كثيرا ما كان حسن أوريد يثير الانتباه، سواء باعتباره منتميا سابقا للمحيط الملكي، أو باعتباره رجل سلطة تنفيذية، أو باعتباره كاتبا أديبا منتجا للأفكار. حسن أوريد كان يمشي جنب حائط المجتمع السياسي والأدبي المغربي بعدما تخلص من جبة السلطة، وبعدما جرب السباحة في نهر يحرسه أهل الفكر والتنوير، بدون أن يسمحوا له بالتمتع بلذة ماء النهر المؤدي إلى مستنقع السياسة، لغايات في نفس يعقوب. حتى وهو يراكم مؤلفات تتعدد وتتنوع في مشاربها وإحالاتها ومآلاتها، لم يكن حسن أوريد يثير شبهة تحرك من حوله زوابع وتوابع ترتبط بشخصه عوض كتاباته. حتى وهو يطرق أبواب أجناس كتابية مختلفة المنزع والأسلوب والمنحى، لم يكن حسن أوريد يثير إعجاب الكثير من المتتبعين لسوق الكتابة في المغرب، كما لم يكن يثير سخط آخرين، على اعتبار أنه ظل يحافظ على شعرة معاوية مع المغرب الرسمي من جهة، ومن جهة أخرى ظل يراود الاتجاه الآخر، ليس بالضرورة المعاكس، ليقنعه بمنتوجه الفكري والإبداعي الذي يمشي، برجل واحدة على الأقل، ضد التيار السائد. حتى وهو يبحث لنفسه عن مكانة اعتبارية خاصة بين كتاب المغرب الكبار، لم يكن حسن أوريد يخفي حبه لسلطة الكاتب وتمتعه بالصيت والحضوة والمكانة، تعوضه عن فقدان سلطة وحضوة الواقع الاجتماعي والسياسي الرسمي الذي أنتجه وانتمى إليه طويلا. حتى وهو يصدر رواية (سيرة حمار)، لم يكن حسن أوريد يطلب غير الغفران والصفح، متقلدا وسام إيزابيلا الكاثوليكية، الذي حصل عليه، ذات مناسبة، اعترافا بمجهوداته الحميدة في التقريب بين ضفتي جبل طارق. حسن أوريد وهو يدور دورته الكاملة في اتجاه نفسه، وفي اتجاه محيطه السياسي والاجتماعي، كان يلتقي في الطريق بمطبات تنظيمية تحد من حرية تحركه، وتجعله أسير ماضيه السياسي، بالرغم من استعماله لكثير من الأسلحة المعرفية التي يسوق بها نفسه كزاهد في السلطة، وكمتطلع نحو الطليعة المغربية المشاكسة. تجربة هذه الأسلحة الاجتماعية والسياسية لم تشفع له في امتلاك سلطة بديلة، نقدية هذه المرة، بالرغم من بلاغة ولمعان عناوين كتب كثيرة أنتجها لعل أبرزها (من أجل ثورة ثقافية في المغرب)، وبالرغم من اعتباره أول من استقبل اليهودي المغربي أبراهام السرفاتي عند عودته من المنفى، وغير ذلك من الإشارات الدالة على عهده الجديد الذي قدم من أجله تضحيات لم يكن لها وزن في التالي من الأيام والاحداث والمواقف والمواقع. ما الذي ارتكبه حسن أوريد حتى وجد نفسه خارج جنة السلطة؟ وقبل ذلك، هل خروجه إلى أرض الله الواسعة كان اختيارا منه، أم فرض عليه من جهات أخرى لم تستسغ نزقيته الفكرية، فتم نفيه ليهيم في جهات وظيفية وجغرافية عديدة قبل أن يلقي به إلى الهامش؟ هل الخطاب النقدي الذي يتبناه حسن أوريد، هو نتيجة قناعة فكرية أم هو مناورة ترمي تبليغ رسائل إلى من يهمه الأمر، خاصة بعد مغادرته منصب مؤرخ المملكة سنة 2010؟ إلى أي حد يأخذ الرأي القائل بأن حسن أوريد استُغل لإقامة جسور التواصل بين الدولة وبعض الجماعات الرافضة للعبة السياسية المغربية، وأنه لم يقدم المطلوب منه، إلى أي حد يأخذ هذا الرأي وجاهته؟ هل ارتباط حسن أوريد بالثقافة المغربية الشبه شعبية مكنه من اكتساب مناعة فكرية تحميه من هجمات المتربصين بمشروعه الإبداعي والنقدي، وتعطيه خصوصيته المشتهاة؟ لماذا تحول التقبل الثقافي لحسن أوريد من مستوى حسن إلى مستوى متوسط ناقص، في مشهد ثقافي مغربي حساس جدا ومتوجس جدا؟ من أين تأتي هذه الهجمات المتعددة والمتنوعة التي يتعرض لها حسن أوريد؟ هل روايته (رواء مكة) لها محل من إعراب هذه الهجمات؟ هل (رواء مكة)، ورحلة الحج التي أنتجتها، لها ما لها، وكان يجب أن يكون عليها ما عليها؟ هل الانتشار الواسع لرواء مكة، بين الإسلاميين، وتقبلهم وتبنيهم لها، كان لابد أن يكون له ما بعده؟ كانت رواية (رواء مكة) مجرد متن إبداعي يتداول في حدوده الدنيا بين المتابعين لجنس الرواية المغاربة، قبل أن يتحدث عنها الداعية الإسلامي (أبو زيد المقرئ الإدريسي) في برنامج إعلامي، بين مجمع صغير من الفقهاء والدعاة.