يرفع مرشح الرئاسة في تونس محمد عبو، زعيم حزب التيار الديمقراطي المعارض، في البرلمان، شعار محاربة الفساد والتمويلات المشبوهة للأحزاب، في السباق نحو القصر الرئاسي. يشبه أنصار المحامي، المولع برياضة الفنون القتالية والمعارض الشرس لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قبل الثورة، مرشحهم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قدرته على الحفاظ على هدوء أعصابه والمحاججة، فضلا عن صفة الانضباط البادية عليه. لكن عبو لا يلقي بالا لهذه المقارنة ويفضل الحديث عن تقديم صورة مغايرة للرئيس المقبل، تمثل النموذج التونسي وتعلي مصلحة البلاد ضد الفساد وتدعم السيادة الكاملة. يمثل عبو مع زوجته المحامية والنائبة سامية عبو ثنائيا من أبرز وجوه المعارضة. شغل محمد عبو منصب وزير الإصلاح الإداري في أول حكومة بعد ثورة 2011 لكنه استقال بسبب تقييد صلاحياته، ويعرف حزبهما التيار الديمقراطي نفسه كمدافع عن أهداف الثورة ويتخذ لحملته الانتخابية شعار "من أجل دولة قوية وعادلة". ويقول محمد عبو، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ): "لازال المسار الثوري في علاقته باستقرار النظام الديمقراطي بحاجة إلى حماية. الثورة اندلعت ضد الاستبداد والفساد والتهميش والوضع الاقتصادي السيئ، تم تأمين الحماية ضد الاستبداد، لكن لم تتحقق أهداف الثورة في مكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي". ويحذر عبو من أن "هناك مخاطر حقيقية مع إمكانية وصول أطراف تشكل خطرا على الدولة بحكم ارتباطاتها في الداخل والخارج وشبهات الفساد من حولها"، كما يشير في هذه النقطة إلى أن "من أكبر المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تونس هي حالة التسيب والفساد وارتباط سياسيين بفاسدين من أصحاب النفوذ"، وزاد: "هذا لن يسمح لهم باتخاذ قرارات مناسبة لا على مستوى الحكومة ولا في البرلمان، سيتخذون قرارات وفقا لمصالح بعض الأشخاص، وهذا لن يسمح بتغيير الأوضاع، كما يعطي انطباعا بعدم الآمان للمستثمرين والأجانب". التصدي للمال السياسي تمثل هذه النقطة أبرز محاور البرنامج الانتخابي لمحمد عبو، الذي طالما تحدث في المنابر الإعلامية عن تحكم الأموال الخارجية في رسم خارطة المشهد السياسي في البلاد ومراكز النفوذ والسلطة. ويفسر عبو ذلك ل(د. ب. أ): "على أجهزة الدولة الرقابية تفقد كل الأماكن التي يمكن أن تدخل منها الأموال الخارجية.. الأموال تدخل عبر المطار والحدود والبعثات الدبلوماسية. على الدولة أن تكون جادة في معرفة هذا التمويل ومعاقبة من قاموا به. القوانين موجودة وعندما أصل إلى السلطة سأكون جاهزا لهذا الأمر"، وتابع قائلا: "أعول في هذا على الإدارة، وفيها الكثير من الوطنيين الذين لن يسمحوا بأن تتحول تونس إلى مرتع للمال السياسي الوافد من الخارج للتحكم في مصلحة البلاد أو إدخالها في تحالف مع زيد أو عمر". كما يوضح عبو الوضع المعقد لعمليات التمويل، مشيرا إلى أن جزءا من تمويل الأحزاب يمر عبر الجمعيات، كما أن جزءا من تمويل الجماعات الإرهابية يمر أيضا عبر الجمعيات، ويضيف في جانب آخر: "منذ الثورة مكن المال السياسي من نجاح بعض الأحزاب، على الأقل في المناطق المهمشة، هؤلاء مولوا المهمشين ليختاروا الفاسدين في السلطة حتى يزيدوهم تهميشا، يجب وضع حد لهذا..