شهد المغرب، منذ بداية ستينيات القرن الماضي، محاكمات سياسية كبرى، في إطار التدافع الحاد الذي كان بين المعارضة ونظام الحكم؛ وهي الفترة التي تميزت بمحاولات عديدة لاغتيال الملك الراحل الحسن الثاني، وعرفت البلاد وقتها أشهر المحاكمات في تاريخ المملكة تُوجت بصدور مئات أحكام الإعدام ضد النشطاء المدنيين والعسكريين. جريدة هسبريس الإلكترونية تفتح، في هذه السلسلة، التاريخ المظلم لأبرز المحاكمات السياسية التي عاشها المغرب غداة استقلاله، خصوصا تلك التي استهدفت الحركات اليسارية وبعض معارضي الحكم في فترة الملك الحسن الثاني. الأموي و"لصوص الحكومة" محاكمة نوبير الأموي، الكاتب العام السابق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في شهر أبريل 1992، تعتبر واحدة من أشهر المحاكمات السياسية في تاريخ المغرب، والتي تابعها الرأي العام الوطني والدولي عن كثب بالنظر إلى طبيعة التهم التي وجهت إلى الزعيم النقابي اليساري، إذ بلغ عدد المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن الأموي 1300 محام، في وقت وجدت فيه الدولة بالكاد محاميا واحدا قبل الدفاع عنها، وهو محمد زيان. ويتعلق الأمر بدعوى رفعتها الحكومة في سنة 1992 ضد نوبير الأموي على خلفية استجواب مع صحيفة "إلباييس" الإسبانية وصف فيها الوزراء بأنهم "لصوص"، وصدر في حقه حكم بالحبس سنتين نافذتين، لكن صدر في حقه بعدها عفو من قبل الملك الراحل الحسن الثاني بعد أربعة عشر شهرا من الاعتقال. هيئة دفاع نوبير الأموي وقتها اعتبرت محاكمة الأموي تدخل في إطار الصراع السياسي للمعارضة مع نظام الحكم، خصوصا أن المحاكمة جاءت بعد حوار أجراه الأموي مع جريدة "حرية المواطن" دعا فيه إلى إقامة نظام ملكي برلماني يسود فيه الملك ولا يحكم. وتُشير الوقائع التاريخية إلى أن الأموي تعرّض لاختطاف علني في واضحة النهار يوم 24 مارس 1992 بالقرب من مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" بالدار البيضاء، قبل أن تتم متابعته بعد رسالة قيل إنها صادرة عن الوزير الأول إلى وزير العدل بتهمة السب والقذف في حق أعضاء الحكومة. والغريب في هذه المحاكمة، وفق هيئة الدفاع، هو أن الحكومة المغربية تابعت نوبير الأموي ولم تتابع مدير نشر الجريدة التي نشرت الاستجواب ولا الصحافي الذي أجرى الاستجواب؛ وهو ما اعتبره الدفاع دليلا على رغبة الدولة في الانتقام من شخص الأموي. وقال المحامي خالد السفياني، في ندوة نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة حول المتابعات والمحاكمات ذات الصبغة السياسية من 1956 إلى 1990، إن حملة التضامن التي رافقت محاكمة الأموي تعتبر أكبر حملة شهدها معتقل سياسي في المغرب على المستويين الداخلي والخارجي. ووفقا للمعطيات التي عرضها السفياني، فإن الحكومة اختارت إقامة المحاكمة في المحكمة الابتدائية بالرباط، على الرغم من أنها غير مختصة للبتّ في القضية، بالإضافة إلى أن الاستجواب صدر في إسبانيا ومكان إقامة الأموي بالدار البيضاء؛ لكن القضاء اعتبر أنه من حقه متابعة الأموي داخل البلاد، بداعي أن العدد الذي صدر فيه الاستجواب وزع في المغرب. وحاولت السلطات، وفق شهادة المحامي السفياني، منع "رفاق الأموي" من الوصول إلى المحكمة بالرباط، وجعل المرور إلى أحياء بكاملها شبه مستحيل حتى من طرف سكان وتجار تلك الأحياء المجاورة للمحكمة. كما أضاف المتحدث أن الحصار لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى عملية قمع شاملة طالت المناضلين والصحفيين، وترحيل ستة محامين جزائريين حضروا خصيصا لمتابعة أطوار المحاكمة، بالإضافة إلى محاصرة مقر "الكدش" بالرباط؛ وهو ما أسفر عن سقوط 30 جريحا. وخلال المحاكمة، رفضت هيئة الحكم طلب الأموي استدعاء أعضاء الحكومة، قصد الاستماع إليهم لمعرفة من منهم يعتبر نفسه معنيا بما جاء في الاستجواب الصحافي. وقال محمد زيان، محامي الدولة، إن الحسن الثاني قال له عن طريق أحمد رضا اكديرة إن على "الأموي تقديم الحجج لكي ندخل الوزراء الشفارة إلى الحبس، وإذا كان يكذب عليه أن يتربى". خلافا للرواية التي قدمها "رفاق الأموي" وهيئة الدفاع، اعتبر محامي الحكومة المثير للجدل أن متابعة الدولة للكاتب العام السابق للCDT كانت بتواطؤ مع رفاقه في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في خطوة كان هدفها تصفية من تبقى من اليساريين في الاتحاد بعد أن تمت تصفية مجموعة أحمد بنجلون وعبد الرحمان بنعمرو، وتهيئة البقية للدخول في حكومة التناوب، وفق تصريح سابق لزيان.