قال تقرير أعدته مجموعة البنك الدولي إن الاستثمارات التي قام بها المغرب تُعتبر الأعلى في العالم، لكن نتائجها على مستوى النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل والإنتاجية "مخيبة للآمال". وأفاد التقرير، الذي شخص وضعية الاستثمار والقطاع الخاص في المغرب، بأن المملكة تُسجل أعلى معدلات الاستثمار في العالم، بحيث تمثل نسبتها المتوسطة 34 في المائة من الناتج الداخلي الخام منذ سنة 2000. وبحسب التقرير، فإن دولاً مثل كولومبيا والفلبين وتركيا تُسجل نسب نمو مماثلة أو أكثر بمستويات أقل من الاستثمار، مضيفا أن "الدول التي نجحت في الإقلاع الاقتصادي حافظت على معدل سنوي من النمو بالنسبة للناتج الداخلي الخام للمواطن الواحد أكثر من 4 في المائة خلال عقود، في حين سجل المغرب متوسط 2,9 في المائة ما بين 2000 و2017، و1,6 في المائة ما بين 1990 و2000". وتعتبر البطالة، حسب التقرير الدولي، التحدي الاجتماعي الرئيسي الذي يواجه المغرب، خصوصاً لدى الشباب، وهو ما يتوجب، حسب المؤسسة المالية، مواكبته باستثمارات من القطاع الخاص لخلق فرص العمل والحد من الفوارق المجالية. أداء مخيب للآمال يقول البنك الدولي إن الاقتصاد المغربي سجل أداء مخيباً للآمال، خصوصاً على مستوى خلق فرص الشغل، بحيث زاد عدد السكان في سن العمل ب270 ألفا سنوياً بين 2012 و2016، في حين نجحت المملكة في خلق 26400 منصب شغل صاف في المتوسط سنوياً. التقرير كشف أن 17 في المائة فقط من السكان في سن العمل لديهم وظيفة رسمية (مهيكلة)، وأقل من 10 في المائة منهم لديهم وظيفة رسمية في القطاع الخاص. على مستوى الاستثمار، رصد التقرير أن القطاع العام هو المستثمر الرئيسي في البلاد من خلال الشركات المملوكة للدولة بحصة تصل إلى النصف، وهي استثمارات توجه بشكل كبير للبنيات التحتية التي لا يمكن ملاحظة آثارها الاجتماعية والاقتصادية إلا على المدى البعيد. وأكد البنك الدولي أن النموذج الحالي القائم على نمو معتمد على نسبة مرتفعة من تراكم الرأسمال العمومي الثابت ليس مستداماً، وأضاف قائلاً: "لا يمكن للمغرب الاعتماد فقط على تراكم رأس المال للحاق بالبلدان ذات الدخل المرتفع لأن ذلك يتطلب استثمارات أكبر، وهو ما يعرض الاستقرار الماكرو-اقتصادي للخطر". ويرى البنك أن هناك حاجة إلى قطاع خاص أكثر ديناميكية لخلق المزيد من فرص العمل، ولذلك يتوجب على المغرب توفير بيئة ملائمة للأعمال حتى يتمكن القطاع الخاص من اختراق الأسواق والتوسع والتصدير، وهذا يتطلب توفير ظروف تفضي إلى منافسة عادلة ورأسمال بشري ومهارات أفضل لتلبية احتياجات اليد العاملة الحديثة، وبالتالي تشجيع ريادة الأعمال والحصول على تمويل أفضل للمقاولات الصغيرة والشركات الناشئة خلال دورة حياتها كاملة. وشدد التقرير على ضرورة تركيز المغرب على توفير المنافسة في السوق وتهيئة الظروف لظهور قطاع خاص نشط ومتنوع يمكنه خلق الوظائف التي يحتاجها المغرب بشكل عاجل من خلال وضع قواعد منافسة عادلة لجميع الفاعلين. ويرى البنك الدولي أن السياسات التي فضلت الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمارات الكبيرة تزيد من حدة التباينات في ظروف السوق التي تواجهها المقاولات الخاصة، من بينها التحفيزات الموفرة في المناطق الصناعية، كما أن التدابير الرامية إلى تلبية حاجيات المقاولات الصغيرة كانت أقل نجاحاً. ضعف قطاع السيارات وفي حديثه عن قطاع السيارات، أشار البنك الدولي إلى أن ضُعف هذا القطاع يظهر في فوائده الاقتصادية المحدودة على الاقتصاد المحلي وعدم قدرة الفاعلين المحليين على دخول سلاسل القيمة المرتبطة بها، وهذا قد يشكل عقبة في المستقبل إذا لم تعتمد المقاولات الكبرى على الموردين المحليين الصغار. هذا الوضع يتطلب، حسب التقرير، سياسة حكومية استباقية لدعم المقاولات المغربية التي تتوفر على إمكانيات لدخول القطاعات الناشئة، من خلال ضمان وصولها إلى التحفيزات المتاحة وتوفرها على التمويل والعقار وتحديث المعايير. وأشار البنك إلى أن الشركات الجديدة