كان تمجيد (المقرئ) للعمل الروائي بمثابة يد سحرية رفعت مبيعاته إلى أعلى مستوى، إذ في وقت قياسي نفذت نسخ الرواية من الأسواق، في سابقة ربما لا يوجد لها شبيه في تاريخ بيع الكتاب في المغرب.اعتبر بعض المتتبعين حديث المقرئ الإدريسي، المسهب والحماسي، عن الرواية نوعا من الاستقطاب الإيديولوجي الذي سقط في فخه حسن أوريد.البعض الآخر، اعتبر سكوت حسن أوريد، أو قبوله للتوظيف الإيديولوجي للرواية، حسابا تجاريا جاريا، كانت تموله مبيعات الرواية في أوساط الإسلاميين، المستفيد الرئيسي منها جيب حسن أوريد.بعض آخر اعتبر الرواية حقيقة روحية توصل إليها حسن أوريد، واقتنع بخلفيتها الدينية وتمثلها في الرواية كما في الحياة. الكثير من هؤلاء وأولئك لم يلتفتوا إلى العمل في بعده الأدبي الإبداعي، واكتفوا بإحالاته الدينية، على اعتبار أنه يمثل تلك الرجعة الدراماتيكية التي يحتاجها الإنسان لتنقله من الظلام إلى النور، بالمفهوم الديني.لماذا أغلبية المتعاملين مع رواية رواء مكة كانوا يبحثون بين دفتيها عن ضرورة الإيمان وأهميته، عوض البحث عن القيمة الأدبية للعمل؟ هل بالفعل موضوع التوبة هو الطيمة الموضوعاتية لرواية رواء مكة؟ هل المعالجات الإيديولوجية التي رافقت الرواية يمكن أن تكون بديلا عن المرافقات التحليلية الأدبية، التي تعطي للعمل الأدبي قيمته، وتمكن من النظر إليه وفق محددات العمل الروائي الناجح؟ هل بهذه المعالجة يمكن تعويض الفقر النقدي الذي قوبلت به الرواية؟ لماذا لم يهتم عدد من المهتمين بالجانب الفني للسيرة الأدبية في الرواية، وركزوا فقط على الجانب النفسي والوجداني والفكري للكاتب؟ لماذا لم يوقف حسن أوريد هذا البوليميك، ويقطع الشك بيقين أن الرواية مجرد عمل إبداعي لا يحتمل التأويل والتوظيف من طرف أي جهة من جهات التعاطي مع الحج كركن من أركان الإسلام القائم على التوبة بدرجة أولى؟ هل التوبة هي ما يبحث عنه حسن أوريد؟ وهل التوبة، إذا سلمنا بها كمحدد موضوعي للرواية، تعني أن حسن أوريد يقترب من الإسلام السياسي، في أفق البحث عن قنوات اتصال تنظيمية يمكن أن تعيده إلى المربع السياسي الأول، مع تغيير المواقع التي تتأسس على تغيير المواقف التي لا يخفيها الكاتب، سواء كانت فكرية أو سياسية أو اجتماعية؟ هل يمكن ان نرى حسن أوريد مرشحا محتملا بين لوائح الإسلاميين في الانتخابات التشريعية المقبلة؟ هل محاولة استقطاب الإسلاميين لحسن أوريد هو نوع من تعويض غياب أدباء لهم وزن وصيت وصدى؟ ما المانع من زواج حسن أوريد بالإسلام السياسي، شرعيا أو عرفيا أو كاثوليكيا؟ هل تكون رحلة السياسة المفترضة، التي يشم رائحتها بعض المتنبئين، قائمة على رحلة الحج التي يقدمها حسن أوريد كمرحلة جديدة في حياته؟ أليس هذا اللغط الكبير الذي يحيط بحسن أوريد من جهات متعددة، معلومة ومعروفة بتوجهاتها وخلفياتها، يمكن اعتباره تقديرا قبليا للموقف، ووقوفا في وجه إمكانية انحراف جديدة يمكن أن يقوم بها حسن أوريد؟ في إحدى المداخلات التأطيرية لحركة 20فبراير سنة 2013 تساءل حسن أوريد حينها، هل للفاعلين السياسيين القدرة على الاعتراف بأخطائهم المرتكبة دون الاختباء وراء الأعذار. حسن أوريد، نفسه، وهو يوقع رواية رواء مكة في شهر ماي الماضي بمدينة الدارالبيضاء قال، يجب أسلمة الحداثة للتماشي مع تقاليد المغاربة، أو لكي نحافظ على تقاليد الدولة المسلمة الحديثة. تفاصيل كثيرة يمكن أن تفرزها مقولة قدرة اعتراف الفاعلين السياسيين بأخطائهم، وتفاصيل كثيرة أخرى يمكن أن تقدمها مقولة أسلمة الحداثة، ومادام الشيطان دائما يكمن في التفاصيل، تبقى أحقية معرفة هل شيطان الرواية، على غرار شيطان الشعر، الذي ألهم حسن أوريد كتابة رواء مكة، ألهمه كيف يروج لروايته تجاريا، وكيف يوظفها لإمكانية تصفية حسابات سياسية وفكرية مع جهات كان بعضها يحاربه لاعتبارات فكرية، وبعضها كانت تريد له أن يُنسى. هل حقيقة أن حسن أوريد الذي أخرج من الباب، يريد العودة من النافذة؟