يعيش المسلمون، في جميع أنحاء العالم، « إشكالية ضبط الشهور القمرية «. ويظهر تأثيرها خاصة مع الشهور التي لها ارتباط مباشر بالعبادات، شهر رمضان، وشهر شوال، وشهر ذو الحجة. وتتكون هذه الإشكالية من ثلاثة عناصر هي : عدم العلم المسبق بتاريخ بداية الشهور ؛ اختلافات المسلمين في تحديد بداية الشهور، وخاصة مع إثبات رؤية الهلال ؛ ازدواجية التاريخ القمري، تاريخ للشؤون الدينية ناتج عن رؤية الهلال، وتاريخ للشؤون المدنية. لقد كان الشغل الشاغل للجمعية المغربية لعلم الفلك، منذ تشأتها، سنة 1984، هو المساهمة في إيجاد حل لهذه الإشكالية، وذلك عبر أنشطة داخلية وخارجية. واتضح لها من خلال هذه المساهمات، أو من خلال الدراسات التي قامت بها، أن السبيل الوحيد لحل هذه الإشكالية هو في أن يكون للمسلمين « تقويم إسلامي موحد «. وتكرست الجهود في إيجاد الصيغة المثلى لهذا التقويم. نورد في ما يلي نبذة تاريخية لنوضح ما طرأ على موضوع ضبط الشهور القمرية عند المسلمين، في العقود الأخيرة، من تطورات هامة. ولتصنيف الاتجاه المرافق لكل حدث، سنقول : توحيد : إذا كان الاتجاه نحو توحيد بداية الشهور عند المسلمين في جميع أنحاء العالم ؛ تعدد : عكس التوحيد أي تقسيم العالم إلى جزأين أو أكثر ؛ رؤية : اعتماد رؤية الهلال في تحديد بداية الشهور ؛ حساب : اعتماد الحساب عوض رؤية الهلال في تحديد بداية الشهور. نبذة تاريخية 1939 _ إصدار رسالة « أوائل الشهور العربية « للشيخ أحمد محمد شاكر. فضلا عن مناداة الشيخ باعتماد الحساب، وعدم اعتبار اختلاف المطالع، في تحديد بداية الشهور القمرية، فإنه، حسب علمنا، أول من تقدم بمشروع تقويم إسلامي موحد مبني على أسس علمية ثابتة. وتكون قاعدة هذا التقويم، بتعبير حالي، كالتالي : يتحدد فاتح الشهر في اليوم الموالي لأول يوم، بعد اختفاء القمر، يتم فيه غروب القمر بعد غروب الشمس، في مكةالمكرمة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القاعدة تلتقي مع القاعدة الحالية لتقويم أم القرى، في جزء كبير من عناصرها. تصنيف : توحيد، حساب. دجنبر 1947 - تأليف كتاب « العذب الزلال في مباحث رؤية الهلال « للأستاذ محمد بن عبد الرازق. صدرت طبعة أولى، في جزء واحد، بدولة قطر سنة 1977. وأعيد طبعه بالمغرب، في جزأين، سنة 2002. يتضمن الكتاب دراسة شاملة لشؤون رؤية الهلال، فقهيا وفلكيا. والمؤلف يتناول بالشرح والمناقشة مواقف فقهاء وعلماء المسلمين السابقين، بمن فيهم شيخه سيدي مَحمد بن محمد بن إبراهيم العلمي. ويخلص إلى القول بوجوب رؤية الهلال لتحديد بداية الشهور القمرية، ولا يُسمح بنقل الرؤية إلا في حدود دائرة شعاعها لا يزيد عن قيمة معينة. تصنيف : تعدد، رؤية. يناير 1966 _ إصدار « الجواب الصحيح « للأستاذ علال الفاسي، وهو جواب على سؤال وُجه إليه، بصفته وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية، بالمغرب. يتضمن هذا الجواب موقفين صريحين من مسألتين فقهيتين هما : اعتماد الحساب في تحديد بداية الشهور القمرية، عوض رؤية الهلال (ص 31)، واعتماد مبدأ « عدم اعتبار المطالع «. ويفهم من قول المؤلف « فالشهر واحد والهلال واحد ويومه الأول واحد لا شك في ذلك « أن هذا المبدأ يؤدي إلى التوحيد (ص 21). فهذان الموقفان يتعارضان مع الآراء السائدة، آنذاك، والمطابقة، على وجه الخصوص، لمواقف الأستاذ محمد بن عبد الرازق، السالفة الذكر. تصنيف : توحيد، حساب. 1979 _ ظهور النتائج الأولى للدراسات التي تمت تحت إمرة د. محمد إلياس بجامعة العلوم بماليزيا (بينانك) حول رؤية الهلال، وما ترتب عنها من انطلاق البرنامج الدولي للتقويم الإسلامي، وتكوين لجان دولية من علماء وفقهاء أجلاء، وإصدار ما يربو عن 20 كتاب. ونشير إلى إنجاز، من الأهمية بمكان، تم في هذا الصدد، هو توصل د. أحمد منظور إلى وضع برنامج (Moon C60)، اعتبارا للمقاييس التي توصل إليها د. إلياس. ونتساءل ماذا بقي من هذا البرنامج الدولي ؟ تصنيف : تعدد، حساب. 1997 _ إصدار كتاب « إثبات الشهور الهلالية ومشكلة التوقيت الإسلامي « للسادة د. نضال قسوم، ومحمد العتبي، ود. كريم مزيان. يتضمن الكتاب دراسة مستفيضة للجوانب الفقهية والفلكية من الموضوع. وينتهي إلى مقترح لإثبات إمكان رؤية الهلال، في أربع مناطق معينة من العالم، مع اعتماد مجموعة من ضوابط رؤية الهلال، ضوابط ترتكز على آخر المعطيات العلمية. تصنيف : تعدد، حساب. 1997 _ ظهور « مقترح بمشروع إطلاق قمر صناعي إسلامي لضبط وتوحيد بدايات الشهور الهجرية «. هكذا جاء عنوان الوثيقة التفصيلية التي وردت علينا من دار الإفتاء المصرية حول المشروع. ويتعلق الأمر برصد ومراقبة الهلال من قمر صناعي (ساتل). تصنيف : توحيد، رؤية. 1998 _ ظهور « المشروع الإسلامي لرصد الأهلة « (ICOPROJECT)، وبداية العمل ببرنامج « المواقيت الدقيقة « (Accurate Times)، لصاحبه م. محمد شوكت عودة. هذا البرنامج لا يقتصر على حساب إمكان الرؤية، فهو يدلي، كذلك، بأوقات الصلاة، واتجاه القبلة، في كل مكان... تصنيف : تعدد، رؤية، حساب. نونبر 2004 _ إصدار كتاب « التقويم القمري الإسلامي الموحد « ل م. جمال الدين عبد الرازق. تصنيف : توحيد، حساب. نونبر 2006 _ انعقاد اجتماع الخبراء الأول (الرباط، 9 _ 10/11/2006) لدراسة موضوع « ضبط مطالع الشهور القمرية عند المسلمين «. تم هذا الاجتماع تحت مظلة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وبتعاون مع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، والجمعية المغربية لعلم الفلك. ونشير إلى أن هذا المؤتمر شهد تقديم مشروع لنظام موحد للتقويم الإسلامي (تقويم عبد الرازق وشوكت). تصنيف : توحيد، حساب. دجنبر 2006 _ انعقاد مؤتمر الإمارات الفلكي الأول (أبو ظبي، 13 _ 14/12/2006). ونشير إلى أن هذا المؤتمر شهد تقديم مشروعين لنظام ثنائي للتقويم الإسلامي (تقويم قسوم، وتقويم القضاة)، علما بأن النظام الثنائي يقسم العالم إلى جزأين، جزء غربي وجزء شرقي. تصنيف : توحيد، تعدد، حساب. 2007 - ظهور مشروع « منظومة الشاهد « (al chaahad) واختراع الباحث التونسي د. محمد الاوسط العياري للتليسكوب الإلكتروني الذي يمكن به رؤية الهلال في واضحة النهار. تصنيف : توحيد، رؤية. شتنبر 2007 _ انعقاد « الندوة الدولية لتوحيد التقويم الإسلامي العالمي « (جاكارتا، 04 _ 06/09/2007). ونشير إلى أن هذا المؤتمر شهد تقديم مشروع ثالث لنظام ثنائي للتقويم الإسلامي (تقويم عودة). تصنيف : توحيد، تعدد، حساب. مارس 2008 _ انعقاد القمة الإسلامية الحادية عشرة (داكار، 13 _ 14/03/2008). وورد في إعلان داكار نداء موجه إلى الدول الإسلامية وعلمائها « كي تتعبأ ويتعبأوا في سبيل التوصل إلى توحيد التقويم الإسلامي «. تصنيف : توحيد، حساب. أكتوبر 2008 _ انعقاد اجتماع الخبراء الثاني (الرباط، 15 _ 16/10/2008) لدراسة « وضع التقويم الإسلامي «. تم هذا الاجتماع، كالاجتماع الأول، تحت مظلة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وبتعاون مع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، والجمعية المغربية لعلم الفلك. وتكمن أهمية هذا الاجتماع في توصله إلى تحديد الأسس لبناء التقويم الإسلامي، ووضع الآلية لاختيار الصورة المثلى لهذا التقويم، من بين المشاريع الأربعة المقدمة (تقويم أم القرى، تقويم عبد الرازق وشوكت، تقويم جالو، تقويم منبثق عن الطريقة الليبية). تصنيف : توحيد، حساب. يونيو 2009 _ انعقاد ندوة