تنطلق اليوم الأربعاء الأطوار الاستئنافية لمحاكمة المتهمين بقتل سائحتين إسكندنافيتين في المغرب، باسم تنظيم "داعش"، بعدما صدرت أحكام ابتدائية بإعدام ثلاثة أشخاص أدينوا باقتراف الجريمة، والسجن ما بين خمسة أعوام والمؤبد في حق 21 آخرين لصلتهم ب"جريمة شمهروش". ويأمل المتهمون الرئيسيون بالحصول على "أحكام مخففة" في الاستئناف، حسب ما يقول محامو الدفاع؛ بينما سيطلب محامو الطرف المدني تأكيد الأحكام الابتدائية. وقتلت الطالبتان الدنماركية لويزا فيسترغر يسبرسن (24 عاما) والنروجية مارين أولاند (28 عاما) ليل 16-17 دجنبر 2018، في منطقة جبلية غير مأهولة في ضواحي مراكش، حيث كانتا تمضيان إجازة. وقضت المحكمة المختصة في قضايا الإرهاب بسلا، في 18 يوليوز المنصرم، بإعدام كل من عبد الصمد الجود (25 عاما) ويونس أوزياد (27 عاما) ورشيد أفاطي (33 عاما)، بعد إدانتهم بتهم؛ منها القتل العمد وتكوين عصابة إرهابية. واعترف هؤلاء بذبح الضحيتين وتصوير الجريمة، ليبث التسجيل المروع على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت حفيظة مقساوي، محامية الدفاع عنهم، إنهم يأملون أن "تخفَّف عنهم عقوبة الإعدام القاسية التي لم يكونوا يتوقعونها". ويصدر القضاء المغربي أحكاما بالإعدام، على الرغم من أن تطبيقها معلق عمليا منذ 1993، وتطالب جمعيات حقوقية بإلغائها. ضمان التعويضات كان عبد الصمد الجود ويونس أوزياد طلبا "مغفرة الله"، في كلمتهما الأخيرة قبيل صدور الأحكام الابتدائية في حقهم؛ بينما اكتفى شريكهم في الجريمة رشيد أفاطي بالقول "لا إله إلا الله". وتوجهت والدة الضحية الدنماركية لويزا، من جهتها، برسالة مؤثرة إلى المحكمة مطالبة بإعدامهم. وقالت، في الرسالة التي تلاها محاميها خالد الفتاوي: "أليس عدلا إعدام هؤلاء الوحوش؟ إنهم يستحقون ذلك. أرجو منكم الحكم بإعدامهم". وأكد الفتاوي لوكالة "فرانس برس" ارتياح الطرف المدني للأحكام الابتدائية، موضحا أنه طلب استئناف القضية ليطرح مجددا "المسؤولية المعنوية" للدولة عن الجريمة، ولضمان دفع التعويضات المستحقة لذوي الضحايا. وأضاف: "لا نقصد أن الدولة مسؤولة عن الجريمة (...)، لكنها مسؤولة معنويا عما وقع. ويعود إليها أداء التعويضات لذوي الضحايا". وطلبت عائلة الضحية الدنماركية تعويضا عن الضرر قدره عشرة ملايين درهم (900 ألف يورو) من الدولة، معتبرة أن المتهمين لا قدرة لهم على الدفع؛ لكن المحكمة رفضت الطلب، تبعا لرفضها تحميل الدولة أية مسؤولية عما وقع. في المقابل، قضت المحكمة بأن يدفع أبرز المدانين في القضية، التي هزت الرأي العام المغربي وحظيت باهتمام إعلامي واسع، تعويضا قدره مليونا درهم (نحو 180 ألف يورو) لذوي الضحية النروجية. ولم يطلب هؤلاء شيئا، كما لم يمثلهم محام أثناء المحاكمة الابتدائية. وقضت المحكمة أيضا بالسجن المؤبد في حق عبد الرحيم خيالي (33 عاما)، الذي رافق القتلة أثناء تعقب الضحيتين؛ لكنه تراجع قبل تنفيذ العملية. وصدرت أحكام بحق متهمين آخرين تتراوح أعمارهم بين 20 و51 عاما بالسجن بين خمسة أعوام وثلاثين عاما. ودينوا بتهم؛ منها "تشكيل خلية إرهابية" و"الإشادة بالإرهاب" و"عدم التبليغ عن جريمة". وبين هؤلاء أجنبي واحد هو إسباني سويسري، اعتنق الإسلام، يدعى كيفن زولر غويرفوس (25 عاماً)، يقيم في المغرب، وحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما. وأعلن بعض أفراد هذه المجموعة تأييدهم تنظيم الدولة الإسلامية أثناء استجوابهم من طرف القاضي خلال جلسات المحاكمة العلنية، وأكدوا جميعا في كلماتهم الأخيرة قبل النطق بالأحكام تبرؤهم من أي فكر متشدد، مؤكدين أن لا صلة لهم بالجريمة. أفكار الإرهاب والكراهية أشار الفتاوي إلى أن الطرف المدني سيعيد طلب استدعاء من أسماهم "المجرمين الحقيقيين الذين ينشرون أفكار الإرهاب والكراهية". ورفضت المحكمة ابتدائيا طلبه استدعاء داعية سلفي معروف محمد المغراوي لمساءلته حول دوره المفترض في تطرف بعض المتهمين، الذين تابعوا دروسا في مدارس دينية خصوصية يشرف عليها في مراكش. ويعد الجود "أمير" الخلية التي يتحدر المتهمون بتكوينها من أوساط فقيرة بمستويات دراسية "متدنية"، وكانوا يمارسون "مهنا بسيطة" في أحياء بائسة بمراكش وضاحيتها. ولم تكشف المحاكمة كيف استطاع الجود التحرك بعيدا عن أعين السلطات بعد الإفراج عنه في 2015، مستفيدا من خفض عقوبة بالسجن بعد إدانته بمحاولة الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وغالبا ما تعلن السلطات المغربية تفكيك خلايا "متشددة موالية" لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي لم يعلن مسؤوليته عن الجريمة. وكان القتلة الثلاثة ومرافقهم الرابع ظهروا في تسجيل بث بعد الجريمة يعلنون فيه مبايعتهم زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبي بكر البغدادي. ويقول المحققون إن المجرمين استوحوا العملية من إيديولوجيا تنظيم "الدولة الإسلامية"، دون أن يتواصلوا مع كوادر الجماعة المتطرفة في الأراضي التي كانت تسيطر عليها بالعراق وسوريا. *أ.ف.ب