البحث بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين حقل للإغناء والتجريب والتنافس والتجديد والاجتهاد والاضافة، وعياً بكون أسس ومتطلبات الاعتماد الأكاديمي في هذه المؤسسات تقتضي تجليات تفكير وتطارح، كذا منصات بحث ومواعد تفاعل ورأي وعرض واشعاع. سياق جاء فيه مرسوم إعادة تنظيم مراكز التكوين ضمن مراكز جهوية لمهن التربية والتكوين الصادر في دجنبر من 2011، والذي نجد مادته الثالثة تنص على تولي هذه المراكز جملة مهمات منها أنشطة البحث العلمي التربوي النظري والعملي، إن حول مجالات ما هو تربية وبيداغوجيا وديداكتيك مواد وحكامة تدبير مؤسسات..، أو على مستوى انجاز دراسات وأبحاث تهم المركز وجميع ما هو شريك من الأطراف الأخرى. بل أكثر من ذلك نجد المادة 34 من نفس المرسوم المنظم والمحدث، تتحدث عن نشر نتائج الأبحاث والدراسات تعريفاً بها واستثماراً لها في تجويد عمل التكوين والتأهيل، ومن خلال ذلك أيضاً الموارد البشرية العاملة بأسلاك القطاع الثلاث. ويسجل في هذا الاطار ما للبحث العلمي التربوي من أهمية في تطوير العمل التعليمي التعلمي وجميع ما هو بصلة تربوياً، بالنظر لما يمكن أن يسهم به على مستوى حل اشكالات عالقة وتوفير المعلومة التربوية وتحيين المفاهيم وتجديد التداول، من خلال مستجدات مجال تحكمها دينامية تحول مستمر وتطبعها سرعة تدفق وتغيير وخيار، هذا فضلا عما لعمل البحث التربوي من أثر معبر في إغناء عمل التدبير والقرار والتجديد والتجويد. وعليه، فلا شك أن المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين قاطرة إعداد وتطوير وتفكير، يحق تعليق الأمل عليها لتوفير موارد بشرية أكثر تجاوباً مع حاجيات المنظومة التربوية ورهاناتها. ومن هنا ما يحاط بالبحث والتفكير التربوي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس- مكناس من رهان وعناية واهتمام وتحفيز ومبادرة، ايماناً بأن الانخراط في مقاربة وقراءة قضايا التربية والتكوين هنا وهناك بالمركز وفروعه وملحقاته، بقدر ما هو وعاء حاضن لأنشطة الباحثين والمكونين وآلية حفز على استثمار كفاءات وخبرات عدة كائنة، بقدر ما هو حرص من الجميع إدارة ومجلس مؤسسة وشعب تربوية ومختبرات، على جعل البحث والنشر عنواناً لدينامية المؤسسة ومواردها العلمية بما يخدم المنظومة التربوية ويعود بالنفع ويحقق الإشعاع. ولعل عمل البحث والنشر من خلال مجلات تربوية محكمة تابعة لمراكز جهوية لمهن التربية والتكوين، معناه توفير نصوص وتوسيع وعاء مكتبة تربوية وتوفير مراجع ومعطيات، فضلا عما لذلك من أثر في تجويد مقاربات ومبادرة وتحفيز على الدراسة والبحث والتجريب. سياق تأتي فيه مجلة "جسور" التربوية التي تصدر عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس، والتي تضع هيئة تحريرها في الرهان إثراء البحث التربوي حول قضايا التربية والتكوين وجميع ما هو بتفاعل مع المدرسة المغربية ومواردها، والاسهام في تطوير المناهج من خلال نشر محصلة أبحاث ودراسات وخلاصات مواعد علمية تربوية ذات علاقة، ناهيك ما ترومه "جسور" من إبراز لأنشطة الباحثين المكونين من خلال نشر ما يستهدف في أعمالهم وأبحثهم تحسين الفعل التعليمي التعلمي والارتقاء به، ضمن رؤى أكثر انفتاحاً على تحولات المجال المعرفية والمفاهيمية وما يشهده من تجديد وتجدد في علاقة بزمن وموارد رقميات. ولعل من حسنات اصدارات تربوية محكمة ذات محرك جهوي، تفعيل عمل بحث علمي وذات باحث مكون وايجاد فضاء لتلاقي هواجس شأن قضايا تربية وتكوين، في أفق مساحات أكاديمية تربوية أوسع وأفيد وأبحاث ومقاربات أكثر قابلية للاجراء والتنزيل والتجريب وأكثر انسجاماً مع الواقع. وللاشارة فمجلة "جسور" التربوية المحكمة التي تصدر عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس(الفرع الاقليمي بصفرو)، هي مجلة سنوية محكمة تعنى بالدراسات والابحاث في علوم التربية والتدريس، بتجربة ذات بناء وقضايا متعددة ومواد نوعية بلغت بها عدداً خامساً تقاسمته قضايا تربوية بتكامل توزعت على محورين أساسيين، الأول خص أوراق ندوة وطنية وأشغال دورة خامسة لمنتدى صفرو التربوي السنوي الذي يقوم على رهان البحث والتواصل والحس المهني، وقد تضمن أربعة عشرة مداخلة علمية جمعت بين تحليل الممارسات التربوية، وتحديات المواطنة والسياسات التربوية، ومسألة المهننة وسؤال هوية التكوين بالمراكز، وقضية