات يؤكد ما نذهب إليه ، فلا يُعقل أن نعاتب الجماعة على قرارها بشكل هستيري و معظم التيارات التي تؤمن بدائرية السياسة تمارس هذا الحق الطبيعي خصوصا و لقرار الجماعة اعتبارات وجيهة يعرفها كل مناضل تنسيقي كابد التسلط والهيمنة .
لكن دعونا من المهارشة الطفولية التي تتسم بها مقالات المزايدات و صناع التمزق الفكري لنناقش القضية بهدوء بعيدا عن الضجيج الايديولوجي المصنوع جامعيا ، تُرى هل كان اليسار و خصوصا الاشتراكي الموحد في مستوى اللحظة المطلوب منه إبان الاحتجاجات على مستوى احترام المكونات المؤطرة لحركة 20 فبراير ؟ هل يتحرك الحزب انطلاقا من قناعة التغيير التشاركي أم يمارس التحايل النضالي مرحليا في انتظار كشف أنيابه ؟ هل هو جاد في البحث عن أطراف تتقاسم الهم الإصلاحي لهذا البلد أم يناور سياسيا ليتسلق على القواعد الجماهيرية ليعلنها في ما بعد حربا عليهم عبر الألفاظ النابية و الاتهامات الساخنة ؟ إذا لم يكن الحزب قد نضج بما فيه الكفاية ليكون شريكا حقيقيا في إدارة حكيمة للاحتجاجات فلإنه مازال يتغذى على مخلفات الفضاء الجامعي و لازالت الايديولوجيا تُعمي حتى القيادات التي تلفظ سموم الإقصاء و التنابز . فإذا كانوا يتحدثون عن الخطر المحدق بحركة 20 فبراير المتمثل في " محاولة تسييد توجه أصولي لا يقل رجعية عن المشروع الديموقراطي " و " تحويلها إلى أداة في خدمة مشروع مخزني " إبان مجرى الاحتجاجات فإن ذلك يعبر عن انحطاط الفكر اليساري و غلبة النزعة المتطرفة في مقاربة مشاريع التغيير الجماعي ، ففي الوقت الذي انخرطت فيه الجماعة في الحراك الاحتجاجي السلمي عن اقتناع تام بوحدة المطالب الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية بين كل الأطياف و تتحدث بأدب رفيع عن المكونات الأخرى دونما انتهاك و تجريح للايديولوجيات اليسارية رغم الحملات المخزنية التي حاولت كشف بعض المواقف المنافية لطبيعة المجتمع الإسلامي فإن ذلك لم يشفع لليسار في كشف حناجر الغدر و السب فمضى في طريقه الأسود كما لو أنهُ يقود مجتمع لينيني يُؤمن بثقافة الحزب الواحد . يشهد كل متتبع للحراك بالتزام الجماعة أرقى أشكال الانضباط سواء في الشعارات أو في المسار الحركي الاحتجاجي و لم تعمد إطلاقا الى استغلال الكم الجماهيري لصالح مطالبها الشخصية كما لم تمارس قط أساليب الابتزاز و الاستدراج بالشكل الذي نجدهُ دائما عند اليساريين حينما يرفعون شعاراتهم الفئوية ، و لكن للأسف يفهم اليساري الانضباط على أنهُ عجز و سكون فيتمادى في أدلجة الشعارات و يحدث رفاقه في خلسة الليل و منتديات النقاش عن" أصوليين" " ظلاميين " و عن العدل و الإحسان كجزء من المشكلة .
كان بالإمكان أن تنشر الجماعة بتفصيل في بيانها دواعي قرار الوقف ، لكنها كما العادة تلتزم الأدب بعدم التشهير بالناس حول تصرفات و سلوكات اليسار الطائشة في جلساتهم و مؤتمراتهم الخاصة ، لم تتعود الجماعة نهج خيار التفسيق و التلحيد و لصقها في بيان يُتلى . اختارت في نظري أن تترك القارئ الحصيف يتأمل ما وراء السطور و يتوصل بذاته لهذه الخلاصة دونما تجريح .
لو كان اليسار – و لا أعمم – يغلب مصلحة البلد و يسعى بجد لإنشاء " حلف فضول " حقيقي مع الشرفاء و الأغيار لما وجدتَ قاعدته الجماهيرية هشة أصلا ، و لما اختارت التيارات الأخرى الانسحاب . كان لابد للجماعة الانسحاب لأنها لم تجد الشريك الجاد القادر على صناعة التغيير بما ينسجم مع الخصوصيات ، كان لابد من ذلك لتناقض التوجهات بشكل يستحيل معها الجمع بينهما ، لسنا أمامَ يسار معتدل حتى نطمع فيه التوافق ، فيكفي لمتأمل بسيط في مفردات الخطاب اليساري في علاقته بالتيار الإسلامي أن يرصد ما يتقطر منه سما و ما يكن لهُ من عداء متأصل في البنية اللائكية العنيفة . قانون تناقض الأضداد و صراعها عند الماركسيين لن ينتج حتما عنه تحول في الكيف في المشهد الاحتجاجي و لن تكون إفرازاته أكثر من تمزق و ضياع وجهة الحراك السلمي.
لا بد لليسار أن يفهم حقيقة ذاته و يقلع عن مخاصمة من يغايرون مرجعيتهم الوضعية ، فلا تكفي الشعارات الحماسية و لا المواقف الراديكالية لبناء تنظيم قوي ، و إنما يحتاج الأمر إلى نضج سياسي و أدب أخلاقي رفيع يكسب به ثقة الناس الذين أداروا ظهورهم له ، فضلا عن الاقلاع عن معاداة المشروع الإسلامي الذي تغلغل في مفاصل المجتمع من خلال مراجعة منطلقاته الفكرية و المنهجية التي أفقدتهُ الشعبية اللازمة : عدل بلا إحسان .
تراكمت إذن أخطاء اليسار خلال عشرة أشهر لتنتج قرار الوقف ، فبعدما كانت الحركة الفبرايرية في بدايات الاحتجاج قوية راحت تزداد انكماشا مع مرور الأيام بفعل الانطباعات التي تخلفها بشكل مستمر تصرفات اليسار و مواقفه من الآخرين ، و الآن تدخل الحركة في حالة خطيرة من الانحدار بفعل تعنت و عناد اللائكيين في تحويل غايات الاحتجاج الأولى إلى مطالب سياسوية يرفضها الشعب (ندوة حول مستقبل 20 فبراير من تنظيم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نموذجا ) ، و يستوي موقف اليسار في ذلك مع متطرفين أمازيغ أرقهم الحضور الإسلامي في الحراك الاحتجاجي فكشفوا عن أظافرهم الحادة . لو استمر تخريب اللائكيين للحركة الفبرايرية بالابتعاد عن هموم الشعب الحقيقية و استغلال الجماهير لأجل تمرير مخططات معادية للتدين و لطبيعة المجتمع فسوف ينتهي المطاف إلى نقطة الصفر و لن يتمكن اللائكيون بعدها من بناء أجواء الثقة من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.