الأزمة التي يعيشها حزب الأصالة والمعاصرة ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها إلى الأشهر الأولى من انتخاب حكيم بنشماش أمينا عاما للحزب خلفا لإلياس العماري، قبل أن يغرق "الجرار" في مشاكل تنظيمية على بُعد أسابيع من انعقاد مؤتمره الوطني يفترض أن يعقد في هذا الصيف. رسالة داخلية سابقة وجّهها عبد اللطيف وهبي، القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، إلى كل من بنشماش وفاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس الوطني، استعرضت الأخطاء التي وقع فيها الأمين العام من خلال سيطرته على التنظيم وتهميش مؤسسات "البام"، كما يقول معارضوه. توقع غرق "الجرار" وعبّر وهبي، في الوثيقة المؤرخة بتاريخ 25 أكتوبر 2018، والتي لم يسبق أن نشرت، تتوفر هسبريس على نسخة منها، عن استعداد عدد من قيادات الحزب العمل مع بنشماش لتقوية مكانة "الجرار"؛ لكنها اصطدمت ب"انحرافات متعددة في الممارسة، جعلتنا نشعر بإهدار الزمن السياسي واستهلاك الزمن الحزبي، بل تولد لدينا شعور بأننا نتواجد نظريا داخل الحزب، وفعليا وتقريريا خارجه". وتوقعت الرسالة أن يدخل "البام" في متاهات الحرب الداخلية بسبب ما اعتبرته تحويل بنمشاش للحزب "لمجرد وسيلة لمقتنيي الفرص والذين سيدمرون العملية الحزبية كلها". وقال القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة في هذا الصدد: "علي أن أكون واضحا معكم السيد الأمين العام، احتراما للمناضلين، وتعبيرا منا على قناعتنا للتعامل بكل وضوح معكم، لأننا إما أن نكون أمام تصور جديد لإصلاح هذا الحزب، أو قد يتعرض لاهتزازات داخلية قد تؤدي إلى فشله في المعارك السياسية المقبلة". ووقف وهبي على سياق انتخاب أعضاء المكتب السياسي، وأوضح أنه بعدما تم التوافق، رفقة رئيسة المجلس الوطني، على منح الفرصة للكفاءات الجهوية وللمؤسسات الشبابية والنسائية وترك الحق لكل جهة في اختيار من يمثلها، "فوجئنا بكواليس تمت خارج الأجهزة الحزبية لطبخ بعض النتائج، إضافة إلى تنازلات من أشخاص لفائدة آخرين تمت بشكل ملغوم، يستهدف حضور أشخاص تضمن ولاءاتهم وليس كفاءاتهم، رغم أنهم تطرح حولهم أسئلة كبرى على مستوى الأخلاقيات والمسلكيات اليومية". كما تحدث المصدر ذاته عن عدم موافقة بنشماش على فتح باب الطعون التي قدمت في بعض أعضاء المكتب السياسي، وقال إن الأمين العام قام ب"تمطيط الموضوع، وهيمنتم عليه ضدا على القانون وعلى المساطر المعمول بها"، في سياق تكرار نفس ممارسات الماضي". "كولسة" المستشارين ولاحظت الرسالة الخروقات التي قام بها بنمشاش خلال محطة انتخابه رئيسا لمجلس المستشارين، وأشار وهبي إلى أن الاتفاق كان هو دعم المكتب السياسي له وتكوين لجنة لتتولى مهمة الاتصال بالأحزاب الصديقة وغير الصديقة والتنسيق مع الفريق بالغرفة الثانية؛ "غير أننا فوجئنا بإلغاء كل هذه الاتفاقات، وقيامكم كشخص بالاتصال بقيادات باقي الأحزاب، وكأنه ترشيح شخصي وليس ترشيح حزب". وهبي كشف أن بنشماش كلف أحد أعضاء المكتب السياسي للاتصال بأعضاء مجلس المستشارين المنتمين إلى باقي الفرق والأحزاب الأخرى، ليتولى مهمة "الكولسة" والحوارات الشخصية الضيقة؛ وهو ما اعتبره المراسلة "عمل لا يليق بأمين عام حزب كبير". وتابع المصدر أن بنشماش استمر في تدبير عملية اختيار المرشحين لمناصب المسؤولية بأجهزة مجلس المستشارين ب"سرية وبطريقة غريبة تثير أكثر من سؤال، "ثم بدأت تخرج إلى العلن أخبار عن مشاكل داخل فريقنا بمجلس المستشارين"، بسبب عدم وفاء الأمين العام بالتزاماته التي قدمها إلى الفرقاء الآخرين. ولفتت الرسالة إلى أن الرجل الذي وجهت إليه تهمة تدبير عملية "الكولسة" هو العربي المحرشي، المقرب من بنشماش. كما أضاف المصدر أن الأمين العام "خرق الدستور والقانون حين تنازل عن موقع الحزب في تمثيلية مكتب مجلس المستشارين، لفائدة نقابة رجال الأعمال، في حين أن هذا المنصب لا تملكون شخصيا ولا صفة لكم كرئيس للمجلس للتنازل عنه، بل كان عليكم إحالة الأمر للتداول بشأنه داخل أجهزة الحزب، لاتخاذ القرار بعد تقييمه دستوريا وقانونيا". ووقفت مراسلة وهبي على اللقاءات الإقليمية التي أطلقها الحزب، موردا أن بنشماش منح أيضا عملية تدبير هذه العملية إلى نفس الشخص (العربي المحرشي) كما كلفه بالهيئة الوطنية للمنتخبين ثم بمالية الحزب، والنتيجة كانت مرور "اللقاءات الأولية تمت بشكل باهت، بدون حضور إعلامي أو سياسي، وبطريقة مسيئة للحزب". المصدر الحزبي اعتبر أن الهدف من وراء هذه اللقاءات كان هو "إعادة تركيب الحزب من الداخل لأهداف سياسية رخيصة، مفادها التحكم في مفاصل المكونات الإقليمية للحزب". وخلص وهبي إلى أن الخطة "كانت تهدف إلى أن تدمر أي أمل في المستقبل، أو ثقة في هذا الحزب، لكون طاقات مناضلينا لا يمكن أن ترسم لها حدود معينة، أو أهداف ذات مردودية في الموضوع وفي الزمن".