حول « توحيد التقويم الهجري « (تونس، 11 _ 12/06/2009)، تعاون على تنظيمها كل من الأمانة العامة للمجمع الفقهي الإسلامي الدولي، والأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ووزارة الشؤون الدينية بتونس. وانتهت هذه الندوة باتخاذ « القرارين « التاليين : 1) إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة لاختلاف المطالع، لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار. 2) يجب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد، مراعاة للأحاديث النبوية، والحقائق العلمية. تصنيف : توحيد، رؤية. فبراير 2010 _ انعقاد مؤتمر فلكي حول « جدلية العلاقة بين الفقه والفلك « (لبنان، 25 _ 26/02/2010). علمنا أن م. محمد عودة ساهم بورقة حول « الهلال بين الرؤية والحسابات الفلكية «، وقدمت ست أوراق حول « مشكلة الأهلة في العالم الإسلامي «، وست أوراق حول « مقاربات فقهية في مسألة الهلال «. تصنيف : (؟) مايو _ يونيو 2010 - انعقد في أبو ظبي مؤتمر الإمارات الفلكي الثاني. حضر هذا المؤتمر ما يزيد عن 160 مشارك من فقهاء وفلكيين، من مختلف البلاد الإسلامية، وممثلون عن الجاليات المسلمة من أوروبا وأمريكا. ومن المغرب، حضر الدكتور ادريس بن صاري، رئيس الجمعية المغربية لعلم الفلك، وعبد ربه، نائب رئيس الجمعية، حيث قدمت عرضا تحت عنوان « هل من مستقبل للتقويم الإسلامي ؟ وفيما يخص هذا الموضوع، خلص المؤتمر إلى ضرورة اعتماد الحساب في تحديد بداية الشهور القمرية، على أن يكون التقويم الإسلامي إما أحاديا (موحدا) أو ثنائيا. تصنيف : توحيد، تعدد، حساب. الخلاصة ونتيجة التصنيف من أصل 20 حدث : ورد الاتجاه نحو التوحيد 15 مرة، ونحو التعدد 7 مرات، ونحو الرؤية 5 مرات، ونحو الحساب 15 مرة. وهكذا يتضح أن الاتجاه السائد هو وضع نظام موحد لحساب الشهور والسنين، نظام مبني على الحساب الفلكي. وتجدر الإشارة إلى أن من بين المشاريع المقدمة لوضع التقويم الإسلامي، حظي مشروع « تقويم عبد الرازق وشوكت « بمكانة خاصة في مؤتمر أبو ظبي الأخير. ويعتمد هذا المشروع قاعدة حسابية بسيطة جدا. وهي : يكون فاتح الشهر في اليوم الموالي ليوم الاقتران، إذا وقع الاقتران قبل الساعة 12:00 بالتوقيت العالمي، وإلا، في اليوم الذي بعده. توصل باحث من المغرب وآخر من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى نفس النتيجة، رغم أنهما كانا في معزل أحدهما عن الآخر. وتم تقديم هذا المشروع، من طرف الباحث الأول، إلى الجمعية المغربية لعلم الفلك (فبراير 1994)، ومن طرفهما معا، في اجتماع الخبراء الأول (نونبر 2006). وطبقا لهذه القاعدة وبما أن الاقتران يقع يوم الثلاثاء 10/08/2010 على الساعة 03:08، بالتوقيت العالمي، فإن فاتح رمضان 1431 ه هو يوم الأربعاء 11/08/2010. وليس من سبيل للوصول إلى وضع التقويم الإسلامي، بهذه الصيغة أو بأخرى، ما لم يتم الحسم في مسألتين فقهيتين أساسيتين هما : اعتماد الحساب الفلكي في تحديد بداية الشهور عوض رؤية الهلال، واعتماد مبدأ نقل إمكان الرؤية. وبمقتضى هذا المبدأ، يمكن الدخول في الشهر، في يوم، إذا دل الحساب على إثبات إمكان الرؤية، في مكان ما من العالم، في اليوم الذي قبله. وبالنسبة لهلال رمضان، يدل الحساب على إمكان رؤية واضحة، يوم الثلاثاء، في الجزء الجنوبي من المحيط الهادي، وفي جزء من الشيلي والأرجنتين ؛ وإمكان رؤية عسيرة في باقي أجزاء جنوب أمريكا ؛ وإمكان رؤية بوسائل النظر في الجزء الجنوبي من إفريقيا ؛ ورؤية ممتنعة أو مستحيلة في باقي أنحاء العالم. ونشير إلى أن مسلمي أوروبا حددوا فاتح رمضان في 11 غشت 2010 (جريدة العلم، 20/07/2010). (*) نائب رئيس الجمعية المغربية لعلم الفلك