قال جوستين ييفو لين، الاقتصادي الصيني، إن المستقبل للصين في تنافسها مع أمريكا، وعدّد مزايا الصين في التنافسية والابتكار والموارد والثروات البشرية، مشيرا إلى تحقيقها نموا كبيرا على مستوى إنتاج الحواسيب والإنتاج التكنولوجي والعديد من القطاعات الأخرى بشكل تجاوز الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأوضح الاقتصادي الصيني، في محاضرة ألقاها، الجمعة الماضية، بمقر أكاديمية المملكة بالرباط، أن ما حقّقته الصين في العقود الأخيرة تمّ لتوفيقِها بين مسارات متعددة في تحديث الصناعة، والبنى التحتية، والبناء العسكري، وتقوية الدولة لمكافحة الفقر والقضاء على كل الفوارق، بعدما استطاعت تأطير عملها وبنائها الداخلي ليتحول اقتصادها إلى اقتصاد ذي تنافسية عالية. وفي سياق تفاعل جوستين لين مع أسئلة الحاضرين، التي كانت كُلُّها باللغة الإنجليزية باستثناء واحدة، أكد أنه رغم ما تعرفه العلاقات الصينيةالأمريكية في الآونة الأخيرة من توتر، فإن "فرض حرب على الصين سيعاني منه العالم"؛ لأنه "رغم قوة اقتصاد أمريكا، فإن الصين ستسعى إلى حماية اقتصادها، والأمر في تحول مستمر". وأضاف جوستين لين أن هناك محاولة لتجاوز الصعوبات وإقامة علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي محاضرته، التي نظّمت في سياق سلسلة محاضرات أكاديمية المملكة المعنونة ب"آسيا كأفق للتفكير"، استحضر الاقتصادي الصيني استئثار بلده بثمانية وعشرين في المائة من حصة التجارة العالمية، وذكّر بأن نمو الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يتجاوز سبعة في المائة، بينما "المستقبل لصالح الصين مع معدّل نمو بتسعة في المائة"، مشدّدا على أن لا خيار للصين إلا "مواصلة تنمية وتطوير اقتصادنا؛ وهو ما فيه فائدة لكل دول العالم". وربط جوستين لين قوّة الصين بقوة ساكنتها بفعل توفّرها على أكبر نسبة سكّان في العالم، مشيرا إلى أن "المسألة الاقتصادية ليست هي الأساس؛ فقد سبق للصين أن كانت الأفقر في العالم، وكان دخلها يشكّل ثلث دخل دول أخرى". وأكد أن "كل اقتصاد يقابله حجم سكاني معين يمكن أن يسهم في نمو ذلك البلد، وهو ما يجب معه أن يتساءل كل بلد عن عدد سكانه لأن هذا حاسم في نموه الاقتصادي". وأضاف الباحث الصيني أن البنى التحتية الصينية كانت ضعيفة جدا في بدايات الصين، وهو ما كان من بين أسباب فقرها، فعمل هذا البلد بمنهجية عملية، وفتح أبواب الاستثمار في مجالات البنية التحتية باعتماد الموارد الداخلية بدرجة أولى، ثم قلّل من أهمية عدم توفّر بلاده على كل الموارد الطبيعية، لأن "كل بلد بحاجة إلى موارد دول أخرى". وبعد تذكيره بأوراق بنما وما تُبديهِ من أوجه الفساد الدولي، وانتعاش الاقتصاد الرأسمالي من بعض أوجه الفساد، ذكر الاقتصادي الصيني أن الصين حاولت تقوية اقتصادها وحمايته من هذه الآفات، وأنها استطاعت التركيز على بعض القطاعات التكنولوجية الحديثة، والاعتماد على الطلب المحلي، وتحقيق قطاعات منتجة ومنافسة قوية بمنهجية مكّنتها من المنافسة على مستوى السوق العالمي بتوافق وبنية متوازنة بين ما يمكن تحقيقه في الداخل وعلى مستوى العلاقة مع الخارج. وتحدّث الاقتصادي الصيني عن تحول اقتصاد بلاده من اقتصاد يستند على التخطيط إلى "اقتصاد يستند على الشفافية ومحاربة الفساد ومقاومة الفوارق المجالية والاجتماعية التي كان سببها الفساد المنتشر"، مؤكدا في هذا السياق أن "كل اقتصاد يعتريه الفساد قد يتعرض للتدمير". وقال جوستين لين إن هذا التراكم تلاه توجّه الصين نحو الدول الأخرى، والتعاون معها على نحو منفتح وثنائي، قائم على تبادل المصالح والإقناع والاقتناع، مشيرا في هذا السياق إلى أهمية "عدم اتباع سياسات حمائية دائما، لأنها قد تكون مضرّة لنا"، وهو ما رافقه أيضا دفعٌ بالسوق الصينية إلى الانفتاح أكثر وأكثر، بمؤسسات محمية وشفافة، ومنظومة قوية، واستمرار في الدينامية، إضافة إلى وعي السكان ب"ضرورة تحقيق التراكم والحفاظ على المكتسبات التي تحققت في مراحل بناء الاقتصاد الصيني الأولى". وتحدّث جوستين لين عن تخطيط الحزب الشيوعي الصيني في السبعينيات لانتقال الصين، ودور توصيات المؤسسات الاقتصادية والمالية بدعم من الدولة، في معرض حديثه عن دور القيادة السياسية في تقوية المخطّطات؛ وهو ما جعل الصين تنطلق انطلاقة قوية في تسعينيات القرن الماضي، وتنفتح على روسيا، حيث لم يكن النمو ممكنا دون تخفيض التوترات معها، وهو ما رافقه أيضا تطوير الصين لذاتها وصناعتها، وانفتاحها على الكثير من الأسواق والدول، وإزالة كلِّ رسوم الامتياز، وإرساء إصلاح توافقي داخلي لضمان الاستقرار لمدة طويلة من الزمن والإعلاء من الفرد. ويذكر الاقتصادي الصيني أن الصين لا تزال تشتغل على تطوير تكنولوجياتها، والاستفادة من كل الفرص، وتطوير صناعاتها، وهو ما سبقه ابتعاث الطلبة الصينيين إلى الدول المتقدّمة للاستفادة من خبراتها، فعادوا بخبرات أفادت بلدهم، وأَجملَ هذه الفكرة بالقول: "بهذه الكيفية نقوم بتطوير اقتصادنا". وأكّد لين أن الحديث عن توفير الموارد كان أمرا أساسيا في ستينيات القرن الماضي؛ لأنه كان شرطا أساسيا للنمو، ف"كل الموارد كيفما كانت طبيعتها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار"، وهو ما كان لزاما معه ربط علاقات مع اليابان وأوروبا لتبادل الموارد. كما شدّد المتحدّث على أهمية اعتماد العلوم الاجتماعية من أجل تنمية المجتمع، واستحضر في هذا السياق مدى أهمية أخذ عادات المجتمع الصيني بعين الاعتبار، وتقدير كل العوامل المرتبطة بتراكم الرأسمال الصيني، من أجل إيجاد المنتوج الصالح والمفيد للمجتمع، سواء فيما يصدّر أو ما يستورَد.