احتفاء بالإرث الكبير الذي خلفه المفكر الجزائري محمد أركون، حط العديد من المثقفين والباحثين بمختلف الجامعات العالمية رحالهم بأكاديمية المملكة بالعاصمة الرباط، من أجل التباحث في إرث الرجل وفكره المرتبط بالفضاء المتوسط؛ وذلك على مدى يومين في فعاليات انطلقت أول أمس الأربعاء واستمرت إلى غاية أمس الخميس. الحاضرون الذين تقدمهم عزيز إسماعيل، عن معهد الدراسات الإسماعيلية بلندن، وصديق المفكر الراحل أركون، انطلقوا من كتاب للأخير نشرته منفردة أكاديمية المملكة المغربية، حول التفكير في الفضاء المتوسطي، وكان سلمه إياها مرقونا قبل وفاته، ويتناول المجال الثقافي للمنطقة، ويناقش الفسيفساء الفكرية التي تترجمها أنماط تعبير وخطابات ولغات مختلفة. عزيز إسماعيل أورد أن "فكرة الفضاء المتوسط قديمة جدا، وهي بمثابة تمرين مرتبط بالخيال التاريخي، والهدف منها هو العودة إلى تقاليد عظيمة لها مرجعية سابقة على مستوى الماضي"، مشيرا إلى أن "الفكرة المنتسبة إلى هذا الفضاء تحمل العديد من دلالات الحياة، وتعكس التنوعات التي تهم فئات مختلفة وتحتك ببعضها بشكل مستمر". وأضاف إسماعيل خلال اللقاء الذي سيره المثقف المغربي نورالدين أفاية أن "المنطقة عليها الانفتاح على الفلسفة، والتفريق بينها وبين الدين، خصوصا على مستوى التعليم الذي يعيش أزمة حادة في الشرق والغرب كذلك، حيث تنتشر الدغمائية بشكل كبير"، مفضلا في سياق آخر أن يسمى إرث أركون "المقاربة"، فهو "ليس فلسفة أو دكتوراه". ولفت المتحدث ذاته إلى أن "أركون كانت له نزعة إنسانية كبيرة، إذ كان يحس بمعاناة الناس وآلامهم"، مشددا على أنه "على عكس كتاباته صعبة الفهم، فالجلوس معه يجعل أفكاره أكثر سلاسة على مستوى الاستيعاب". من جهته قال تيري فابر، مدير برنامج المتوسط بمعهد الدراسات المتقدمة، ومؤسس ملتقيات ابن رشد، إن "كتابات أركون تساهم في تفكيك العلاقة التي تجمع أوروبا بالإسلام، وذلك منذ عصور غابرة"، مشيرا إلى أن "أركون كان دائم الرغبة وكتاباته كلها كانت متجهة صوب بناء عالم واحد، وهذا هو الإشكال الذي سيواجهه العالم أجمع خلال السنوات المقبلة". بدوره سجل نبيل فازيو، أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن "المفكر محمد أركون قدم عديد الإجابات للأسئلة التي تطرحها المنطقة"، مشيرا إلى أن "الرجل قدم حلولا أكثر من أي مفكر آخر خلال المرحلة الراهنة"، وواصفا إرثه ب"الرائع". وأشار الحائز على جائزة محمد أركون التي تمنحها مؤسسة أركون للسلام بين الثقافات إلى أن "فكر أركون لا يحتاج إلى من يعرف به، لكن التفكير في المجال المتوسطي لديه ظل غائبا عن بال الباحثين والمهتمين"، مشددا على أن "المجال يعكس ثقافتين مختلفين، ونصه المنشور الآن يكشف العديد من الأفكار وسيسهم في نقاش المستقبل"، وزاد: "أركون علمنا التعاطي مع الأمور بحس نقدي وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة للمنطقة".