آبية أن تنتهي، هي كذلك سلسلة كوارث امتدت على مختلف فصول السنة، غير آبهة بالحر ولا البرد ولا المطر، فبعد أن تناسى المغاربة قليلا أزمات ماضية، خلفت سيول جارفة ب"إمي نتيارت"، ضواحي إقليمتارودانت، 7 قتلى ومفقودين أثناء مشاهدتهم مقابلة لكرة القدم بملعب "تزيرت"، في قبيلة إداونضيف. وتواصلت شكاوى حقوقيين مغاربة من استمرار كوارث يمتزج فيها الطبيعي بالبشري، وتكريسها لمزيد من الهشاشة التي تطال مجالات بعينها، إذ تطرح الحادثة عديد الأسئلة عن مدى الاهتمام بالعالم القروي، وهل لشبابه الفرصة في الاستفادة من أدنى وسائل الترفيه والترويح عن النفس، بعيدا عما يقض لهوهم. إفلات من العقاب قالت خديجة الرياضي، فاعلة حقوقية، إن "السنوات الأخيرة باتت تتسم بالكثير من الكوارث، والغريب أنها تتم بنفس الطريقة، ويليها الكلام نفسه على الدوام"، مشيرة إلى أن "مسألة فتح التحقيقات باتت غير مجدية لكون النتائج دائما معروفة، حيث لا جدوى لها ولا تفيد في معرفة المسؤولين عن فواجع المغاربة". وأضافت الرياضي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هناك استهتارا كبيرا بأرواح المغاربة من لدن المسؤولين"، مرجعة الأمر إلى "انتشار الإفلات من العقاب، وبالتالي تنتهك حقوق الناس، ويسود منطق القوي يغلب الضعيف، وتصبح المؤسسات والقانون دون معنى"، مشددة على أن "البلد ماض نحو الهاوية". وأوضحت الفاعلة الحقوقية: "على مدار سنوات والعالم القروي يعاني الويلات؛ ففي كل موجة برد ترى الأطفال يموتون في الجبال، وأثناء هطول الأمطار تجرف المنازل والضيعات ومعها السكان، كما أن الأمراض القاتلة منتشرة بكثرة، وآخرها ما عايناه في زاكورة بسبب وباء اللشمانيا". وأكملت الرياضي: "مقومات الحياة غير متوفرة، رغم أن البلد غني وقادر على أن يمكن سكانه من حياة كريمة"، والسبب حسبها هو "انتشار النهب والسرقة واللامراقبة، وبالتالي تسلطت فئات بعينها واستأثرت بكل الخيرات، تاركة العالم القروي على الهامش يعاني الويلات". مسؤوليات مشتركة عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الانسان، قال إن "ما جرى بملعب تزيرت بقبيلة إداونيضيف، التابعة لجماعة إمي نتيارت قيادة اضار إقليمتارودانت، فاجعة إنسانية مفزعة"، مردفا: "ما إن تتعرض منطقة ما لحادثة طبيعية حتى تعري عورة السياسات العمومية الهشة، خاصة في المناطق النائية بالمغرب". وأضاف الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "لا اختلاف في أن السيول الجارفة قضاء وقدر، لكن لا يمكن التنصل من المسؤولية السياسية، الخاصة بالواقع التنموي الهش في أغلب المناطق القروية، حيث غياب أدنى مستلزمات البنى التحتية، وغياب مقومات الحياة الكريمة بصفة عامة". وأوضح المتحدث أن "المغرب أمام جيل مفعم بالحيوية والرغبة الجامحة في إبراز مواهبه وتطوير وصقل قدراته، فكان لزاما وضع كوادر ذات كفاءة وروح المسؤولية لصناعة قرارات تلبي من خلالها حاجيات هذا الجيل وتوفر له مرافق عمومية تساعده على تحقيق أحلامه". "لكن حينما نضع أشخاصا على رأس المؤسسات، وخاصة المنتخبة، عديمي الكفاءة، بعيدين عن العلم والمعرف، يبعدهم الجشع عن الضمير الإنساني والوطني، أو تبعدهم انتهازيهم عن التفكير في البنى التحتية، ليرموا بها إلى جمعيات المجتمع المدني"، يقول الخضري. وأكمل المتحدث ذاته: "الكل يدرك أن الموقع الذي شيد فوقه الملعب عبارة عن منبسط بجانب الوادي، محفوف بخطر انجراف التربة وانسياب السيول في كل مرة تعرف فيها المنطقة هطول أمطار غزيرة. وقد حصل هذا في ما قبل، وكل أبناء المنطقة يدركون هذا الأمر، ثم إن الأرصاد الجوية وطنيا وجهويا وإقليميا كان لديها ما يكفي من المعلومات لإخطار رجال السلطة هناك". وختم الفاعل الحقوقي: "لذلك فالمسؤولية جماعية ومتشابكة، وتحتاج دراسة علمية لتحديد المسؤوليات، كل من موقعه، وبمقاربة نسبية دقيقة، فمن اتخذوا قرار إحداث ملعب هناك عليهم تحمل مسؤوليتهم، بمن فيهم صناع القرار والمهندس (أو اللجنة التقنية) المكلف بالدراسة التقنية للموقع؛ كما أن المكلف بتتبع الأوضاع المناخية يتحمل مسؤوليته، وممثلي السلطات العمومية محليا وإقليميا".