تعتبر شركة بوينغ من أيرز رموز الصناعة الأميركية؛ فهي توظف آلاف الأشخاص في مصانع تقع في معاقل الجمهوريين والديمقراطيين، ما يمنحها وزنا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا في الولاياتالمتحدة. وتضررت سمعة الشركة منذ تجميد طائرتها من طراز "737 ماكس" قبل أربعة أشهر، بعد كارثتين جويتين أسفرتا عن مقتل 346 شخصاً، ما أدى إلى أزمة غير مسبوقة لدى العملاق الاقتصادي وإثارة الشكوك. وقد وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صاحب شعار "أميركا أولاً"، انتقادات مراراً لشركة بيونغ، موصياً إياها بإعادة تصنيع طائرتها، لكنه لم يذهب إلى درجة منعها من التحليق. ويدعم سياسيون كبار الشركة، لكن هل يمكن أن يكون هذا مؤشراً على أن الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تتخلى عن أفضل إنتاجات قطاعها الجوي؟ لم تردع الصحافة بدورها النواب من استدعاء المدير التنفيذي للشركة، دينيس ميلنبورغ، لإخضاعه لنوع الإذلال نفسه الذي واجهه أرباب وول ستريت بعد الأزمة المالية عام 2008. يرى ميشال ميرلوزو، الخبير في مركز "اير انسايت ريسرتش"، أن "بوينغ واحدة من محركات الاقتصاد الأميركي. إنها مهمة جداً للولايات المتحدة". ويضيف أنه إذا قرر السياسيون الأميركيون الهجوم على الشركة المصنعة لطائرة "777"، فسيلحقون الضرر بأنفسهم لأن "وظائف عديدة ستكون على المحك، وشبكة مزودين شديدة الضخامة، وهذه أمور لا يمكن استبدالها بشركتي فيسبوك وغوغل اللتين لا تنتجان أي شيء ملموس". إير فورس وان توظف بوينغ، التي تأسست قبل 103 أعوام، آلاف الأشخاص حول العالم، 89,5% منهم (137 ألفاً) في الولاياتالمتحدة، وفق موقع الشركة الإلكتروني. وبالإضافة إلى الوظائف المباشرة، توفر الشركات المتعاقدة معها، مثل "جنرال إلكتريك" و"يونايتد تكنولوجيز" و"سبيريت ايروسيستمز"، أيضاً العديد من الوظائف في القطاع الصناعي الأميركي. كما أن خريطة التوزع الجغرافي لبوينغ مشابهة فعليا لاستراتيجية حملة انتخابية. فالشركة الجوية حاضرة في أميركا الريفية التي تنتخب الحزب الجمهوري، أي ولايات ألاباما وأوكلاهوما وكارولاينا الجنوبية وتكساس. ولديها مواقع أيضاً في أراضٍ تنتخب الحزب الديمقراطي، في كاليفورنيا وواشنطن، وفي ولايات أخرى حاسمة في السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض (ميزوري وبنسلفانيا وأريزونا). وفي مؤشر على الارتباط الوثيق بين بوينغ ودوائر السلطة السياسية، رشح ميلنبورغ شخصيتين لهما علاقات قوية مع واشنطن لتولي مراكز في مجلس إدارة الشركة، هما نيكي هايلي، السفيرة السابقة لإدارة ترامب لدى الأممالمتحدة الحاكمة السابقة لولاية كارولاينا الجنوبية، وكارولاين كينيدي، المقربة من باراك أوباما ابنة الرئيس السابق جون كينيدي. وبوينغ التي مقرها شيكاغو، هي من أبرز مزودي وزارة الدفاع الأميركية. فقد أنتجت المقاتلات المعروفة "بي 17" و"بي 29" خلال الحرب العالمية الثانية، ومقاتلة "بي 52" التي أنتجت خلال حرب فيتنام وما تزال عاملة. وتصنع اليوم أيضاً الطائرة الناقلة "كي سي 46"، وطائرات حربية مثل طائرة الهجوم "إف اي-18 سوبر هورنيت"، ومروحية الهجوم "أباتشي" ومروحية النقل "شينوك"، والطائرات المسيرة الحربية للبحرية الأميركية "يوكلاس" و"بي-1" القاذفة. وبوينغ، مع شركة "سبايس إكس"، هي إحدى الشركتين اللتين ستشغلان رحلات سياحية إلى الفضاء، على متن محطة الفضاء الدولية، التي تنظمها وكالة الفضاء "ناسا". وبوينغ حاضرة رمزياً أيضاً في السلطة الأميركية لكونها مصنع الطائرة الرئاسية "إير فورس وان". ويشكل شراء طائرات بوينغ أيضا جزءا من المفاوضات التجارية مع الصين، وفق مصدر قريب من الملف. *أ.ف.ب