من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له التراث الشعبي لأي أمة هو بمثابة ذاكرة حية، نرى من خلالها الماضي والحاضر والمستقبل، وهو إرث حضاري قيم يمتاز بانتشاره الواسع، بفضل عدة أنماط تعبيرية كالمثل والحكاية والأسطورة والخرافة وغيرها من الأنماط، والتي تنتقل من جيل لآخر دون أن تفقد كنهها وقدرتها على بناء حضارة المجتمعات وزرع وعيها الشعبي. ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن نتصالح مع هذا التراث ونصل الحاضر بالماضي من أجل أخذ العبرة واستخلاص التجارب للمضي قدما نحو المستقبل؛ ويتجلى هذا التصالح في إعادة التراث الشعبي إلى الكتب المدرسية لنفض الغبار عنه والاستفادة منه، من خلال: كون المدرسة هي قبل كل شيء مؤسسة وطنية تكون هوية الطفل وإحساسه بالانتماء إلى وطن وثقافة ودين، ومؤسسة معيارية وتوجيهية، تعلمنا كيف نفكر وكيف نتفاعل مع الآخرين، وبعبارة أدق فإنها تربينا؛ وغالبا ما تتم التربية عن طريق التقليد والتكرار والحفظ، وبالتالي فالأساس من المدرسة هو تكوين شخصية الطفل حسب المعايير الاجتماعية. تعريف الأجيال بالتاريخ القديم من خلال نافذة التراث الشعبي، لأنه شاهد عيان على حقبة معينة من الزمن عاشها الأسلاف، مع تقوية الحس الوطني من خلال تعريف الأجيال بتاريخ أجدادهم. التراث الشعبي يعبر عن البعد الوطني المغربي المتجسد في شيوعه، وله وظيفة مهمة جدا، فهو يساعد على نقل الهوية الثقافية والمبادئ التربوية الأساسية من جيل لآخر، ينقل إلى الأجيال الصاعدة بعض قواعد التفكير والسلوك الضروري للحياة الاجتماعية. المثل أو الحكاية التي يتلقاها الطفل في صغره تؤدي وظائف لغوية وتربوية أهمها: وظيفة تكوين الخيال عند الطفل، وكما نعلم جميعا أن للخيال مهمة في حياة الإنسان، وإذا كبر الطفل فإنه سيعود للاستعانة به في اختراعاته إن كان مخترعا وفي أبحاثه العلمية إن كان باحثا علميا؛ وإن لم يكن هذا الخيال قويا فلن يستطيع الشخص في بحثه العلمي أو في كتابة القصة مثلا استعمال ملكة الحدس وبلورة القدرة على التصور. قد لا نعطي أهمية كبيرة لبعض موروثاتنا من العادات الجميلة الرائعة، في حين أننا لو فعلنا لوجدنا أسلافنا قد سبقوا العالم في كثير من أوجه الخير والتحضر...والتي يلتمس بها حسن التساكن والتعايش والتعاضد والمسالمة والتآزر لتوفير الحياة السعيدة الآمنة لكافة الناس. وتجدر الإشارة إلى أننا بقدر ما ننمي خيال الطفل في صغره فإننا نقوي لديه الرغبة في المطالعة التي تكسبه اللغة لا محال. التراث الشعبي بمختلف مكوناته يساهم في تحديد وتقويم سلوك الفرد وتربيته داخل الجماعة، وليظل هذا التراث حيا وجب الحفاظ عليه من النسيان والتلف، بدمجه في سياق المعطيات الحديثة وفضاءات الإعلام والتربية والتعليم والثقافة. التراث الشعبي متحف حي يضمن الخلود للعادات والتقاليد والطقوس التي عاشتها المجتمعات الإنسانية على مدى العصور. التراث الشعبي المغربي يحمل رصيدا لغويا مهما، ونحن في حاجة ماسة إلى هذا الرصيد اللغوي الشعبي. وفي الختام أتمنى ألا يضيع هذا التراث الشعبي بسبب الإهمال أو التآكل بفعل عوامل التعرية الثقافية إن صح التعبير، وأن تتضافر الجهود لاستيعاب هذا الإرث المهدر، وهو أحد أجمل شامات وجه مغربنا الجميل.