في الخامس من يوليوز 2019 تكون قد مرت 62 سنة على انطلاق طريق الوحدة، أو التحرير، الوصف الذى كان يحلو للعديد من قادة الحركة الوطنية، من قبيل علال الفاسي والمهدى بن بركة وعبد الرجيم بوعبيد ومحمد الحيحي مربي الأجيال، أن يطلقوه على هذا المشروع الوطنى التطوعي الرائد، الذى كان يحظى برعاية المغفور له الملك محمد الخامس، الذى أبى إلا أن يتنقل شخصيا سنة 1957 إلى أوراش البناء والتشييد لتتبع عن قرب وتشجيع وتثمين مجهودات الشباب المغربي المتطوع من كل أنحاء البلاد في ورش شق طريق طولها 60 كلم تمتد ما بين تاونات وكتامة، للربط بين شمال وجنوب المغرب الذي مزقه الاحتلال الفرنسي والإسباني. لم يكن الهدف في حقيقة الأمر هو شق الطريق الذي كان من الممكن أن تتولاه المصالح التقنية المعنية بالأشغال العمومية والتجهيز، بل كان القصد بناء الإنسان، ومن خلاله بناء المغرب الجديد، إنه مشروع للمستقبل بسعة أحلام وطن، "نحن نبني الطريق والطريق تبنينا"، كما كان يردد المرحوم محمد الحيحى (توفي في 11 شتنبر 1998) أحد المسؤولين عن طريق الوحدة. لقد كان الهدف من هذا المشروع الذي شارك فيه 11 ألف شاب يمثلون مختلف جهات البلاد شق هذه الطريق-كما جاء في رسالة المهدي بن بركة إلى المغفور له محمد الخامس-في أن يحتل طريق الوحدة مكانته ضمن الحملة الوطنية لتعبئة القوى الحية في البلاد لبناء استقلال المغرب الجديد، وأن يشكل "نموذجا اختباريا سيسمح نجاحه بفتح الطريق لمشاريع أخرى، من أجل التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بالاعتماد على الامكانيات المحلية والوطنية". كما أن فكرة وحدة المغرب التي ارتكز عليها المشروع كانت "تعد رمزا مهما" ستتجسد بالربط بين المنطقتين القديمتين الشمالية والجنوبية أيضا بتشجيع المتطوعين الشباب في هذا الورش القادمين من مختلف المناطق والجهات، الذين "ستتأجج حماستهم وحميتهم في مباشرة المسؤولية المشتركة الملقاة على كواهلهم". بيد أن نجاح هذه العملية كان مرهونا بمدى الحماس المزروع حول الأفكار الرمزية للوحدة وللتعبئة من أجل بناء الاستقلال، ولتنسيق الجهود بين كافة المتدخلين والأطراف للسهر على تنفيذ البرنامج دون أدنى خلل، كما جاء في رسالة المهدي الذي استلهم الفكرة بالخصوص من تجربتي يوغوسلافيا والصين اللتين كانتا تعانيان من مشاكل المغرب نفسها، خاصة يوغوسلافيا، والتفت حولها القوى الوطنية الحية. واقترح المهدي بن بركة في هذا الصدد أن يتم تنفيذ مشروع طريق الوحدة عبر العمل التطوعي للشباب المغربي، وأن يكتسي طابعا رمزيا في ترسيخ الوحدة الترابية للمغرب الذي مزقته القوى الاستعمارية وتكالبت عليه، ويجسد بذلك التحاما ملموسا بين منطقتي الشمال والجنوب. فالغاية الرئيسية من مشروع طريق الوحدة تتمثل في إعداد المواطنين الذين سيكونون طلائع الجماهير الشعبية شريطة أن يكون لهم أولا الاستعداد الفكري بالإخلاص والتفاني في خدمة الشعب الذي يجب أن يكونوا منه وإليه، وثانيا تكوين خاص لتزويدهم بمعلومات ضرورية عن حالة البلاد، وما تتطلبه من علاج وتجنيد لبناء الاستقلال، كما جاء