من المرتقب أن يعتمد المغرب في غضون الأشهر المقبلة إطاراً قانوناً جديداً حول حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، للتوافق مع المتطلبات الدولية في هذا الصدد، خصوصاً المقتضيات المطبقة في الاتحاد الأوروبي. وكشف عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أن مشروع قانون يجري إعداده حالياً سيُنظم نشاط المكاتب التي تُعد التقارير الائتمانية للمقترضين المغاربة لضمان احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية. ويقصد بهذا النشاط تلك التقارير الشاملة التي تُعد من طرف مكاتب خاصة وتضم كافة تفاصيل التعاملات الائتمانية للزبون، من قبيل المنتجات المالية التي حصلت عليها من القروض والبطاقات الائتمانية، بالإضافة إلى المعلومات الخاصة بها كتاريخ الاستحقاق ومبلغ القسط وحالة السداد. وجاء إعلان الجواهري عن هذا المستجد في ندوة نظمها بنك المغرب، اليوم الخميس في الرباط، حول "النظام الأوروبي الجديد لحماية المعطيات (RGPD) وعلاقاتها مع الأنظمة المغربية"، بشراكة مع المؤسسة المالية الدولية التابعة للبنك الدولي، واللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وبدعم من الحكومة اليابانية. وقال الجواهري إن "العقد الأخير عرف تغيرات عميقة في ما يرتبط بتطور التكنولوجيات والمعلومات والإنترنت، أدت إلى ظهور خدمات جديدة على الإنترنيت، تمس مختلف تجليات النشاط الاقتصادي والمالية الحالي من خلال ظهور ما يسمى البيانات الضخمة". وأشار المسؤول إلى أن "تطور هذه الوسائل ينتج عنه ظهور عدد من المخاطر، وذلك جلي في عدد من الأمثلة، مثل فضيحة فيسبوك، كامبريدج أنتليتيك أو شركة ''إكيفاكس'' الائتمانية الأميركية"، وقال إن هذا يجعل تكييف الإطار القانوني الذي يُنظم هذه الصناعة الجديدة "أمراً ضرورياً وحاسماً". وناقش الوالي رفقة مسؤولين عن البنك الدولي واللجنة الوطنية للمعطيات الشخصية تفاصيل النظام الأوروبي لحماية المعطيات الشخصية، الذي دخل حيز التنفيذ في ماي 2018، ويسعى إلى تحقيق التوازن بين التطور الرقمي وحماية الحقوق الأساسية للأفراد، ويطبق على كل مؤسسة تقوم بمعالجة البيانات الشخصية على التراب الأوروبي أو إذا كان نشاطها يستهدف المقيمين الأوروبيين. وأكد الوالي عبد اللطيف الجواهري أن "بنك المغرب باعتباره مشرفاً على القطاع البنكي عمل على اتخاذ عدد من التدابير الضرورية من أجل تفعيل هذا النظام الذي يعتبر معياراً دولياً في هذا المجال". ومن ضمن المجالات التي يطبق عليها النظام يوجد نشاط التقرير الائتماني Credit report، وهو نشاط مُفوض في المغرب إلى مكتبين خاصين يعملان طبقاً للمقتضيات القانونية الخاصة بالقانون رقم 09.18 الخاصة بحماية المعطيات الشخصية. وأورد الجواهري أن البنك المركزي يعمل، بدعم من المؤسسة الدولية المالية، وبتعاون مع وزارة الاقتصاد والمالية، على إعداد مشروع قانون ينظم نشاط مكاتب المعلومات حول القروض من أجل ملاءمة هذا النشاط في المغرب مع المعايير الدولية. ويولي مشروع القانون المرتقب، حسب الجواهري، أهمية خاصة لحماية حقوق المستهلكين بتضمنه مبادئ النظام الأوروبي سالف الذكر، سواءً تعلق الأمر بالموافقة الإلزامية أو الحق في قابلية نقل المعطيات والحق في النسيان والحق في التصحيح. كما أشار الجواهري إلى أن هذا القانون سيُمكن من "تحسين الوصول إلى التمويل، سواء للأشخاص أو المقاولات الصغرى والمتوسطة، إذ سيتضمن نظامُ مشاركة المعلومات حول القروض مصادرَ جديدة للمعطيات حول المؤسسات التي لا تخضع أنشطتها لمراقبة بنك المغرب، مثل الفاعلين الاتصالاتيين ووكالات تدبير الماء والكهرباء". كما سيمكن هذا الإطار القانوني الجديد من "ضمان توازن مناسب بين استغلال المعطيات وتقييم المخاطر من قبل الدائنين والحق في حماية البيانات الشخصية للمقترضين"، وفق المصدر ذاته. وأكد والي بنك المغرب أن البنك المركزي عمل منذ سنوات على تطبيق المقتضيات القانونية لحماية المعطيات الشخصية في مختلف المؤسسات التي تخضع لإشرافه؛ وذلك بتنسيق وتشاور مع اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي منذ سنة 2011. كما تم خلال السنة نفسها إحداث لجنة مشتركة بين بنك المغرب واللجنة وتجمع الأبناك وشركات التمويل، عُهدت إليها دراسة مختلف أوجه تطبيق القانون رقم 09.08 في القطاع البنكي. وقال الجواهري إن هذا الأخير نجح في تحقيق الامتثال لمقتضيات القانون. من جهته قال عمر السغروشني، رئيس اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، إن الإطار القانوني المتعلق بالمعطيات الشخصيات سيخضع لتحيين مرتقب من أجل الاستجابة للمتطلبات والمبادئ التي يستوجبها النظام الأوروبي والاتفاقية الأوربية رقم 108 التي صادق عليها المغرب. وأضاف السغروشني، في اللقاء ذاته، أن مقتضيات حماية المعطيات الشخصية "تتجاوز مستوى التشريع إلى التحول نحو ثقافة حماية المعطيات الشخصية"، وأكد أن نشر هذه الثقافة وتقويتها من صميم مسؤوليات جميع الفاعلين. وأشار المسؤول ذاته إلى أن اللجنة ستعقد مشاورات مع مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والاقتصاديين والهيئات المنظمة من أجل تحيين الإطار التشريعي لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، ثم استقاء آراء الخبراء الوطنيين والدوليين حول هذا الموضوع للوصول إلى نص تشريعي يعرض في الدخول البرلماني المقبل. وسيضمن الإطار التشريعي المرتقب، حسب رئيس اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، عددا من المبادئ الدولية والتراكم المحقق في هذا الصدد لتعزيز حقوق الأشخاص المعنيين، وتوضيح المساطر التي يتوجب سلكها من قبل كل من جهة معالجة للبيانات.