مع اقتراب الأعياد الدينية في العالم الإسلامي وشهر رمضان، تطرح أسئلة حارقة من قبيل: لماذا يواجه المسلمون صعوبة في تحديد بداية هذه المناسبات الهامة؟ وما سبب بداية الشهر القمري في تواريخ مختلفة رغم أن الدول الإسلامية تدعي أنها تعتمد على الحساب الفلكي؟ وكيف قدم علم الفلك حلا لهذه المعضلة منذ قرون؟ يبدأ الشهر القمري على المستوى الفلكي في اللحظة التي تكون فيها الشمس والقمر والأرض في خط مستقيم، مع وجود الشمس والأرض على الجانب الآخر من القمر، وهو ما يطلق عليه اسم "الاقتران"، وهذا يحدث كل شهر في لحظة واحدة في جميع أنحاء الأرض، مع الأخذ بعين الاعتبار فارق التوقيت من منطقة إلى أخرى. ولا يمكن مسبقا أن نعرف بدقة متى يمكن رؤية الهلال بعد بداية الشهر القمري، نظرا لعدة عوامل فيزيائية وجغرافية، وكذا ظروف المراقبة المحلية، خاصة الطقس، التي تؤثر على الرؤية الواضحة، ولحظة الاقتران هي التي يمكن تحديدها بالحساب الفلكي قبل عدة سنين وبدقة عالية بخطأ أقل من الثانية المائوية. اعتمدت كل الحضارات عبر التاريخ على الرؤية البصرية لتحديد الشهور القمرية لأنها كانت الوسيلة الوحيدة آنذاك، لكن مع تطور علم الفلك تم الحسم في هذا المجال باستثناء العالم الإسلامي، الذي ما يزال يعيش على إيقاع الخلافات الفقهية المتمحورة حول الاختيار بين الحساب الفلكي أو الرؤية. وما يزال هذا العالم لم يحسم أمره بالاعتماد على الرؤية، ويطرح تساؤلات حول "هل الرؤية ينبغي أن تكون محلية أو جهوية أو بين الدول القريبة أو عالمية، او بالعين المجردة، أو عبر التلسكوب؟"، ومما يزيد الطين بلة ارتفاع منسوب الرؤية السياسية للأمر والشك في النتائج العلمية للتخصصات المهتمة بهذا المجال، خاصة علم الفلك. هناك مؤسسات وجمعيات ومراكز "فلكية" تنشر بيانات تحت عناوين علمية، يوقع عليها بعض الفلكيين حول بداية أو نهاية رمضان والأعياد الدينية بناء على "الحساب الفلكي". ويطرح السؤال حول سبب وجود اختلاف في تحديد هذا الشهر علما أن علم الفلك يشكل منطلقا للإجابة العلمية على السؤال. المشكلة تكمن في أن المقترحات الحالية من التقويم الإسلامي ما تزال تعيش حصارا في كنف معيار الرؤية اللازمة ومعايير هندسية أخرى تعود أصولها إلى البابليين، منها عمر الهلال بعد الاقتران، والزاوية بين الشمس والقمر، والبعد العمودي للقمر عن الأفق، والفترة الزمنية بين غروب الشمس والقمر، وغيرها من الشروط التي وضعت للتنبؤ حول إمكانية أو استحالة رؤية الهلال. إن هذه المعايير لا تتسم بالدقة، وغير متناسقة ومعقدة وليست دائمة، وبالتالي أدى تعددها واختلافها من دولة إلى أخرى إلى حدوث اختلاف كبير في تحديد بداية الشهر. ومن هذا المنطق، فإن الحساب الفلكي لا يعتبر مسؤولا عن هذه النتيجة الخاطئة لأنه لا يخبرنا بدقة وبشكل قطعي برؤية الهلال، بل على بداية الاقتران، أي بداية الشهر القمري، وهو ما يؤكد أن كل محاولة للتوفيق بين رؤية الهلال والحساب الفلكي تؤدي إلى الفشل. هناك فقهاء بارزون عبر التاريخ أصروا على اعتماد الاقتران بداية الشهر القمري، لكن للأسف مازال الذين يتبنون اعتماد الرؤية أو الحساب الفلكي للتنبؤ بها هم المهيمنون على الواقع الحالي لدول العالم الإسلامي، باستثناء ليبيا التي تعد الدولة الوحيدة التي حاولت تطبيق هذا المنهج العلمي الدقيق. ويظهر أن هذا الاستثناء لن يتعمم نظرا لوجود ضغوط قوية تمارسها بعض الدول الغنية والقوية لدفن هذا الحل الدقيق. وبحسب الدراسات العلمية، فإن الاقتران سيحدث يوم الاثنين ثالث يونيو الجاري، وذلك على الساعة العاشرة ودقيقة واحدة صباحا حسب التوقيت العالمي. ولذلك، فإن يوم عيد الفطر على المستوى الفلكي سيكون يوم الثلاثاء الموالي. ويمكن رؤية الهلال في اليوم نفسه في عدة مناطق. لذلك، فإن الدول التي تعتمد على الرؤية العالمية مثل تركيا وألبانيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك، إضافة إلى المجلس الأوروبي للإفتاء والمجلس الإسلامي في فرنسا، قد أعلنت جميعها أن عيد الفطر سيكون يوم الثلاثاء 4 يونيو الجاري، في حين اختلفت الجاليات الإسلامية في مختلف الدول الأوروبية، حيث أعلنت المؤسسات الدينية في السويد مثلا أن عيد الفطر سيحل يوم الثلاثاء المقبل، ويوم الأربعاء في النرويج، مما أدى إلى الشعور بالإحباط والقلق في أوساط الجاليات المسلمة. وكخلاصة، يمكن القول إن الحل الطبيعي والعلمي لهذه المشكلة المتكررة سنويا يكمن في تبني الاقتران كبداية للشهور القمرية كما هو معروف في الفلك، وإسقاط الرؤية البصرية، سواء بالعين المجردة أو عبر الأجهزة الحديثة، مما سيمكن كل مسلم من برمجة حياته وعبادته من خلال توقيت دقيق ومسبق دون تدخل من قبل المؤسسات الدينية، مثلما هو الشأن في تحديد أوقات الصلاة التي تتبنى التقويم الشمسي. *باحث في علم الفلك-جامعة أوسلو "النرويج"