يعتبر التحضير للدخول المدرسي تلك العمليات الإدارية والتربوية التي تتم داخل المؤسسات المدرسية بداية كل سنة دراسية. وللأهمية البالغة التي يلعبها في الإعداد لموسم دراسي جيد، تصدر الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم مقررا وزاريا ينظم مختلف العمليات والإجراءات التي تؤطر هذه المرحلة وما بعدها. وتعتبر محطة الدخول المدرسي من أهم الفترات التي تسترعي اهتمام القيادات والفرق التربوية داخل المؤسسات التعليمية. إذ يأخذ التحضير لعملياتها النصيب الأوفر من اهتمام المتدخلين في الشأن التربوي، حيث يمتد من نهاية السنة الدراسية إلى بداية الموسم الجديد. ولا يمكن الإعداد لعمليات الدخول المدرسي دون الانطلاق من مخرجات السنة الدراسية الماضية، هذه الأخيرة كانت على العموم من حيث النتائج متميزة، لكن رغم ذلك فقد تم تسجيل مجموعة من الملاحظات المتناقضة حولها، توزعت على الشكل التالي: ارتفاع نسب الناجحين بمختلف المسالك والشعب حيث سجلت نسب الناجحين في امتحانات البكالوريا لهذه السنة 78 %. هذه النتائج أثارت مجموعة من التساؤلات حول واقع مخرجات المؤسسات التعليمية، وحول مستوى التلاميذ الحقيقي ودرجة تملكهم للكفايات، خصوصا وأن أغلب المتتبعين للشأن التربوي والممارسين من داخل المؤسسات التربوية، يقرون بتردي مستوى جودة مخرجات المنظومة، وأن ارتفاع نسب الحاصلين على المعدل بالأقسام الإشهادية يثير أكثر من علامة استفهام؛ ضعف مستوى تلاميذ الشعب الخاصة: كشعبة العلوم الرياضية وشعب العلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والكهربائية، نتيجة خفض عتبات القبول بهذه الشعب والتي ساهمت فيها عوامل متعددة: منها عدد طلبات تغيير التوجيه، وجانبية التلاميذ، والخريطة المدرسية...؛ ضعف مستوى تلاميذ المؤسسات التي كانت تعاني خصاصا من الأطر التربوية خلال الشهور الأخيرة من الموسم الماضي وعدم تمكنهم من الكفايات التي تؤهلهم لبناء التعلمات الجديدة؛ عدم أجرأة مشاريع المؤسسات وعدم تفعيل قرارات المجالس نتيجة ضعف انخراط كافة منتسبي المؤسسات التعليمية في تحقيق برامجها؛ ارتفاع حالات الغش بالامتحانات الإشهادية، حيث أصبحت الظاهرة في تزايد مستمر. إن الملاحظات التي ذكرناها سلفا وغيرها، في تقديرنا، تعبر عن واقع العديد من المؤسسات التعليمية ببلادنا. وأي تهييء للدخول المدرسي الجديد ينبغي أن ينطلق مما انتهت إليه نتائج الموسم الدراسي الفائت. وقد اقترحنا، لتجاوز كل التعثرات التي يمكن أن تعيق بناء وتحقيق الكفايات، ستة محاور رئيسة كدعامات الدخول المدرسي الجديد. أولها تعبئة كل المتدخلين في الشأن المحلي حول تفعيل برامج المؤسسات التعليمية. وثانيها تشخيص واقع المؤسسات التعليمية. وثالثها إعادة بناء وتدعيم آليات مشروع المؤسسة. ورابعها القيام بدعم تربوي يهدف إلى تجاوز التعثرات. وخامسها تدعيم المنظومة القيمية داخل فضاءات المؤسسات التعليمية وآخرها تدعيم دور الاستشارة والتوجيه في تصحيح المسار الدراسي للمتعلمين. تعبئة كل المتدخلين في الشأن المحلي حول تفعيل برامج المؤسسات التعليمية يعتبر مشروع المؤسسة آلية عملية ضرورية لتنظيم و تفعيل مختلف الإجراءات التدبيرية و التربوية الهادفة إلى تحسين جودة التعلمات. إلا أننا نلاحظ عزوف أطر المؤسسات التعليمية وشركائها عن المشاركة في تحقيق أهدافها. هذا العزوف له أسباب متعددة منها ما يرتبط بمدى استعداد المتدخلين والشركاء للانخراط