بعدَ مخاضٍ "عسيرٍ"، وافقَ القصر الملكي على الأسماء الوزارية الجديدة التي رفعها رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، إلى الملك محمّد السادس، لتتّضحَ بذلك معالم الحكومة الجديدة التي تقلّص عدد وزرائها إلى 24 وزيراً. واخْتُتمت مفاوضات رئيس الحكومة، "العسيرة"، مع الأحزاب المشكّلة للأغلبية باستقبالٍ ملكيّ للوزراء الجدد الذين سيباشرون مهامهم الحكومية في ظلّ انتظارات الملك محمد السّادس الذي تعهّد في خطابه الأخير ب"مرحلة جديدة" للحد من "التفاوتات الصارخة" في المملكة، ولاسيما عبر إجراء "تعديل حكومي". وفي النّسخة الحكومية الجديدة، حصل حزب العدالة والتنمية على 6 حقائب وزارية، بينما حصل حزب التّجمع الوطني للأحرار على 3 حقائب، تتمثّل في وزارة الفلاحة والصيد البحري ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الصناعة؛ فيما أصبح يتواجد في الحكومة الجديدة 8 وزراء سيادة. ومنذ أزيد من سبعة أسابيع، لم يستطع العثماني الخروج بفكرةٍ واضحة حول ما يجب تقديمه بشأنِ التعديل الحكومي الذي طالب به الملك. ويأتي الاستقبال الملكي أمس ليختتمَ مشوار رئيس الحكومة في البحث عن "حكومة الكفاءات" التي طالبه بها العاهل المغربي. بودن: حكومة بمعايير دولية ويرى المحلل السّياسي محمد بودن أنّ "التعيين الحكومي الجديد يمثّل خطوة أولى من الخطوات العملية التي أعلنها الملك محمد السادس في خطاب العرش، إذ يتعلّق الأمر بأصغر حكومة في تاريخ الحكومات المغربية، وحكومة بمعايير دولية". ويضيف المحلل ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنّ "الحكومة الجديدة لها نفس جديد، وملاحظ أنها ستقود مرحلة جديدة دعا إلى إرسائها الملك محمد السّادس وينتظر منها إنجازات حقيقية". واستطرد المتحدث ذاته بأنّ "الأمر لا يتعلق بتعديل حكومي فقط، بل بإعادة بلورة السّلطة التنفيذية بالمغرب". وسجّل الخبير في العلوم السياسية غياب كتاب الدّولة وتخفيض عدد الوزراء الحكومة إلى 23 وزيراً فقط في التعيين الجديد؛ "وهو ما يجعلنا أمام حكومة ذات نفس تدبيري جديد"، مؤكداً أنّه تم الاحتفاظ بأسماء الوزراء الذين أبانوا عن كفاءات في عملهم الحكومي. وزاد المحلل ذاته: "نحن أمام حكومة مصلحة وطنية تزاوج بين الكفاءات والانتماءات الحزبية، ستعمل على إيجاد حلول للمغاربة". البكاري: هدر للمال العمومي ومن جهته أفاد المحلّل والأستاذ الجامعي خالد البكاري بأنّ هذه التعديلات لا تمثّل إشارة إيجابية في اتجاه تصحيح الاختلالات السياسية والتدبيرية، وحتى تلك المتعلقة بتجويد الحكامة، وزاد: "حتى توقيت التعديل الحكومي هو عنوان للعبث والعشوائية، وهدر للوقت والمال العمومي". ويتساءل المحلل ذاته: "نحن على بعد سنة ونصف من الانتخابات التشريعية، فكيف يستقيم عقلاً أن يتم استبدال وزراء بآخرين لن يساهموا حتى في وضع آخر مشروع قانون للمالية في الولاية الحكومية الحالية؟". وزاد الخبير السّياسي متسائلاً: "كيف يستقيم الحديث عن الحكامة ونحن سنأتي بوزراء جدد في هيكلة جديدة يتم الحديث فيها عن تجميع القطاعات المختلفة في أقطاب كبرى، وتغيير في مناصب المسؤولية الكبرى داخل الوزارات والإدارات التابعة لها؟". وإذا كان التبرير هو غياب الكفاءات والفعالية والالتقائية والانسجام الحكومي، يضيف الأستاذ الجامعي، فكان الأحرى الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، مع تعديلات في القوانين الانتخابية تمنع البلقنة وتساعد على بروز أقطاب سياسية قوية؛ أما بهذه الصيغة فكل ما سيتم هو هدر للوقت والمال. ويسترسل المحلل ذاته: "لتخليق المرفق العمومي يجب لزوما ربط المسؤولية بالمحاسبة، فالكفاءة وحدها لا تحصن صاحبها من أمراض الرشوة والزبونية ونهب المال العام"، داعياً إلى "إعادة المبادرة للمواطنين عبر توسيع مهام وصلاحيات المجالس المنتخبة، لأن المنتخب ملزم بالحساب أمام المواطنين".