مع بداية العد العكسي ل"الدخول السياسي" الجديد يتحسس عدد من وزراء الحكومة الحالية رؤوسهم، وهم يترقبون أن ينزل عليهم قرار سحب الحقائب الوزارية التي يتولون تدبيرها من أيديهم، تنفيذا للأمر الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الحكومة في خطاب العرش لتطعيم الحكومة بكفاءات جديدة. من بين الوزراء الذين يُرجح أن يغادروا سفينة حكومة العثماني، في التعديل المرتقب بداية الدخول السياسي المقبل، عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، بسبب التعثر الذي طبع إنجاز المشاريع المتعلقة بالماء والسدود، وفق ما أفاد به مصدر هسبريس. الفترة التي تولى فيها اعمارة منصب وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، اتسمت بتزايد وتيرة الاحتجاجات المرتبطة بمشاكل التزود بالماء الصالح للشرب في عدد من مناطق للمملكة. ولم تقتصر هذه الاحتجاجات على المناطق النائية، بل امتدت إلى الحواضر الكبرى، وسط صمت الوزير الوصي على القطاع. وبالرغم من أن اعمارة، الذي شغل منصب وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة في النسخة الأولى من حكومة بنكيران، خلال الفترة ما بين 2012 و2014، ثم وزيرا للطاقة والمعادن في النسخة الثانية للحكومة نفسها، سعى إلى "إحكام قبضته" على مختلف القطاعات التابعة لوزارته، بإبعاد كاتبة الدولة السابقة في الماء شرفات أفيلال، فإنه لم ينجح في توفير الماء للمغاربة. وفي الوقت الذي تتعالى صرخات المحتجين المنادية بتوفير الماء، فإن الوزير اعمارة يكتفي ب"متابعة الوضع" انطلاقا من مكتبه في العاصمة، عوض أن يذهب عند المواطنين الذين يتربص بهم العطش، على الأقل لطمأنتهم، والبحث عن حلول جذرية لمشكل نقص المياه، الذي أصبح يقض مضجع المغاربة حتى في مناسبات فرحهم، كما صار يحصل، خلال السنوات الأخيرة، في عيد الأضحى. أعضاء الحكومة الذين سيعصف بهم التعديل الحكومي المرتقب، حسب رأي المحلل السياسي محمد بودن، "هم الذين تم تسجيل التأخر في إنجازهم الأوراش الكبرى، وعدم قدرتهم على التوقع، ومن ظلت قطاعاتهم غارقة في التحفظ والانغلاق السلبيين، علاوة على القطاعات التي طبعت عملَها الأنماط الانتقائية وغياب النجاعة المؤسساتية وضعف الأدوار الاجتماعية، فضلا عن من ليس لهم دور في الحكومة والمجال العام". وأضاف بودن، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الملك محمد السادس وضع في أكثر من خطاب وأكثر من مجلس وزاري الحكومة أمام مسؤولياتها، واستفسر عددا من الوزراء بشأن عدة قضايا ذات أولوية، علاوة على عقده عدة جلسات عمل بشأنها"، معتبرا أن أي تعديل حكومي جديد "سيكون مقدمة لنشر الوعي بضرورة تطوير طرق العمل وتغيير العقليات التي تحول دون تحقيق الإقلاع المنشود". وشرعت الأحزاب السياسية في البحث عن كفاءات بين المنتمين إليها لتقديمها إلى رئيس الحكومة، الذي سيتولى عرضها على الملك، للحسم في مَن سينضم إلى النسخة الثالثة من الحكومة الحالية، بعد التعديل الذي شهدته النسخة الأولى في سياق تداعيات أحداث حراك الريف، بإعفاء وزراء من مناصبهم، بسبب اختلالات مشروع "الحسيمة منارة المتوسط". وبينما تبحث الأحزاب السياسية عن كفاءات لتعويض الوزراء الذين سيغادرون مناصبهم، يرى بودن أن الحكومة الحالية تضم "كفاءات عالية، لكن السّمة الغالبة هي وجود سياسيين منغلقين على ذواتهم"، مبرزا أن "التعديل الحكومي أصبح حتميا بعدما تأخرت أوراش كبرى لا تقبل الانتظار ولا التأجيل، وتبين أن مكونات الحكومة تفكر بشكل مكثف في الانتخابات القادمة، علاوة على أن عددا من أعضاء الحكومة لم يعد بإمكانهم الاضطلاع بدور فعال في المرحلة الجديدة، التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير". وبخصوص المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في "البروفايلات" الجديدة التي سيرفع رئيس الحكومة أسماءها إلى الملك، قال بودن إن على العثماني أن يستحضر أثناء إعداده قائمة الأسماء المرشحة للانضمام إلى الحكومة عنصرين أساسيين، هما "المصالح العليا للمغرب والكفاءة، والابتعاد قدر الإمكان عن الاستجابة لمصالح الأحزاب والأشخاص". وأوضح المحلل السياسي ذاته أن المرحلة الجديدة تتطلب توسيع قاعدة رجال الدولة، باستقطاب كفاءات ونخب حديثة العهد للتسريع في نسق الإنجاز والعمل، لافتا الانتباه إلى أن "ثمة حاجة ملحة لإعادة النظر في الأسس المعيارية للاستوزار في المغرب". وزاد موضحا "إذا كان تجديد النموذج التنموي أصبح الأولوية الكبرى للمرحلة، فلا يعقل أن يقوم بتفعيله وزراء بعقليات قديمة. لذلك فالهدف من التعديل المرتقب يفترض أن يكون هو الاستمرار في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على جميع المسؤولين مهما بلغت درجاتهم أو انتماءاتهم، وكذا تطوير طرق العمل وتوفير أرضية نجاح المرحلة الجديدة، فضلا عن تغيير العقليات وتجديد النخب".