في برامج المؤسسة، خصوصا وأن العمل في ظل مشاريع المؤسسات يتطلب تفرغا وانضباطا مستمرا لقرارات اللجان الوظيفية والتزاما كاملا نحو تأدية المهام. ومنها ما يرتبط بمدى قدرة القيادة التربوية على تقبل واستيعاب باقي المتدخلين كمشاركين في تدبير المؤسسة، وكذا على مدى قدرتها على تأطير وتنظيم مهام كافة المتدخلين في إطار منظومة تدبيرية متكاملة. إن العمل في إطار التدبير المشترك لم يعد خيارا بل أصبح ضرورة ملحة فرضها تطور نظريات التدبير الإداري التي تعتمد على المشاركة الجماعية في تحقيق جودة المنتوج التربوي، كما فرضتها كذلك توجهات الوزارة الوصية والتي تنص على أن المؤسسات التعليمية تدبر من خلال مجالس وأن مشروع المؤسسة يعتبر آلية تدبيرية للرفع من جودة التعلمات. لذلك فتحقيق أولويات مشروع المؤسسة، رهين بمدى انخراط كافة المتدخلين والشركاء في إنجاح برامجه. وأخص بالذكر الدور الذي تلعبه جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ باعتبارها شريكا أساسيا في دعم المؤسسات التعليمية وكذا في المشاركة الفعلية والفاعلة في تحديد الأهداف والسهر على إنجاحها، بالإضافة إلى دورها الأساسي في المشاركة في حل المشكلات المدرسية وتدعيم السلوكات المدنية داخل المؤسسات التعليمية. ولتعبئة الجميع وإقناعهم بضرورة الالتزام بالعمل انطلاقا من توصيات مجالس المؤسسة ومشروعها، على المدبر التربوي أن يكوّن تصورا واضحا حول الأسباب التي أدت إلى هذا العزوف من خلال توزيع استمارات أو الاتصال المباشر مع الفاعلين التربويين والشركاء لاستجلاء الأسباب والمواقف والبحث عن الحلول المحفزة على الانخراط في تفعيل برامج المدارس. ويعتبر الحوار والتواصل والقدرة على الإقناع من أهم المهارات التي يجب أن تتوفر في المدبر التربوي لكسر الحواجز وإذابة الخلافات. وبعد عملية التشخيص يشرع المدبر التربوي في تخطيط وتنفيذ الاستراتيجيات التي ستمكن من تعبئة الجميع. وترتبط هذه الأخيرة بثلاث محاور أساسية. يتمثل المحور الأول في توظيف التدبير التشاركي في إعادة بناء الآليات التدبيرية للمؤسسات التعليمية من مشروع المؤسسة ومجالسها. أما الثاني فيرتبط بتبني مبدإ الاستشارة والتشاور والأخذ بالرأي والرأي الآخر في تخطيط وبناء وتنفيد العمليات. أما الثالث فيرتبط بدرجة وضوح رؤية ورسالة المؤسسة ومدى قدرة المدبر التربوي على نقلها للآخرين وإقناعهم بأن تحقيقها رهين بانخراطهم في أوراش الإصلاح. تشخيص واقع المؤسسات التعليمية إن النتائج المتميزة ونسب النجاح المرتفعة، التي سجلتها المؤسسات التعليمية في مختلف المستويات، تدعو إلى التساؤل حول المستوى الحقيقي للتلاميذ، وهل بالفعل تلاميذ الثانوي التأهيلي متمكنون من الكفايات التي ستمكنهم من اجتياز امتحانات البكالوريا، والحصول على معدلات تؤهلهم لولوج المدارس والمعاهد العليا. وتعتبر الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شهر شتنبر فترة لتقويم المستلزمات والتعرف على المستوى الحقيقي للتلاميذ وكذا التعرف على التعثرات التي يعانون منها والتي على ضوئها سيتم إعداد خطط الدعم الفوري والمندمج والمؤسساتي. ولهذه الغاية أضحى الاهتمام بإنجاح محطة تقويم المستلزمات أولوية تسعى كل المؤسسات إلى تحقيقها من خلال التخطيط لها وتوفير الظروف المالية والمادية لإنجازها. ومن المفروض أن تسبق هذه العملية اجتماعات الفرق التربوية الخاصة بالمواد في إطار المجالس التعليمية قصد