تفتح جريدة هسبريس، خلال هذه الفسحة الصيفية، جانبا من تاريخ العاصمة الاقتصادية، بدءا من تأسيسها والتسميات العديدة التي حملتها، مرورا بحكامها ودورهم في فك الحصار عن المسلمين بالجزيرة الخضراء، وصولا إلى عهد الحماية، ودور المدينة في محاربة الاستعمار وما لعبه رجال المقاومة فيها، وما عرفته من تطور في مجالي الاقتصاد والعمران. كان لمدينة آنفا دور كبير في فك الحصار عن المسلمين، الذي فرضه الإسبان عليهم بالجزيرة الخضراء سنة 1278. ففي الوقت الذي حاصر الإسبان الجزيرة الخضراء برا وبحرا، بعث السلطان يعقوب بن عبد الحق جنوده لفك الحصار عنها، بعدما استنصره المسلمون هناك، وكاتبوه بالتدخل لحمايتهم. وتروي كتب التاريخ أن آنفا ساهمت بشكل كبير في معركة فك الحصار عن المسلمين بالجزيرة الخضراء، حيث خصصت 15 أسطولا إلى جانب سلا، فاجتمعت كلها بمرفأ سبتة، قبل أن تتقدم صوب طنجة، وتنتشر في البحر. وتمكن هذا الجيش سنة 1279 من دحر العدو في البحر، واستولى على أسطوله، وهو ما جعل المسلمين في الجزيرة الخضراء يفرحون بانهزام العدو وهلاكه وفراره من البلاد، لينتشر المسلمون، نساء ورجالا وأطفالا، في مختلف الأرجاء. مخلفات الاستعمار البرتغالي في سنة 1468، هدمت كل بنايات مدينة آنفا، التي كان يستعمرها البرتغاليون قبل أن يغادروها، لكنهم عادوا مجددا عام 1515، حيث لاحظوا أن دارا واحدة بقيت صامدة وسلمت من عملية الهدم، فأطلقوا عليها اسم كازا برانكا. وقد ظلت هذه الدار قائمة إلى حدود سنة 1900. وحسب ما جاء في كتاب "عبير الزهور"، الذي نشره المجلس العلمي المحلي بعين الشق، وأعده المؤرخ هاشم المعروفي، فهذه الدار التي ستسمى على إثرها المدينةبالدارالبيضاء، كانت توجد أمام مدخل ضريح بوسمارة، وكانت تسد شارع دار المخزن، فتم هدمها حتى يتم وصل الشارع المذكور بشارع سيدي بوسمارة. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل إن الاستعمار البرتغالي بقي أثره في المدينة، متمثلا في السجن الذي كان يوجد قرب ضريح سيدي بليوط بشارع الحنصالي (هوفويت بوانيي حاليا). وقد هدم هذا السجن، حسب الكاتب، لتوسيع الشارع، وتم نقل أعمدته إلى شارع الحسن الثاني أمام حديقة الجامعة العربية. بقيت مدينة آنفا مهدمة وخاوية على عروشها إلى أن قام السلطان محمد الثالث بن عبد الله، الذي عمل بعد تشييد مدينة الصويرة، على إعادة بناء آنفا، حيث عمل صهره عبد الله الرحماني على بناء سورها، وفرض على قبائل الشاوية ضرائب لإنجاز هذا المشروع. تسمية الدارالبيضاء يحكى أن السلطان محمد بن عبد الله، خلال زيارته للمدينة، وقف على كازا برانكا التي بقيت من آثار البرتغاليين، والتي كانت تسمى سابقا آنفا، والتي أطلق عليها الإسبان بعد ذلك اسم كازا بلانكا، حيث استفسر عن ترجمتها، فقيل له: الدارالبيضاء، فأعطى تعليماته بتسمية هذه المدينةبالدارالبيضاء. ومنذ تلك الفترة، بدأ الخبراء يضعون تصميم المدينة، لكنهم لم يتبعوا هندسة مدينة آنفا في التخطيط، حيث صممت على طرق هندسية حديثة بتوسيع الشوارع تتخللها مساحات فسيحة. حتى نظافة المدينة كانت لها أهمية كبرى آنذاك، حيث كان السكان، حسب الكاتب هاشم المعروفي، يجمعون النفايات في أوعية خاصة، حيث يطوف عمال يستعملون الحمير والبغال على الأحياء لجمع هذه القمامات من أمام المنازل، بينما كانت طائفة من اليهود مكلفة ب"تسريح" قنوات المدينة.