في كل صيف تضع الأمهات أديهن على قلوبهن بجهة بني ملالخنيفرة كما بباقي عدد من أقاليم المملكة، ليس خوفا من هجرة على قوارب الموت أو من سفر مجهول، وإنما "رُعبا" من غرق فلذات أكبادهن في "قنوات ووديان الموت"، إذ جرت العادة أن تهتز ساكنة المنطقة خلال كل صيف على عشرات حوادث الغرق المؤلمة. هذا العام قامت الدنيا إثر حادث غرق الطفلة رباب ذات السنوات الخمس في قناة للري بأولاد عياد، واكتوت أسرة بسوق السبت بنار الفراق بعد غرق ابنها الوحيد (تلميذ) ذي السنوات الثماني بنهر أم الربيع. وخلال العشرية الأولى من رمضان، وقبلها، اهتزت جماعة سيدي حمادي وبين الويدان وسيدي جابر على أحداث مماثلة. كان الموت يخطف في كل مرة ضحية من ضحايا سياسات "خليه إعوم في القادوس"، إلى درجة أنه مع بداية ارتفاع درجة الحرارة خلال هذا العام فقط تم تسجيل أزيد من 10 غرقى بالمنطقة. حصيلة مفجعة... تكشف معطيات الإدارة الجهوية للوقاية المدنية ببني ملال، التي حصلت عليها هسبريس تزامنا مع احتفاء "مؤسسات الوقاية" بذكرى التأسيس، أن الأنهار والوديان والبحيرات وقنوات الري حصدت خلال ثلاث سنوات بجهة بني ملالخنيفرة أزيد من 100 غريق، يتوزعون ما بين سنة 2017 بما مجموعه 44 حالة، وعام 2018 ب33 حالة؛ فيما تم تسجيل 32 حالة سنة 2016، أي بفارق حالة واحدة. أما هذا العام (2019)، وقبيل رمضان بأيام قليلة، وخلال العشرية الأولى منه تقريبا، فقد بلغ عدد الوفيات ما بين "البحيرات" والوديان وقنوات الري أزيد من 10 حالات، يتصدّرها إقليم الفقيه بن صالح. صدارة الفقيه بن صالح في عدد الغرقى يقول شرف زيدوح، وهو فاعل جمعوي، إن "ما يحدث سنويا بنهر أم الربيع وبقنوات الري بإقليم الفقيه بن صالح يبقى وحده كافيا لتتحرك بجدية الجهات المسؤولة للحد من الأزمات النفسية للأسر المفجوعة في فلذات أكبادها، خاصة ببعض الأماكن من نهر أم الربيع التي أضحت بالوعة لنزع الحياة من عشرات الأطفال، بسبب الاستغلال العشوائي لمقالع الرمال، وتساهل الجهات المختصة مع المخالفين للقانون، خاصة الذين لا يحترمون دفتر التحملات". واعتبر الناشط الجمعوي ذاته "الوضع الاجتماعي المتأزم لأغلب الفئات بهذه الجماعات الترابية، واتساع رقعة الهشاشة، واعتماد المنطقة على الأنشطة الفلاحية وتربية المواشي، مؤشرات قوية لكشف أن العشرات من سكان المنطقة المعوزين، الذين لا يبارحون مكانهم خلال فصل الصيف، أضحوا في أمس الحاجة إلى مرافق ترفيهية، على رأسها المسابح العمومية، باعتبارها من أولى الأولويات، بالنظر إلى الإحصائيات المهولة لعدد الغرقى المنتمين إلى هذه الفئات في غالب الأحيان"، وفق تعبيره . من جانبه، انتقد مروان صمودي، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسوق السبت، سياسة بعض المجالس الجماعية بالإقليم التي "عوض أن تمنح مسابحها الجماعية للمجتمع المدني في إطار شراكات، بغية احتضان أكبر عدد من الشباب المعوزين وأطفال الأحياء الهامشية، سارعت إلى تفويت هذه المرافق إلى القطاع الخاص -بمبررات قانونية- لتُحرم، عن قصد أو عن غير قصد، عشرات الأطفال من حق السباحة". وعزا صمودي هذه الفواجع المؤلمة بجهة بني ملالخنيفرة إلى "السياسات الفاشلة لبعض المجالس الجماعية"، مشيرا إلى أن البعض منها يتحمل جانبا من المسؤولية في استمرار "شبح الموت" بمختلف الأنهار والوديان وقنوات الري، وخاصة بنهر أم الربيع "الذي عوض أن يستغل كفضاء للاستجمام، تحوّل إلى مكان مخيف بتاريخ مشحون بذكريات مؤلمة". مسابح مؤجلة إلى أجل غير مسمى تداركا منه لهذا الوضع المقلق، بادر المجلس الإقليمي للفقيه بن صالح، خلال إحدى دوراته العادية، منذ حوالي سنة ونيف تقريبا، إلى المصادقة على اتفاقيات شراكة تروم إحداث 14 مسبحا بالجماعات القروية للإقليم، وهو مشروع طموح، حسب لغريبي محمد، عضو المجلس عن جماعة سوق السبت، موردا أنه "يستهدف، حسب ما جاء في مضمون الاتفاقية، الفئات الهشة بالعالم القروي، كما يروم بطبيعة الحال الحد من عدد الغرقى بمختلف الأماكن الخطيرة". وفي انتظار أن يتم تنزيل هذا المشروع- الذي تكفل المجلس الإقليمي بتمويله، فيما التزمت الجماعات الترابية بموجب الاتفاقية بتوفير وعائه العقاري- وعلى الرغم مما أقدمت عليه بعض الجماعات الترابية- سوق السبت ودار ولد زيدوح نموذجا- التي بادرت في إطار تفاعلها مع مطالب المجتمع المدني إلى الإسراع بإصلاح مسابحها وفتحها في وجه الناشئة؛ فلا بد من الإشارة، يقول صمودي مروان، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى أن "واقع الحال يكشف أن هناك استهتارا بحياة المواطنين، وخاصة الفئات المعوزة التي لازالت تواجه خطر التلوث والموت في غياب بديل حقيقي على أرض الواقع".