أوضحت دراسة أنجزها نجيب أقصبي، أستاذ الاقتصاد بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، أن مؤشر الاكتفاء الذاتي الجبائي للمغرب تراجع من 85 في المائة سنة 1990 إلى حوالي 64 في المائة سنة 2019. ويعني هذا المؤشر أن الموارد الجبائية لا تغطي نفقات الدولة، فقد كانت الموارد تُغطي نفقات سنة 1990 بحوالي 85 في المائة، أما اليوم فلا تغطي سوى 64 في المائة، أي حوالي 229 مليار درهم كموارد مقابل 356 مليار درهم كنفقات. ويدفع هذا الوضع الدولة إلى اللجوء إلى الاستدانة بشكل مستمر نظراً إلى العجز الهيكلي للنظام الضريبي، حيث تستدين سنوياً عشرات المليارات، وقد وصل هذا الرقم إلى 76 مليار درهم بالنسبة إلى سنة 2019، بعدما كان في حدود 37 مليار درهم سنة 2011. وتفيد الدراسة، التي أعدها الخبير الاقتصادي في إطار نقده لمخرجات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات، أن مؤشر الاكتفاء الذاتي الجبائي كان سنة 2000 في حدود 82 في المائة، وبدأ في الانخفاض مع مرور السنوات إلى أدنى مستوياته سنة 2015 بحوالي 58 في المائة، ثم وصل إلى 64 في المائة السنة الجارية. ويشير أقصبي إلى أن المديونية الجديدة سنوياً توجه نسبة منها إلى خدمة الدين، فخلال السنة الجارية وصلت الديون الجديدة إلى 76 مليار درهم، وخدمة الدين إلى 67 مليار درهم، مضيفا أنها تمثل 19 في المائة من نفقات الميزانية العامة للدولة. وتؤكد الدراسة أن هناك حاجة ملحة لإصلاح النظام الضريبي لعدة أسباب، أولها كون ميزانية الدولة تعيش عجزاً حقيقياً مقلقاً، إضافة إلى لجوء مفرط إلى المديونية، مما يجعل هوامش التحرك في إطار قوانين المالية تتقلص مع مرور السنوات. ومنذ سنة 2013، وهو تاريخ انعقاد المناظرة الوطنية الثانية للجبايات، أوضحت الدراسة أن عيوب النظام الضريبي معروفة، وتتلخص في "عدم فعاليته"، وكونه "غير عادل"، مشيرة إلى أنه "غير فعال لأنه غير عادل وغير عادل لأنه غير فعال". وللتأكيد على الخلاصة السابقة، يشير أقصبي إلى أن الضرائب غير المباشرة تمثل 60 في المائة، مضيفا أنها ضريبة عمياء وغير منصفة لأنها تفرض على الجميع بغض النظر عن مواردهم، وتتأتى من عدد من الأصناف، أبرزها الضريبة على القيمة المضافة. فيما تمثل الضرائب المباشرة 40 في المائة، وهي الضرائب التي تفرض على الشخص مباشرة من خلال دخله أو ما يمتلكه، وضعف حصته يعني أن الوعاء الضريبي غير متوازن ولا يشمل بشكل ناجح مختلف الملزمين. وتمثل الضريبة على القيمة المضافة أبرز ضريبة مدرة للموارد للدولة، حيث تصل حصتها 39 في المائة من الموارد الضريبية، تليها الضريبة على الشركات بنسبة 20 في المائة، ثم الضريبة على الدخل بنسبة 17 في المائة، مما يمثل تركيزاً ضريبياً كبيراً. وحتى داخل الضريبة على الشركات هناك تهرب كبير، توضح الدراسة، مشيرة إلى أن ثلاثة أرباع الشركات تصرح بالعجز سنوياً. أما الشركات الأخرى ف90 في المائة منها تصرح بأرباح في حدود 300 ألف درهم، أي أن 73 في المائة من الشركات تؤدي الحد الأدنى من الضريبة. أما الضريبة على الدخل فهي مركزة على أجراء القطاع الخاص، الذين يؤدون 49 في المائة من إجمالي الضريبة على الدخل، مقابل 27 في المائة لأجراء القطاع العام، أما المداخيل المهنية والأرباح العقارية فتمثل ضرائبها 11 في المائة لكل منهما، والأصول المنقولة 2 في المائة فقط. وحين نفصل في الضريبة على الدخل نجد أنها مركزة على أقلية صغيرة جداً، حيث يؤديها فقط مليونا شخص، رغم أن هناك ثمانية ملايين شخص نشيط يمارسون عملاً مؤدى عنه، وهذا يعني أن أقل من شخص نشيط واحد مؤدى له من أصل أربعة فقط هو من يؤدي الضريبة على الدخل. وتؤكد هذه الأرقام، حسب الدراسة، أن النظام الضريبي في المغرب لا يؤدي وظيفته الأساسية المتمثلة في توفير موارد كافية للنفقات، بالإضافة إلى كون الوعاء الضريبي ضيق، ناهيك عن الضغط المركز على فئات محددة. ووقفت الدراسة على أن المناظرة الوطنية الثانية للجبايات التي نظمت سنة 2013 أسفرت عن 60 توصية، لكن لم يتم تطبيق أغلبها، خصوصاً المتعلقة بإعادة التوازن إلى هيكلة النظام الضريبي ما بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وما بين تضريب العمل والرأسمال. كما تم إغفال توصيات أخرى تهم تضريب الفلاحة، وتحسين تصاعدية الضريبة على الدخل، وتضريب الاستثمارات غير المنتجة، وتبسيط وتحقيق التجانس في النظام الضريبي لمختلف الفئات ذات الدخل، وتوسيع قاعدة ضريبته. واختار صاحب الدراسة توخي الحذر تجاه توصيات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات التي نظمت في ماي الماضي، حيث قال إن الحكومة اكتفت بعشرة إجراءات من أصل 167 توصية صدرت عن المناظرة. وأشار إلى أن هذا التوجه، في حالة تطبيقه من قبل الحكومة في قانون إطار، سيجعل المناظرة الأخيرة كسابقاتها، خصوصاً أنها نظمت في وقت لم تحسم فيه معالم النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه الملك قبل سنوات. وأكد أقصبي أن اللوبيات المستفيدة من الوضع الحالي والمُعارضة للإصلاح الضريبي لن تستسلم، مشيرا إلى أنها بدأت مناوراتها قبل اعتماد مشروع القانون الإطار في البرلمان، مقابل ذلك فإن قوى التقدم، خاصة المجتمع المدني، تحمل مشروعاً حقيقاً لهذا الإصلاح، لكن الطريق أمامها لا تزال طويلة ومحفوفة بالصعوبات، يضيف أقصبي.