والشركات ذات النمو المرتفع هي التي توفر معظم الوظائف على مستوى العالم، فعلى مستوى بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن الشركات التي يبلغ عمرها خمس سنوات أو أقل توفر خُمس العمالة الإجمالية، كما أنها تحدث ما يقارب نصف الوظائف الجديدة. وفي المغرب، أورد التقرير أن 37 في المائة من الشركات المسجلة لديها على الأقل خمس سنوات، لكن ليست هناك معلومات متاحة حول معدل بقائها على قيد الحياة أو تأثيرها على خلق فرص العمل. في المقابل، تقوم الشركات الصغيرة والمتوسطة المغربية بدورها في اختراق الأسواق وخلق فرص الشغل، ويرى البنك أنه يجب أن تستفيد من نظام منافسة عادل، ورأسمال بشري ومهارات، والوصول إلى سلاسل القيمة العالمية والتمويل ورأسمال المال في المراحل الحرجة من تطورها، والوصول إلى العقار والبنية التحتية وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي كلها عومل لا غنى عنها للاقتصاد الحديث. التقرير تحدث أيضاً على الفجوة في الأجور بين القطاعين العام والخاص، موردا أن متوسط الأجور في القطاع العام يزيد مرتين إلى ثلاث عن متوسط أجور القطاع الخاص، دون الحديث عن الفوائد والامتيازات التي يتمتع بها موظفو القطاع العام والاستقرار الوظيفي. وهذا الأمر يجشع الكثير من ذوي المواهب والكفاءات على قبول الوظائف العالية في القطاع العام، بدلاً من المغامرة في القطاع الخاص حيث المبادرة والمجازفة محاطة بظروف تنافسية غير متساوية. وجاء في التقرير: "فجوة الأجور بين القطاعين في المغرب هي الأعلى في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط، بينما نجد المهندسين الشباب البرازيليين أو الماليزيين أو الأتراك الذين يدرسون في الخارج يعودون إلى بلدهم الأصلي للعمل في مجالات الهندسة والتدريس والبحث، والمهندسون المغاربة نادراً ما يفعلون ذلك ويفضلون العمل في مقاولة أو في الخدمات العمومية". وفي حديثه عن المدرسة والتكوين المهني، قال البنك الدولي إن نتائج هذه المنظومة سيئة وغير مكيفة مع احتياجات الاقتصاد الذي يتطلع إلى النمو من خلال زيادة الإنتاجية، وأضاف أن "ثلاثة أنواع من الاستثمار في المهارات يمكن أن تنتج فوائد عدة؛ الاستثمار في الطفولة المبكرة، والتعليم العالي، والتكوين المهني للكبار خارج دورة العمل". توصيات وحلول في هذا التقرير الوارد في 154 صفحة، قدم البنك الدولي عدداً من التوصيات للمغرب، من بينها ضرورة تحليل الحيادية التنافسية للأنشطة التجارية للمؤسسات العمومية، وتطبيق القواعد والتحفيزات للأنشطة التجارية للمؤسسات العمومية نفسها المقدمة للمقاولات الخاصة، من قبيل الولوج إلى الصفقات العمومية والعقار والتمويل. كما اقترح البنك الدولي منح مجلس المنافسة سلطات الموافقة على عمليات الدمج والاستحواذ، ومنح التحفيزات لتحرير الأراضي من أجل الاستثمار المُنتج، وتوحيد المعايير بين الفاعلين الخواص والمقاولات العمومية، مثل زيادة الضرائب على الأراضي غير المستغلة وتحسين الوصول إلى المعلومات حول توفر الأراضي. ويرى التقرير أن هناك ضرورة لتخفيض رسوم الاستيراد على السلع الاستهلاكية لتقليل الحماية على السوق المحلية وتشجيع الاستثمار في الصناعات الموجهة للتصدير، وتقليل تلك الموجهة للقطاعات غير القابلة للتداول. على مستوى المقاولة، أوصى البنك بتعزيز روح المبادرة من خلال التوجيه والتشبيك ومسابقات المقاولات، ومواصلة ودعم وتطوير عروض خدمات الاحتضان لفائدة المقاولات الناشئة، وتحسين الوصول إلى التمويل، وضمان استدامة الشركات الصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير التمويل طوال دورة حياة المشاريع باعتماد قانون التمويل الجماعي، وتوفير تأمين للحد من آثار تأخر آجال الأداء. كما دعا البنك الدولي المغرب إلى تفعيل استراتيجيته الرقمي 2020 وبرامج الأداء الإلكتروني والمنصات الرقمية، وتقوية وكالة التنمية الرقمية، وتعزيز الاقتصاد الرقمي، من خلال تحسين الوصول إلى البنية التحتية للاتصالات وتقاسمها بين مختلف الفاعلين.