في ظل الصراعات القائمة حول القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يفرض أن تدرس جميع المواد باللغة الفرنسية في جميع المستويات، يُثار إشكال كبير؛ وهو: هل يمكن للمغاربة أن يتأقلموا مع هذا الوضع الجديد، ولا سيما بعد الانتشار الواسع لما يسمى ب"العرنسية"، وهي مزيج بين اللغة الفرنسية واللغة العربية؟. وهي الظاهرة التي أصبحت متداولة لدى الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي يرى بعض الباحثين والأساتذة أنها "وهم خالص يتم الترويج له والتمكين له على مستوى الأرض"، وأنها "تسمية تحاول خلق حقيقة لا وجود لها؛ لأنها تعمل على التركيب بين لغتين وكأنه أمر عادي.. والحال أنه يعكس انشطارا مرضيا في المجتمع حيث نصبح أمام اللالغة". حداثة الموضوع تجعلنا نثير مجموعة من التساؤلات من قبيل: كيف انتشرت هذه الظاهرة بين المغاربة كالنار في الهشيم؟ ما الأسباب وراء هذا الانتشار؟ وما العوامل التي ساهمت فيه؟ وهل محتوى التشريعات وواقع الممارسة التي يهيمن عليها التسيب المطلق وتصنيف اللغات بشكل تراتبي سبب في ذلك؟ وهل هي مدرسة جديدة في التواصل بين المغاربة؟ في هذا الصدد، صرح دكتور جمال بندحمان، كاتب وأستاذ جامعي، أنه "ينبغي الإقرار أولا بأن المغرب يعيش فوضى لغوية وعدم تجانس بين محتوى التشريعات وواقع الممارسة التي يهيمن عليها التسيب المطلق وتصنيف اللغات بشكل تراتبي"، مضيفا أن "المغرب يقدم الفرنسية باعتبارها لغة سحرية؛ إذ بمجرد نطقها ينتقل صاحبها إلى طبقة أخرى"، موردا أنه "وهم خالص يتم الترويج له والتمكين له على مستوى الأرض". وأضاف المتحدث، في تصريح له لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "اللغة الفرنسية تقدم باعتبارها لغة الإدارة والاقتصاد والعلم، وأنها الأصلح للتدريس والرقي الوظيفي والاجتماعي والعلمي"، موضحا أن "دولا إفريقية كثيرة تبنت ذلك.. لكن نصيبها من هذا الرقي بقي محدودا ومنعدما". وأكد الأستاذ الجامعي أن "روح الخلل الذي تعكسه الممارسات اللغوية اليومية والتي تجعلنا أمام خليط من اللغات أسماه البعض عرنسية"، مفسرا ذلك "بأنها تسمية تحاول خلق حقيقة لا وجود لها؛ لأنها تعمل على التركيب بين لغتين وكأنه أمر عادي.. والحال أنه يعكس انشطارا مرضيا في المجتمع حيث نصبح أمام اللالغة". وأورد المصدر ذاته أن "الحضور المجتمعي للغة هو اختيار رسمي نسميه السياسة اللغوية"، موردا أن "هذه السياسة مغربيا لم تحسم أمرها بوعي مقصود، لذلك فإن الأمر الطبيعي هو انتقال حالة الفوضى إلى الممارسة اليومية". وقال بندحمان إن "في هذا الإطار يمكن استحضار لغة الإعلام التي تجمع شتات اللغات في لغة، إذ يكفي الاستماع إلى ما يقدمه الإعلام المسموع لنجد لغة سمتها الأساس الجمع بين ما لا يجمع.. وهو ما يقدم نموذجا غير سليم يتم الاحتذاء به من قبل الكثيرين". وأضاف الأستاذ بالمعهد العالي للصحافة والإعلام أنه "حتى نكون واضحين لنراجع ما تقدمه البرامج الحوارية ونأمل في لغتها التي ترفع شعار (المهم تبليغ المعنى) وهي مدرسة جديدة في التواصل لا يوجد لها شبيها في البلدان التي تحترم متلقيها". وفسر المتحدث ذاته أنه "يسأل السائل بدارجة مغربية مقرونة بمعجم فرنسي، فيجيب الطرف الآخر بفرنسية مغلفة بمعجم مغربي أو عربي.... لتكون الرسالة هي: تكلموا كما شئتم، وعبروا بما تستطيعون؛ فالقواعد قيود واللغة الواحدة عمياء، وإذا أردتم أن توصفوا بالتحضر فلتجعلوا معجمكم الفرنسي شفيعا إلى ذلك". وخلص بندحمان إلى أن "أصل الداء إذن مركب.. أصله الاختيارات الرسمية في مجال السياسة اللغوية، وأداته الإعلام والترويج لمقولات مغلوطة تجعل من يتكلم الفرنسية متميزا عن غيره، وإن لم يستطع التكلم تركيبيا فليستعن بكلمات فرنسية يربطها بالدارجة كي يخرجه الآخرون من دائرة مغلقة إلى دائرة جنة الفرص الممكنة"، مضيفا إنها "الخيبة اللغوية". * صحافية متدربة