جولة قصيرة بساحة الغديرة الحمراء أو ساحة الحرية أو شارع الحنصالي أو زنقة الهرية ببني ملال، تجعل الزائر يتحسس حركة تجارية غير معهودة بمناسبة عيد الفطر؛ إذ في الوقت الذي سارعت فيه بعض المحلات التجارية إلى تزيين واجهتها بسلع منتقاة بدقة لإثارة انتباه الزبناء إلى نوعيتها وجودتها ووفرتها، فضل البعض الآخر الإكتفاء بوضع أشكال مثيرة من الألوان والأضواء ليس فقط بغرض تسويق معروضاته، وإنما أيضا من أجل الإعلان عن حلول هذه المناسبة الدينية. وكما بالمحلات التجارية التي تسابق أصحابها إلى استغلال المساحات الأمامية، تسارع الباعة الجائلون إلى ضمان أمكنة بالأرصفة والشوارع، مستغلين تساهل السلطات المحلية خلال هذه المناسبة، لعرض بضائعهم التي غالبا ما تعرف ركوضا خلال النصف الأول من شهر رمضان. يقول أبو الوفاء، بائع جائل ينحدر من أولاد عياد وينشط بعدة مناطق خلال الأعياد الدينية، لهسبريس، "ليس لدينا حل سوى أن نستغل هذه المناسبة، التي ننتظرها طيلة هذا الشهر الكريم من أجل تحسين مدخولنا، فبعد حوالي 26 يوما من البيع المترهّل، تأتي هذه الفترة الزمنية التي تضطر فيها العائلات رغم مصاريفها الزائدة خلال رمضان إلى اقتناء بعض المتطلبات الضرورية، حيث يكثر الإقبال مثلا على شراء الملابس ومواد التجميل للأطفال الذين يحرصون على استقبال العيد بحلة جديدة". من جانبها، أعربت نعيمة، المنحدرة من ضواحي إقليم الفقيه بن صالح، عن فرحتها بالعيد، مشيرة في تصريح لهسبريس إلى أن تجارتها تراجعت كثيرا طيلة أيام الشهر، لكنها تأمل في أن تعرف انتعاشا خلال هذه المناسبة، بفضل علاقتها بالعشرات من الأسر التي تقصدها خلال كل المناسبات لإقتناء ملابس النساء والأطفال الصغار. وعلى الرغم من الاستعداد "البيّن" لنعيمة التي تخوض غمار المنافسة مع زميلاتها، إلا أنها لم تقدر على كبح توجّسها من حملات السلطات المحلية التي، بحسبها، غالبا ما تستجيب لضغوطات أرباب المحلات التجارية المجاورة الذين يشتكون من إغلاق أبواب الرزق عنهم من طرف "الفرّاشة". ويقول محمد، بائع جائل للمعدات الإلكترونية معطل ومتزوج: "إننا فعلا نحتل الشارع العام ونعرض سلعنا بالقرب من المحلات التجارية، وربما تسهم تجارتنا في خنق أنفاس زملائنا بالمحلات التجارية، لكن هذا ليس من أجل بوار تجارتهم أو تحطيم عزيمتهم، إنما من أجل ضمان حياة مستقرة، والحصول على لقمة عيش كريمة لأطفالنا، حيث من حقنا نحن أيضا أن نشتغل لتوفير ملابس جديدة لأسرنا ولعب لفلذات أكبادنا بهذه المناسبة". وفي رد غير مباشر على ما يُروّج له تجار المحلات، عاد أبو الوفاء ليؤكد من خلال هسبريس أن "الرزق ضامنو الله"، وأن "المواطنين أصناف وأنواع، منهم من يدأب على إقتناء كسوة أبنائه من المحلات التجارية، ومنهم من يختار الفرّاشة، كل حسب طاقة الشرائية، والأهم من كل هذا هو أن هذه الفترة من كل سنة تعرف فيها شوارع المدينة حركة تجارية استثنائية، نتيجة الإقبال الكبير من طرف المواطنين على شراء مستلزمات العيد، من ملابس وأحذية ومواد غذائية، ما ينعش التجارة في كل فضاءات المدينة بعد الركود التي تعرفه في الأيام الأولى من شهر رمضان". وانتقد الشرقي القادري، فاعل حقوقي بالمنطقة، الإجراءات الهشة التي تعالج بها السلطات هذا الوضع، قائلا إنها "تفتقر إلى رؤية موضوعاتية"، مشددا على أن "كل الأطراف الممارسة لهذا النوع من التجارة متضررة، بما أن زاوية المعالجة تخضع لمقياس الأمن والاستقرار وليس لدراسات ميدانية مبنية على أرقام ومعطيات كفيلة بمقاربة الظاهرة في شموليتها". ويرى القادري أنه "لا يجب على التاجر المنظم أن يتحمل فشل الدولة في استيعاب جحافل العطالة، كما لا يمكنه القبول باستمرار الوضع على ما هو عليه بعدما استنفد كل السبل القانونية، من مراسلات واحتجاجات سلمية وأحيانا لقاءات مع ممثليه بالغرف والنقابات ومع الجهات المسؤولة التي يكشف الواقع، يوما بعد يوم، أنها تسعى فقط إلى تهدئة الأوضاع في غياب بدائل حقيقية لمعضلة الباعة الجائلين الذين أصبح جلهم للأسف من المجازين أو العائدين من ديار المهجر".