أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    الجيش المغربي يشارك في تمرين بحري متعدد الجنسيات بالساحل التونسي        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روح الإسلام.. الأمازيغية والعربية
نشر في هسبريس يوم 22 - 05 - 2019


الأمازيغية ليست عدوا والعربية ليست مقدسة
لقد اختار الله مكّة والمدينة فضاءً ليرسل رسالته للعالمين، حريصاً على أنها رسالةٌ كونية لا تختص بقوم دون آخرين ولا بعرق أو جنس أو فصيل، ثم جاءت السنة النبوية لتؤكد أن لا فرق بين العرب والعجم والروم والأصفر والأبيض إلا بالتقوى، والتقوى معيار تقاس به القلوب والأفئدة. فكيف صارت الأمازيغية عدواً للعربية؟ ولم يراها المشايخ المتأسلمون تشكل خطرا على مشروعهم الديني؟ وهل فعلا الأمازيغية لغة قاتلة مستبدة تسعى للهيمنة ومحو العربية؟ ثم ما مدى قدسية اللغة العربية؟
إن الدّين-مهما كان-وحده ما يمنح القدسية وقوة الوجود إذا تم أخذه بمنطق قوة إيديولوجية ترى نفسها حقة والآخر مزيفاً، غير أن حقيقة الأمر أن الرسالة السماوية تتنزه عن أن تمنح قوة لفئة دون أخرى، أو ترفع قوما بعينهم ضد قوم، وإلا صار الدينُ مجرد فكرة أيديولوجية محضة. وهذا يتعارض تماما مع منطق الإسلام وكنهه، ويختلف عن جوهر الرسالة وأسباب نزول الوحي، لأن عصراً أنزل فيه القرآن كان يغرق في القبلية والعرف الذي يمنح السلطة ويزكي الوجود بالعرق والفصيل والقبيلة دون القبيلة، ويرفع شأن قوم دون قوم. فجاء الإسلام مناهضا لكل فئوية أو تفضيل على سبيل الأحقية في الوجود على أساس العرق واللسان.
وعليه، فإن المشايخ المتأسلمين ليس من حقهم القول بأن لغتنا الأمازيغية سلاح ضد لغة عربية أنزل بها القرآن الكريم، وكان ممكنا أن ينزل بالأمازيغية أو العبرية أو الفرنسية أو لغة خاصة به، وسيؤدي دوره في الوعظ والإرشاد وبناء عقدي مبني على السلم والإسلام، ولا يمكن أن يدعو لتقديس شيء دون آخر، بل سعى إلى توحيد الصفوف ونبذ التصنيف على أساس عصر ما قبل الإسلام.
ولذلك، على كل واعظ يحمل فكرا متعصبا للغة أن يتذكر أن لا شيعة في الإسلام كما أوصى به الرسول الكريم، وأن الأحزاب والفئات نزعة عرق وجهل، وعليه أن يعي أنّ الإسلام دين شامل، وليس فكرة أيديولوجية. وعلينا نحن أن نعي أنّ المتكلمين أمثال الكتاني وغيرهم ينطلقون من منطق العصبية الجاهلة بحق وجوهر الرسالة الربانية التي يقول عنها الله تعالى في القرآن {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
خدمة التعريب والنهوض باللغة العربية لا يتأتى عن طريق ضرب قيم الإسلام، إنما قوة اللغة من قوة قومها الاقتصادية والثقافية والعسكرية، فاللغات الأقوى في العالم لم ينزل بها دين بل سعت لأن تتقوى عن طريق قوة أهلها وسلطتهم الثقافية والاقتصادية، ولكم أن تعتبروا بالانجليزية والصينية، وبخاصة اللغة الصينية التي اكتسحت العالم وهي أشبه بالأمازيغية من حيث التاريخ والكتابة والحرف، ولكنها أبعد بكثير عن العربية من حيث القوة، أقصد حاليا.
ولهذا، فمن الجهل أن تدعي قدسية فرد أو جماعة أو كيان يتحدث لغة دون أخرى أو النظر إليه بعين تزكيه، ولا نزكي على الله أحدا، وحده الله يزكي من يشاء، وبالتقوى، كما جاء في مضمون رسالة الإسلام.