المال الذي لا يخضع للرقابة سيفسد الديمقراطية ويضر بالأمن القومي". المصالحة الوطنية ويعتقد المرشح الرئاسي أن تونس لا تحتاج فعليا إلى عقد مصالحة وطنية، بدليل أنها ليست في حرب أو نزاع مسلح، وأنها بدلا من ذلك تحتاج إلى مصالحة وطنية في احترام الدستور وقوانين الدولة، أساسا في ما يرتبط بالتمويل والعلاقات الأجنبية والنيل من استقرار البلاد. كما قلل عبو من إمكانية حدوث صدام بين رأسي السلطة التنفيذية في حال وصل إلى الرئاسة، في ظل إمكانية صعود قوى من النظام القديم أو قوى سياسية تتعارض مع حزبه في البرلمان. ويعلق عبو على ذلك قائلا: "تجعل فلسفة الدستور من رئيس الجمهورية فوق كل الصراعات الحزبية، يخطئ من يقول عكس ذلك؛ ما يعني أنه مع الرئيس لا يتم المساس بالدستور والإخلال بالأمن القومي، ويكون لتونس أفضل تمثيل في الخارج وتحسين الأوضاع بالتنسيق مع الحكومة"؛ كما شدد على أن "الرئيس يجب أن يكون في علاقة جيدة برئيس الحكومة مهما كان لونه السياسي"، وزاد: "الخلاف سيؤدي إلى ضرب مصالح الدولة.. رئيس الدولة لديه صلاحيات لا يجب أن يتجاوزها، ولا يتدخل في مجالات الحكومة إلا الدفاع والخارجية والأمن القومي". تعديل القانون الانتخابي والمساواة في الميراث وتعهد محمد عبو بالإمضاء على القانون الانتخابي المعدل إذا ما صعد للرئاسة، بعد أن كان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي رفض الإمضاء عليه قبل وفاته بدعوى أنه ينطوي على "الإقصاء"، ليتم بذلك استبعاد القانون من انتخابات 2019. وقال عبو: "رئيس الجمهورية المقبل سيختم قانون الانتخابات حتى لو لم أكن أنا مقتنعا به.. السبب أن آجال الرد للرئيس قد استنفدت، ولم يبق سوى الختم على القانون". من جانب آخر، تعهد عبو بأن يمضي على مشروع القانون المثير للجدل حول المساواة في الميراث بين الجنسين، وهو المشروع الذي تقدم به السبسي إلى البرلمان ولم تتم مناقشته بعد، كما لاقى معارضة من مؤسسات دينية محافظة. وتحدث عبو عن ذلك قائلا: "احترام الدستور مسألة أولية لأي مجتمع يريد أن يتقدم، والدستور ينص على المساواة بين الجنسين، بما في ذلك الميراث.. المسألة لا تتعلق بالقناعات الدينية، لكن فهما للعقلية التقليدية اقترحنا أن يكون هناك نظام ثان لا يقوم على المساواة في الميراث، وقد بادرنا بذلك"، وتابع في تفسيره: "اقتنع رئيس الجمهورية الراحل بنفس الأمر وقدم المشروع بصيغته تلك. الآن إذا صادق البرلمان على المشروع فإن رئيس الجمهورية القادم عليه أن يختم القانون". الاتحاد الأوروبي وملف الهجرة ويدعم المرشح محمد عبو دعم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لتونس، غير أنه شدد على ضرورة العمل خلال سنة أو سنتين على تعديل الميزان التجاري معه والتقليص من الواردات إلى جانب دول أخرى، مثل تركيا والصين، بهدف إنقاذ الدينار والمالية العمومية. لكن في المقابل، شدد عبو على أن تونس لا يجب أن تبقى مرتهنة في علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، وأن الوقت قد حان للانفتاح أكثر على إفريقيا. وحول ملف الهجرة السرية ودعوات الاتحاد الأوروبي لوضع مخيمات للاجئين والمهاجرين في شمال إفريقيا قبل النظر في طلبات لجوئهم إلى أوروبا، اعتبر عبو أن هذه المسألة تمثل "خطا أحمر" لتونس. وأوضح عبو: "أؤمن بالتعاون الأمني والمخابراتي مع الاتحاد والدول الأخرى لمقاومة الإرهاب والجرائم الخطيرة، لكن مهما كانت الظروف التي تمر بها دول الاتحاد الأوروبي فهي في وضع أفضل بكثير من تونس"، وتابع أيضا: "على الاتحاد الأوروبي أن يفهم أن تونس دولة تعيش تجربة ديمقراطية فريدة من نوعها في محيطها العربي، لا يجب عرقلتها بدفعها إلى اتخاذ قرارات من قبيل أن تأوي المهاجرين، ونحن في وضعية اقتصادية سيئة. يجب على شركائنا أن يفهموا ذلك، تونس تحتاج إلى المساعدة وليس الضغط، حتى تنجح الديمقراطية". *د.ب.أ