قبل عشرة أيام أكمل الطفل أحمد سعد دوابشة تسعة أعوام من عمره، واليوم يكمل عامه الرابع في مسيرة العلاج بالليزر؛ لترميم آثار الحروق بجسده؛ كناجِ وحيدِ من المحرقة التي نفذها مستوطنون في دوما جنوب شرق نابلس، وراح ضحيتها والده سعد (32 عاما) ووالدته ريهام (27 عاما) وشقيقه الرضيع على (18 شهرا). وللعام الرابع على التوالي، يحتفل الناجي الوحيد بذكرى ميلاده مع عائلته والأصدقاء، لكن هذا العام كان الاحتفال على نطاق ضيق اقتصر على عمه نصر دوابشة وجديه إثر وفاة خاله، حيث تزينت حلوى ميلاده بصورة "الفارس أحمد دوابشة". في الثلث الثاني من يوليوز عام 2010، تعالت أصوات الزغاريد والفرح في منزل عائلة سعد دوابشة بمولودها البكر أحمد في منزل العائلة شمال القرية، لكن تلك السعادة لم تدم طويلا في ظل حياة تشهد ظروفا استثنائية تحيط بدوما كغيرها من المناطق الفلسطينية الناجمة عن عربدة المستوطنين. ففي 31 يوليوز2015 تحول شهر ميلاد أحمد إلى شهر الآلام الذي فقد فيه أمام عينيه كامل عائلته حرقا، إثر إلقاء مستوطنين من بؤرة "ييش كودش" الاستيطانية قنابل حارقة سريعة الاشتعال داخل الغرفة التي كانت تنام فيها العائلة، وبدأت معها فصول معاناته في رحلة علاج بالليزر. ومنذ ذلك التاريخ، بات شهر يوليوز شهرا للآلام والميلاد بالنسبة للناجي الوحيد، فأوله جلسة ليزر للعلاج وأوسطه عيد ميلاد، وآخره ذكرى الفاجعة. والحرق أحد أهم الأسلحة التي تستخدمها التنظيمات اليهودية وعصابات التطرف الاستعماري الصهيوني كعصابات تدفيع الثمن وشبيبة التلال في فلسطين منذ عقود، عبر حرق الشجر والمساجد والكنائس والمدارس والمنازل على مدار العام. يقول نصر دوابشة ل "وفا": لا يمكن أن ينسى جرح العائلة وهذه الجريمة التي هزت الضمير الحي، لكن حالنا كعائلة مثل كل الفلسطينيين الذين يتعرضون لهجمة شرسة من الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين لكن نواجه ذلك بالصبر والثبات. ومنذ أربعة أعوام تمضي عائلة دوابشة وقتها بين المحاكم الإسرائيلية لمتابعة قضية إحراق عائلة سعد، التي يعتبر الحاكم فيها ذاته الجلاد، وبين رحلة علاج الطفل أحمد في المستشفيات، يؤكد دوابشة. ويضيف: "أحمد حرق مع عائلته عام 2015، وسنويا يحرق أربع مرات سنويا بعمليات الليزر من أجل إزالة التشوهات التي تعرض لها إثر الحريق، وعلاجه قد يستمر 15 عاما". ويؤكد أن الطفل أحمد في الصف الرابع ويمارس هواياته في ركوب الخيل وكرة القدم والسباحة، وتحاول عائلته أن تنسيه ما حل بأسرته، إلا أن الجرح كبير وغائر، فلا تفارق مشاهد حرق عائلته مخيلة أحمد ويتعرض لكوابيس توقظه ليلا كلما سمع بهجوم للمستوطنين على قرية فلسطينية. "الذكرى تمر ونعيش تفاصيلها يوميا مع كل هجمة للمستوطنين واعتداء على أبناء شعبنا، منذ أربع سنوات لا نهنأ لليلة في النوم ونبقى متيقظين عند سماع أي صوت أو حركة، نتوقع أن تكون هجوما علينا من المستوطنين أو على أحد أبناء القرية"، يضيف دوابشة. ويشير ل "وفا"، إلى أنه ليس عمليات الليزر وحدها التي تؤرق الطفل أحمد، حيث يحتاج لعملية ترميم لأذنه اليمنى التي فقدها إثر الحريق، وذلك عندما يكمل عاما ال 16، والتي قد تتطلب علاج على مدار أربعة أعوام إضافية. وحول قضية عائلة دوابشة المنظورة أمام المحاكم الإسرائيلية، يشير عم الناجي الوحيد، إلى أنه بعد أربع سنوات من الجريمة تواجه العائلة تحد حقيقي في إطلاق سراح القتلة، فبعد أن كان 17 مستوطنا متهما بالقضية عام 2015 لم يبق اليوم سوى متهم وحيد، تقود أجهزة دولة الاحتلال جهودا حثيثة لإطلاق سراحه. ويؤكد دوابشة، أن عصابات المستوطنين تتلقى رعاية كاملة ودعم من الحكومة الإسرائيلية وشرطة الاحتلال والقضاء الإسرائيلي، وأن ذلك يظهر عبر طريقة تعاطيهم مع القضايا بأنه يقول للمستوطنين "افعلوا ما شئتم ولكن لا تتركوا أي أثر في هجماتكم ضد الفلسطينيين، وإن ترك أحدكم أثرا لا تقلقوا نحن في الحكومة والقضاء الإسرائيلي سنقوم بتبرأتكم والدفاع عنكم". ورغم اعتراف المستوطن "عميرام بن أوليئيل" بتنفيذه لجريمة حرق عائلة دوابشة وتمثيلها، إلا أن محاولات جديدة تبذلها هيئة الدفاع عنه بأن اعترافاته انتزعت تحت التعذيب. وفق ما يؤكد دوابشة. ويضيف أن عائلة دوابشة بمساعدة الخارجية الفلسطينية توجهت إلى محكمة العدل الدولية وسلمت ملف قضية عائلة دوابشة للمدعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الأخيرة لا تنظر بالقضية إلا بعد استنفاد جميع الإجراءات القانونية أمام المحاكم الإسرائيلية. ويوضح أن القضية أمام القضاء الإسرائيلي منذ أربع سنوات ويمكن أن تستمر لعام آخر أو أكثر، وأن الاحتلال يحاول قطع الطريق على الفلسطينيين والعائلة كي لا تذهب للقضاء الدولي وتحرك الملف الخاص بالعائلة، إلا أنه يؤكد أنه بعد انتهاء القضية في المحاكم الإسرائيلية ستتوجه العائلة للقضاء الدولي للطعن في نزاهة قضاء الاحتلال، الذي يعلم المجتمع الدولي انحيازه للمستوطنين وإعطاءهم رخص القتل والقوة لاستمرار إرهابهم ضد شعبنا. *وفا