إنتاج عدة بيداغوجية موحدة خاصة بتقويم المستلزمات تتكون من روائز التمرير وعناصر الإجابة وسلم التنقيط. كما تتداول هذه الفرق بخصوص توحيد الجدولة الزمنية لتمرير التقويمات وتجميع النتائج وتحليلها واتخاذ القرارات التربوية التي تهم طرق الدعم التي سيتم اتباعها لتجاوز التعثرات. ومن المفروض كذلك أن يتم توحيد روائز تقويم المستلزمات على مستوى المديرية الإقليمية للتمكن من رصد التعثرات التي تعاني منها المؤسسات وتصنيفها حتى يتسنى البحث في أسبابها وطرق علاجها. دعم تربوي يهدف إلى تجاوز التعثرات التي يعاني منها المتعلمون ويعتبر الدعم التربوي من أهم الآليات البيداغوجية التي تراهن عليها المنظومة التربوية، قصد تجاوز التعثرات والصعوبات التي تعاني منها المؤسسات التعليمية: من ضعف مستوى التلاميذ، وقلة المعينات الديداكتيكية، وغموض النموذج البيداغوجي... وتنبني خطط الدعم، خلال الدخول المدرسي، على نتائج تقويم المستلزمات، حيث يتم اختيار نمط المعالجة، (دعم فوري، مندمج، مؤسساتي)، الذي ستتم برمجته إما خلال فترة ما بعد التقويمات التشخيصية أو على مدار السنة الدراسية. ومن بين الإكراهات التي تعاني منها المؤسسات التعليمية، هو إيجاد جدولة زمنية مناسبة لتمرير برامج المعالجة بمختلف أنواعها. هذا الإشكال يفرضه طول المنهاج الدراسي وعدم التحاق التلاميذ بالمؤسسات في الوقت المحدد، وانصرافهم منها قبل متم السنة الدراسية. ومن بين المعيقات كذلك عزوف المتعلمين عن حضور حصص المعالجة التربوية، علما أن أغلبهم قد انخرط منذ سنته الأولى بسلك الثانوي التأهيلي في حصص الساعات الإضافية واعتاد على نمط وطريقة دعم معينة: تعتمد على التذكير السريع بمحاور الدروس ثم المرور مباشرة إلى التمرن على حل وضعيات تقويمية مشابهة للامتحانات الإشهادية. هذا النمط يخالف تماما أسلوب العمل بحصص الدعم المقدمة بالمؤسسات التعليمية والتي تعتمد مبدأ التدرج الديداكتيكي في بناء الحصص من خلال إما إعادة بناء المفاهيم أو تدعيمها أو إغنائها ثم التمرن على حل وضعيات امتحانات السنوات الماضية. وعلى القيادات التربوية، خلال اجتماعات المجالس وأثناء صياغة أولويات مشروع المؤسسة، وضع هاته الملاحظات قيد الدراسة، واعتبارها نقطة بدء لاتخاذ كافة التدابير من أجل إيجاد الصيغ المناسبة للقيام بالمعالجة الضرورية. هذه الأخيرة تتم وفق الصيغ التي يراها فريق القيادة مناسبة، مع الحرص على توفير كافة التحفيزات لضمان انخراط الأطر التربوية والتلاميذ في برنامج الدعم، خصوصا منها الدعم المؤسساتي الذي يتطلب حضور حصص خارج أوقات الدراسة. إعادة بناء أو تعديل في أولويات مشروع المؤسسة بحيث تنسجم مع مخرجات السنة الدراسية الماضية مع بداية كل سنة دراسية تظهر مجموعة من المستجدات والملاحظات التي تفرزها تقارير المجالس، ونتائج التقويمات التشخيصية، وتقارير لجنة قيادة مشروع المؤسسة ... هذه الملاحظات تعتبر أرضية لتقييم مدى تحقق أهداف المشروع كما تعتبر فرصة للإجابة عن التساؤلات التالية: ما الذي تحقق؟ وبأية وتيرة؟ وما الذي لم يتحقق؟ وما هي الأسباب والمعيقات التي حالت دون تحقيق النتائج المنتظرة؟ وانطلاقا مما سبق تظهر الحاجة إلى تصحيح المسار، وإجراء تقييم كامل لمخرجات العمل بالمشروع. هذه العملية تستهدف نتائج السنة الدراسية الماضية ونتائج تقويم المستلزمات، وأداء أعضاء لجنة القيادة وعمل المتدخلين والموارد المادية والمالية التي تم تسخيرها لتحقيق الأهداف. إن الغرض من تقييم نتائج العمل بمشروع المؤسسة هو إعادة بناء منظومة متكاملة لمشروع نموذجي يتغيا تحقيق النجاح المدرسي مع جودة المنتوج التربوي. هذا الأخير ينبني على دعم التعلمات وجعل فضاءات المؤسسات مفعمة بالحياة من خلال تفعيل أنشطة النوادي التربوية وتأهيل الفضاءات الدراسية بالمعينات الديداكتيكية التي تساهم في تسهيل عمليات التفاعلات الصفية. ولن يتأتى ذلك إلا بفريق تربوي ذو تجربة وكفاءة عالية في بلورة وتسيير المشاريع التربوية. فريق متطوع قادر على تشخيص الواقع وتحديد الأولويات وتعبئة الأطر الإدارية والتربوية والشركاء لضمان الانخراط في تحقيق العمليات وحصول الأهداف. تدعيم المنظومة القيمية داخل فضاءات المؤسسات التعليمية رغم الانتشار الواضح لظاهرة الغش في الامتحانات داخل المؤسسات التعليمية، إلا أننا نلاحظ غياب البرامج والأنشطة التي تهتم بتدعيم السلوكات المدنية في صفوف التلاميذ. ونظرا للدور المحوري الذي تلعبه أنشطة وبرامج النوادي التربوية في تدعيم المنظومة القيمية داخل أسوار المؤسسات التعليمية، فإنه من المهم أن تشتمل البرامج السنوية للأنشطة التربوية على نصيب منها. كما أنه من المفروض أن تصبح الأهداف المرتبطة بتدعيم سلوكات النزاهة والمسؤولية والاعتماد على النفس من أولويات مشروع المؤسسة خصوصا وأن انتشار ظاهرة الغش أصبحت في تطور مستمر. وكباقي الظواهر التربوية فإن ظاهرة الغش في الامتحانات تحتاج إلى تشخيص دقيق للتعرف على حجم الظاهرة محليا والبحث في الأسباب واقتراح الأنشطة التي ستمكن من التخفيف من آثارها. وهنا يبرز دور جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ ومنسقي النوادي التربوية في إنجاز برامج عمل سنوية وبأهداف واضحة تترجم إلى عمليات وأنشطة قابلة للتحقيق تجمع بين الترفيه والتربية والتثقيف. اعتماد التوجيه التربوي كآلية لتصحيح المسار الدراسي للمتعلمين والرفع من نسب النجاح المدرسي إن من بين أسباب فشل عدد لا يستهان به من المتعلمين هو سوء التوجيه المدرسي. هذا المكون لا يزال يعاني الإهمال داخل المؤسسات التعليمية. فمعظم المستشارين في التوجيه لحد الآن لا يتوفرون على مكاتب قارة داخل المؤسسات لتمكينهم من استقبال التلاميذ والقيام بأدوار الاستشارة والتوجيه. كما أن معظمهم لا يستدعى لاجتماعات المجالس المختلفة. ولإعادة الاعتبار للدور المحوري الذي يلعبه المستشار في التوجيه في تقديم الاستشارة وتوجيه التلاميذ نحو اكتساب آليات البحث عن المعلومة التي تخص المسارات الدراسية والمهنية، وكذا في إغناء وإثراء اجتماعات المجالس بالملاحظات التي تخص مجال اهتمامه. وجب على القيادات التربوية توفير كل الظروف الضرورية لعمله داخل المؤسسة وتوفير كل الشروط والأدوات التي تساهم في إنجاح عمليات الاستشارة وإعادة التوجيه والتي تعتبر فرصة سانحة لتصحيح المسار وولوج الشعب التي تناسب مؤهلات كل تلميذ. خاتمة يعتبر الدخول المدرسي محطة أساسية في إنجاح الموسم الدراسي. لذلك فعلى كافة المتدخلين والشركاء العمل على إنجاحه من خلال المشاركة الفاعلة في عملياته والانخراط الكامل في برامجه والتحلي بروح المسؤولية والمواطنة في تأدية وظائفه. وتعتبر جمعية الآباء شريكا أساسيا للمؤسسات التعليمية وصلة وصل بين أهداف المؤسسات التعليمية وتطلعات أسر التلاميذ. لذلك فاحتضانها بالمؤسسات التعليمية يعد شرطا أساسيا ودعما إضافيا لمنظومة التربية والتكوين.