في العرض الافتتاحي الذي ألقاه المهدى بن بركة لسلسلة الدروس التي احتضنها مركز تكوين المسيرين بغابة المعمورة بضواحي مدينة سلا. فمن بين الأهداف الأساسية لطريق توحيد المغرب، تكوين إطارات للبلاد، وقد كانت مدة العمل بالأوراش التي فتحت منذ مستهل يوليوز تستغرق يوميا خمس ساعات ونصف الساعة في الفترة الصباحية، بينما تخصص ساعات بعد الظهر وقسط من المساء لتنفيذ البرنامج التربوي للمتطوعين للتكوين في المجالات الفكرية والتربوية والثقافية والعسكرية والرياضية. فطريق الوحدة لم تكن وسيلة لمكافحة البطالة فقط، بل كانت مدرسة كبرى لتكوين إطارات من المسيرين الذين كان من المقرر أن يشرفوا في ما بعد بالجهات على مشاريع تنموية أخرى. وبغض النظر عما راكمته هذه التجربة الفريدة ليس على المستوى الوطني بل على مستوى ما كان يطلق عليه بلدان العالم الثالث التي عانت كما عانى المغرب من معضلة الاستعمار، فقد كان من الممكن، لو توفرت إرادة سياسية آنذاك، أن تتم مواصلة مشاريع أخرى وفق الرؤى والخطط نفسها، وأن يشكل مشروع طريق الوحدة بداية فعلية لبناء مغرب جديد. لقد كان الأمل بعد الانتهاء من أوراش طريق الوحدة معقودا على أن تصبح هذه التجرية الرائدة في العمل التطوعي، التي لقيت صدى وطنيا ودوليا واسعا، مدرسة حقيقية بعد أن يكون الشباب المتطوع قد استفاد من الأنشطة المتعددة التي ستمكنه عند رجوعه إلى مناطقه من التشبع بروح وطنية جديدة يعمل على نشرها في ربوعه. وإذا كان المتطوعون في مشروع طريق التوحيد قد نجحوا في أداء مهامهم في شق الطريق بعد أن تفوقوا في الكفاح من أجل نيل الاستقلال، فهل تمكنوا في ما بعد وإلى الآن من القيام بواجبهم في المعركة من أجل بناء مغرب جديد كما كان قد دعاهم إلى ذلك المغفور له محمد الخامس لدى تدشينه للمشروع؟ وهل يمكن أن نأمل، ونحن نسترجع ذكرى طريق الوحدة، في أن يتمكن المغرب من إبداع مشروع مبتكر آخر وبرؤية متجددة، يستلهم الروح وقيم مشروع طريق الوحدة ليكون نبراسا لإعادة بعث مبادرات أخرى في قيمة مستوى هذه التجربة، يلتف حولها شباب الألفية الثالثة كما التف رفاقهم بالأمس من أجل الكفاح لنيل الاستقلال وشق طريق الوحدة؟ *كاتب صحافي (*) استعادة لمقال سابق بمناسبة الذكرى 60 لطريق الوحدة كان مهدى إلى روح الفقيد محمد الحيحي، أحد صانعي المشروع. كما أن هذه الإعادة جاءت انطلاقا مع التفاعل مع مضامين مقال بإحدى الجرائد الوطنية، بقلم مديرها الذي دعا فيه إلى إعادة إحياء فلسفة طريق الوحدة بزخمها الحماسي والوطني الذى أصبحنا نفتقده اليوم، تلك الفلسفة التي تتجاوز البعد التكنوقراطي للمشاريع التنموية وتنفذ إلى عمقها الإنساني والاجتماعي والتربوي، وذلك بدعم المبادرات الشبابية التطوعية الخلاقة، على نمط طريق الوحدة وبناء الشخصية الوطنية، بدل ترك الشباب لليأس والبطالة، داعيا إلى "اطلاق حملة تطوع وطنية لترصيف طرق بالدواوير المقطوعة، وترميم المدارس المهجورة، وتنظيف الشوارع المليئة بالقذارة والشواطئ التي تحولت إلى مزابل، ومقابر المسلمين التي تغطيها الأعشاب الضارة وترعى وتزبل فيها الدواب.