وليعلم الكتاني وغيره أن المشايخ الذين يأخذ عنهم وأن الرواة الذين رفعوا الإسلام لم يكونوا إلا أقواما غير العرب. وله أن يتأسى بالبخاري الذي جاء من بلاد فارس، فأصبح حافظا لسنة رسول الله وجامعا لها، ولولاه لذهبت سدى. أليس ذلك من شمولية الإسلام وقدرته على احتواء لغات وأعراق بعيدا عن منطق التعصب للعربية؟
إن عيوب الانتماءات الأيديولوجية وشوائبها هي ما يميزها عن الدين الذي لا يتعصب لفريق دون آخر، إنما يمنح فرصة الانتماء لكل عرق ولسان، ويزكي ذلك حديث رسول الإسلام عليه السلام والصلاة حين قال عن رواية البخاري ومسلم ما مضمونه ألا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا فضل لأبيض على أسود إلا بميزان التقوى، وهو أمر يتطابق تماما مع تشريعات الله في كتابه الكريم، أمر يتنافى مع أن تكون العربية مصدر تقديس وصكاً على بياض يزكي قدسية قوم يتحدثونها دون قوم آخرين، كالأمازيغ مثلا، وإلا صرنا نفضل عربا على عجم، باعتبارنا لسنا عرباً، رغم أن مشايخ الإسلام يتبجحون بفضل الأمازيغ في نصرة الدين ونشره وقيادة توسع رقعته ونقله عن المشرق إلى المغرب.
لذلك، ليس للعربية فضل سوى أنها لغة تعبير أنزل بها القرآن، ولا دليل على أنها لغة سماوية ينطق بها أهل الجنة والسماء، فقد كانت العربية قبل أن يكون الإسلام على الأرض، وكانت العربية في الحجاز واليهودية في أرض الكنانة، وكان لله أمرٌ لا علم لنا به فاختار منطقة دون أخرى لاعتبارات تاريخية معهدها إبراهيم وبقية الأنبياء الذين مروا بالحجاز ومكة، وكانت العربية في الحجاز فجاءت فارس لتنجب لاحقا أعظم رجالات الحديث والسنة، وأمثلة شتى لا تزكي العربية دون لغة أخرى، إنما تمنحها قوة وتزكي وجودها الدائم، لأن العربية لغة جميلة معبرة وفاتنة يغرم بها المرء، وتبقى وسيلة تعبير عبر الإسلام بها عن رسالته، لأن غايته أعظم من أن يكون فكراً معتصبا وأكثر رفعة من أن يعتبر دين فئة وأسمى غاياته أن يعم السلام وتتعارف الأقوام وتبنى الأواصر في محبة وإخاء، حتى إنه دينٌ يؤمن بالأديان الأخرى ولا يعتدي عليها، حتى إن رسول الله عاش وبجواره يهودي تأكيدا لهذا الاحترام، وتشريعا من الله الذي يقول على لسان رسوله وهو يوجه خطابه لقوم كفروا بالإسلام ما تقريره {لكم دينكم ولي دين}، ولم يأمر بأذيتهم لفظا أو جسدا.
إن الإسلام ينزع القداسة عن الأشخاص واللغات والأفكار، ولا يزكي أحدا دون آخر، إنما سعى للتعاون والتعارف والإخاء وبناء أواصر أكثر رصانة من قوة خطاب أو انتماء أيديولوجي، إذ يقول الرسول الكريم إن المسلم أخ المسلم، وفي حديث آخر إن مجتمع الإسلام كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. ولهذا، فإن منطق التفرقة الذي يسعى إليه المشايخ المتأسلمون يخدم أجندة التفريق وتشتيت الشمل ولم يكن أبدا ليخدم رسالة الإسلام التي تعلو عن التحيز لفئة أو لسان، كمنطق ما قبل الإسلام حيث ساد القتل والتمييز على أساس اللسان والعرق، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع بأوامر ربه هذه العادات والأعراف، ونزع عن قريش هذا الجهل الذي يحاول الكتاني وغيره أن يعيده.
إنكم أيها المشايخ المتأسلمون لا تتدبرون القرآن، لا تقرؤونه كما يجب، تفكرون بمنطق القبيلة التي نهى الإسلام عنها، تأتون ما حرم الله عبر الهجوم على الأمازيغية التي قدمت الشيء الكثير للإسلام وحافظت على استمراره، ولا تعون أن جوهر الإسلام لا يقدس العربية، إنما أنزله الله بلسان عربي فصيح لتعوا ما فيه وليس لتتخذوه لعباً وقوة تتسيدون به على قوم أو تفرضون به لسانا على لسان، ومنطق الإسلام بريء من أن يسعى للهيمنة أو التعريب، بل لنشر القيم والمثل التي هي الغاية وتبقى اللغات وسيلة من الوسائل.
إذا كان لا بد أن نتحدث بمنطق الرد بالمثل فقد قلنا ما قلنا، وإلا، فإن في القرآن الكريم أدلة وبراهين تجنبت أن آتي بها كي لا يكون الحديث بمنطق النزعة والخصام مع الإسلام فيتم تأويله بالكفر والإلحاد على عادة المتأسلمين الذين كلما أفحمهم أحد رموه بالزندقة والفسق على غير علم ودليل وتلك عادتهم، إنما صراعكم مع لغات أخرى مرده إلى نزعة جاهلة نابعة من أفكار وأجندة بعيدة كل البعد عن الحب في الله، الحب الذي يفشي السلام، والسلام الذي يهدف إليه الإسلام.
فهل أنتم واعون؟!
*كاتب وناشر- مدير دار تسراس للنشر والتوزيع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.