تتفنن إدارة ترامب مثلها مثل الإدارات الأمريكية السابقة في طرح مشاريع وتصورات للقضية الفلسطينية وللشرق الأوسط بشكل عام وتحت مسميات مختلفة، وكلها مشاريع غير قابلة للتنفيذ عمليا أو أن ما هو مُعلن عنها رسميا من أهداف غير ما تُضمر الإدارة الأمريكية ومتعارض مع ممارساتها وممارسات إسرائيل على الأرض. وهكذا من مؤتمر مدريد للسلام 1991 إلى أوسلو 1993 وخطة خارطة الطريق 2003 إلى الشرق الأوسط الكبير 2004 وبعده الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة 2006 وأخيرا ما تسمى صفقة القرن التي آلت إلى مشروع السلام الاقتصادي كما سيتم ترويجه في ورشة العمل في المنامة - البحرين في الشهر القادم. طوال عقود من التعامل مع والمراهنة على هذه المشاريع للتوصل إلى حل سياسي أمريكي منصف للفلسطينيين والعرب للصراع في الشرق الاوسط كان مآل المراهنين مثلهم مثل مآل مَن يجري وراء السراب. هذه الصيرورة التي آلت إليها هذه المشاريع ليس سببها أن العرب لا يريدون الاستقرار والديمقراطية أو أن الفلسطينيين لا يريدون الحل السلمي العادل، بل لأن واشنطن وتل أبيب لا تريدان استقرارا ولا سلاما. كثيرون تحدثوا وما زالوا يتحدثون عن فشل السياسة الأمريكية ومشاريعها في الشرق الأوسط، وفي ظني أن واشنطن لم تفشل، بل أنجزت كثيرا من أهدافها في المنطقة، وواقع حال العرب والفلسطينيين اليوم، مقارنة بواقع إسرائيل والمصالح الأمريكية، يؤكد ذلك، فإسرائيل تعيش عصرها الذهبي منذ تأسيسها 1947 حيث لا توجد مصادر تهديد حقيقي لها تأتيها عبر حدودها - ما كانت تسمى دول الطوق - والنظام السياسي الفلسطيني، الآن، في ظل الانقسام ومع نفس النخب السياسية الحاكمة، أبعد ما يكون عن تشكيل تهديد حقيقي لإسرائيل، كما أن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية كما تم تحديدها منذ الحرب الباردة تتحقق اليوم، سواء ما يتعلق بالتحكم الأمريكي بالنفط والغاز، إنتاجا وتسويقا، أو ببلقنة المنطقة وتفتيتها أو بنشر القواعد العسكرية أو ضمان التفوق الإستراتيجي والعسكري لإسرائيل على كل الدول العربية الخ. ما فشل هو المراهنة الفلسطينية والعربية على هذه المشاريع، وفشل المراهنة على حسن النية بالإدارة الأمريكية كوسيط نزيه في التسوية مع إسرائيل أو كحليف مُخلص للدول العربية، وخصوصا الخليجية. إدارة ترامب غير معنية بالسلام في فلسطين ولا في أي منطقة في العالم، بل إن ما ترومه هو إدارة الصراعات لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجية، ما دامت الصراعات والحروب خارج أراضيها، ونفقاتها تأتي من أموال الدول المتصارعة نفسها أو بابتزاز حلفائها المُهدَدين من هذه الصراعات، كما أن هذه الحروب تمنح الجيش الأمريكي فرصة وساحة تدريب حقيقية وباللحم الحي لاختبار أسلحته المتطورة، دون تجاهل صفقات الأسلحة المُقدرة بمئات مليارات الدولارات، هذا بالإضافة إلى تحسين مواقعها الجيوستراتيجية في مواجهة منافسيها وخصومها الكبار كروسيا والصين وأوروبا. مشروع التسوية الجديد والمسمى صفقة القرن لا يخرج عن سابقيه من حيث استراتيجية إدارة الصراع وإعادة الأطراف، وخصوصا الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى طاولة المفاوضات، والمهم هو صمود الفلسطينيين وعدم خضوعهم للابتزاز، فواشنطن ومن جمَّعَتهم في مؤتمر البحرين يملكون ولا شك المال والسلاح، ولكنهم لا يملكون الحق في التصرف بمصير الشعب الفلسطيني، فالقرار عند الفلسطينيين، وخصوصا عند الجهة الممثلة لهم، رسميا ودوليا، منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، فهذا الأخير يقع عليه الرهان والمسؤولية أيضا، بمضامينها السلبية والإيجابية، في هذا الوقت الصعب. [email protected]