استطاعت إليزابيث وارين، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية، قلب التكهنات وفرض نفسها بين أبرز المرشحين للظفر بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسيات 2020، بعد ستة أشهر على دخولها خوض غمار الانتخابات التمهيدية التي سيجريها الحزب، بمشاركة عدد غير مسبوق من المرشحين. وتضع آخر استطلاعات نوايا التصويت إليزابيث وارين ثانية بنسبة 15 في المائة، خلف نائب الرئيس السابق جو بايدن، ما يجعلها أبرز مفاجآت الحملة الانتخابية الحالية؛ بيد أن الأمور لم تبدأ على النحو الأمثل بالنسبة لوارين، المدرسة السابقة في جامعة هارفارد المرموقة، التي رأت النور في هيرنغ، بولاية أوكلاهوما، بعد الجدل المرتبط بأصولها. فطالما قدمت وارين، ذات البشرة البيضاء والشعر الأشقر، نفسها بأنها من الأمريكيين الأصليين، وهو موضوع يكتسي حساسية خاصة بالولايات المتحدة. فبعد ما كانت محط سخرية من قبل الرئيس دونالد ترامب، الذي أطلق عليها لقب "بوكاهانتاس" (ابنة الهنود الحمر) مشككا في انتسابها إلى الأمريكيين الأصليين، زادت وارين الطين بلة حينما نشرت نتائج اختبار للحمض النووي أثبتت من خلاله أنها سليلة الأمريكيين الأصليين، ما أثار حفيظة قبيلة الشيروكي. وبعدما كانت الاستطلاعات تمنحها نسبة 5 في المائة فقط من نوايا التصويت عند إطلاق حملتها في فبراير الماضي، أقرت وارين منذئذ بخطئها لدى قبائل السكان الأصليين، وعرفت كيف تستغل انعطاف الناخبين الديمقراطيين نحو اليسار لتفرض نفسها كورقة لا محيد عنها بالنسبة لتيار اليسار بالحزب. وتدين وارين في نجاحها لسمعتها كفاعلة مناهضة لوول ستريت، حيث كانت من أوائل الداعين إلى وضع حد لاستفادة عمالقة وادي السيليكون، آبل وأمازون وفيسبوك وغيرها من الشركات، من تخفيضات ضريبية كبيرة منذ سنوات على حساب العمال الأمريكيين. وبخلاف السيناتور بيرني ساندرز، الذي يقدم نفسه كديمقراطي اشتراكي، تقدم إليزابيث وارين نفسها بأنها رأسمالية إصلاحية، وهو وصف مهم في بلد تعد فيه الاشتراكية أمرا محرما. واعتمد سيناتور ماساتشوستس حتى الآن إستراتيجية غير تقليدية، ترفض من خلالها رفضا قاطعا أموال المانحين الرئيسيين، وتعمل على استقطاب غير مسبوق للأطر من ذوي المؤهلات العالية. وبالنسبة لأولئك الذين لم يقتنعوا بعمرها، الذي يبلغ 70 عاما، ترد وارين باستقطاب حشود أكبر في تجمعاتها الانتخابية. كما تواترت في شبكات التواصل الاجتماعي أشرطة فيديو تظهر عضو مجلس الشيوخ وهي تركض من أجل اللحاق برحلة في أحد المطارات، أو تعبر بسرعة حقلا في ولاية أيوا، فضلا عن صور سيلفي عديدة مع مناصريها؛ لكن المرشحة تدين في نجاحها لبرنامجها الانتخابي الغني والطموح قبل كل شيء، حيث تعد بتغطية صحية شاملة، وبإلغاء ديون الطلاب ل 90 في المائة من الطلبة الأمريكيين، وبخفض أعمال العنف باستخدام الأسلحة النارية بنسبة 80 في المائة. ومن خلال نشر خططها العديدة، أجبرت عضو مجلس الشيوخ باقي المرشحين على وضع أنفسهم في موقف دفاعي. وقد بدا ذلك بشكل جلي خلال أول مناظرتين، حيث أجبرت المرشحين الآخرين إما على التوافق مع وجهات نظرها أو اقتراح بديل. ومع ذلك، لا يزال الطريق إلى التنصيب طويلا ومحفوفا بالمخاطر. بعض المراقبين يرون أن وارين لن تكون قادرة على هزيمة دونالد ترامب، وهي حجة طالما رددها جو بايدن، الذي يرى في نفسه الشخص الوحيد الذي يمكن أن يجابه ساكن البيت الأبيض. وأمام هذا المنطق، يذكر مناصرو وارين أن نفس هذه الحجة استخدمت من قبل مناصري هيلاري كلينتون ضد بيرني ساندرز في سنة 2016، والنتيجة يعرفها الجميع. وقد منح استطلاع جديد نشرت نتائجه الخميس الماضي بولاية أريزونا، التي لم تصوت لصالح مرشح ديمقراطي منذ 25 عاما، حظوظا متساوية لكل من وارين وبايدن والرئيس ترامب. وستشكل المناظرة المقبلة الخاصة بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، التي ستجري في هيوستن، بولاية تكساس يومي 12 و13 شتنبر القادم، فرصة لوارين لتعزيز موقعها كمتنافسة حقيقية على دخول البيت الأبيض. ولإقناع المترددين، تراهن إليزابيث وارين على فوز مبكر في الانتخابات التمهيدية، لا سيما في ولاية أيوا حيث أسست قاعدة قوية من المناضلين. مهمة معقدة حتما؛ لكنها بعيدة عن أن تكون مستحيلة، على الأقل بالنظر إلى الدينامية التي تظهرها حتى الآن. *و.م.ع