تواجه البنوك التشاركية المغربية، منذ انطلاقها سنة 2017، عدداً من التحديات، أبرزها ثقة الزبناء، وتحقيق انطلاقة كاملة للمنظومة المالية الإسلامية. وما يزيد من مستوى هذه التحديات هو كونها مرتبطة فيما بينها، فثقة الزبناء الصعبة يمكن أن يزلزلها غياب تمويلات تشاركية متكاملة وغير معرضة للخطر، وهو ما تواجهه البنوك الإسلامية اليوم في المغرب. فبعدما سجلت المملكة تأخراً كبيراً في اعتماد الأبناك الإسلامية تواجه اليوم تأخراً في انطلاق كامل للمنظومة، فالتأمين التكافلي الذي يُعتَبر أساس التمويل التشاركي لم يجر اعتماده إلى حد الساعة. هذا الوضع يجعل مُجمل القروض التي منحتها الأبناك الإسلامية منذ سنة 2017 في إطار المرابحة، والتي تقدر بأكثر من 5 ملايير درهم، في وضع غير جيد، فهي غير مُؤمنة كما يجب. وغياب التأمين يجعل الأبناك التشاركية والزبناء على حد سواء مُعرضين للخطر، فحتماً إذا توفي زبون حصل على تمويل للعقار بدون تأمين سيكون ذووه مهددين بخسارة العقار رغم أداء بعض الأقساط، أما إذا أراد البنك تجاوز الأمر فسيكون عليه منح العقار رغم عدم تسديد كامل الأقساط. هذا الوضع استقبته الأبناك التشاركية منذ انطلاقها وفرضت على كل زبون حصل على تمويل ضرورة توقيع وثيقة التأمين حين اعتماده، لكن ذلك لا يجدي نفعاً، ومع التأخر الحاصل في اعتماد التأمين التكافلي توجد الأبناك أمام أخطار حقيقية. ولهذا التأخر نتيجة أخرى تكمن في عدم الإقبال الكبير على التمويلات التشاركية، فنسبة لا بأس بها من الزبناء تعي أمر غياب التأمين التكافلي، وبالتالي تفضل التريث إلى حين اعتماده لكي لا تعترضها أخطار بعد الحصول على القروض الإسلامية. وسيتم اعتماد التأمين التكافلي بموجب القانون رقم 87.18 بتغيير وتتميم القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، هذا القانون أقره مجلس النواب في فبراير الماضي ويوجد منذ ذلك الحين لدى مجلس المستشارين دون أن يتم اعتماده. وبعد أن يمر بالمسطرة التشريعية في البرلمان، يتوجب أن ينشر القانون في الجريدة الرسمية، ويلي ذلك إعداد نموذج عقد التأمين التكافلي والمصادقة عليه من قبل المجلس العلمي الأعلى، ثم حصول شركات التأمين على تراخيص خاصة بذلك. وفي رأي عمر الكتاني، أستاذ جامعي خبير في المالية الإسلامية بالمغرب، فإن هذا الوضع "يعبر عن عدم وجود روح مهنية من طرف الحكومة"، معتبرا أن تأخر التأمين التكافلي بشكل كبير يُهدد نجاح البنوك التشاركية. وقال الكتاني، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الأبناك التشاركية "يجب أن تنطلق بمنظومة متكاملة، وفي ظل غياب ذلك، فإن صورة سلبية ستترسخ لدى المواطنين عنها، وبالتالي العدول على الإقبال عليها". وأضاف الخبير ذاته أن الدول الأخرى التي اعتمدت الأبناك التشاركية لم تتأخر في استكمال المنظومة بكاملها بفضل وجود ردود فعل إيجابية، وأعطى المثال بماليزيا التي قال إن "مواطنيها كانوا متعطشين للمعاملات المالية الإسلامية ونجحت في تسريع تطويرها، وباتت الأبناك التشاركية اليوم تخدم أهدافا اقتصادية واجتماعية". ويربط الكتاني تطور المالية الإسلامية في الدول الغربية مقابل تعثرها في المغرب، ب"غياب العقلية العلمية والمصلحية لدى المسؤولين"، مؤكداً أن "التجربة المتأخرة في هذا الصدد ثمنها باهظ جداً على البلاد". وختم الكتاني قائلاً: "لو انطلقت البنوك التشاركية في المغرب منذ عشر سنوات أو 15 سنة لكنا وصلنا إلى المرحلة التي وصلت إليها ماليزيا، بحيث تكتلت خمسة أبناك إسلامية وأسست صندوقاً للأوقاف، وباتت تنشر صكوكاً في السوق لجمع الأموال لمشاريع اجتماعية، وأصبحت بنوكا إسلامية تقوم بخدمات اجتماعية".