تكوين المدرسين ورهان الكفايات وإشكال الأنموذج، وسؤال طموحات المهننة والاصلاح واكراهات الواقع، وقراءات في تجربة تأهيل مدرسي السلك الثانوي الاجتماعيات ومركز فاس أنموذجاً. اضافة الى تكنولوجيا المعلوميات والاتصال في التعليم وسؤال الحصيلة ومرتكزات التطوير، ومطلب المهننة بين الأكاديميات الجهوية والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ونظام التربية والتكوين بين الوظيفة والمهنة والمهننة والتمهين، وتجويد التكوين بسلك الادارة التربوية أو من الادارة الى القيادة، ثم واقع جودة الحياة المدرسية في صفوف ذوي الاعاقة، وسؤال التكامل والتنافر في تكوين المدرسين بالمراكز الجهوية والجامعات، وسبل الارتقاء بمنظومة التكوين في مراكز التكوين، هذا اضافة الى رهان التكوين والتكوين المستمر وسؤال التجويد ومهننة الأطر. أما المحور الثاني لمجلة"جسور" في عددها الجديد 2018- 2019، فقد توزع على جملة اشكالات ذات تماس بالتربية والتكوين من ارشاد ديني وحدود عقلانية ووضع لغوي وحكامة مؤسسات تربوية ولسانيات وسبل تدرسي وتقارير أيام دراسية وغيرها. إن "جسور" هذا المنبر التربوي العلمي عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس، هي أداة ومساحة لتقاسم نتائج وتجارب ومقاربات بين باحثين ومكونين من جهة والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من جهة ثانية. كما أن من شأن مثل هذه التجارب في النشر مأسسة البحث على مستوى المراكز والتأسيس تدريجياً لمجموعات بحث ومختبرات، في أفق مراكز بحث ودراسات، فضلا عن غاية بلوغ موضوعات بحث ذات علاقة باشكالات المنظومة التربوية الحقيقية بعيداً عن كل ما هو هشاشة وتكرار ونمط. وتبقى"جسور" رهينة بثلاث مكونات أساسية أولا استمرارية رسالتها العلمية التربوية التكوينية وانتظام صدورها، ثانياً تحقيق مزيد من التواصل مع أوساط تربوية، بجميع أجيالها القديم منها والحديث، لتقاسم خبرات بعيداً عن أية قطيعة، وثالثاً وأخيراً اسهام المجلة بما هي عليه من طاقة وطاقم مشرف على تعميق مجال البحث التربوي واحتضان الاجتهادات في هذا المجال من أجل التحفيز. وبعددها الجديد في نسخته الخامسة بحوالي خمسمائة صفحة توزعت على أربعة وعشرين مقالا باللغتين العربية والفرنسية، تستمر "جسور" في أفق تراكم علمي تربوي بحثي أكثر وأوسع باعتباره رهاناً جوهرياً وحيوياً بالنسبة لهوية المراكز الجهوية لمهن التربية التكوين في سياق مهامها المنوطة. وعياً بكون ما هو أبحاث ودراسات تربوية تشكل أداة رافعة لكفاية النظم التربوية، من خلال تطويرها وفق ما يسمح باقتراح ورأي واجتهاد ومواكبة تماشياً مع ما يشهده المجال من متغيرات. وتروم "جسور" تحقيق مزيد من التفكير والتأمل العلمي في قضايا التربية والتكوين، واثارة ما من شأنه اغناء ذات تربوية في حقل بات مفتوحاً بتحديات عدة، تقتضي الالتفات والانصات عبر البحث والمختبر والمقاربة الوظيفية بعيداً عن النمط والمتجاوز من الخطاب. فضلا عما من شأنه بلورة ما هو انمائي شامل تشاركي ومندمج كفيل بربح رهان تربية وتكوين. في تصدير عدد المجلة الأخير أورد مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس، أن المركز من خلال فرع صفرو يعزز سنوياً خزانته العلمية وتراكمه في مجال البحث بعدد جديد من"جسور" التي ترتبط بمنتدى صفرو الوطني التربوي السنوي. وأن عدد هذا الموسم خصص لمحور على درجة من الأهمية ويتعلق الأمر ب: مهننة التكوين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بين الحاجيات وإكراهات الواقع. علما أن تكوين الأطر التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين موضوع بموقع بالغ الأهمية، لاسيما في خضم تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 وإصدار مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي. مضيفاً أن اختيار موضوع بهذه الجرأة دليل على مسايرة كافة الباحثين والمكونين لمِا يُعتمل داخل المنظومة، وربط ما هو تصور بالفعل لتحقيق أمثل الممارسات وفق البراديغم المتغير للممارسة المهنية التي تبنتها الوزارة في هذا الصدد. وأن اقتراح ومقاربة هذا الإشكال جاء مواكبةً للمستجدات بقصد الدراسة والتحليل والاستشراف وفق مضامين معرفية ومقتضيات تنظيمية ومنهجية، قادرة على بلورة رؤية تشاركية وحكامة تدبير شأن تكويني في ظل سؤال التجويد والجودة المرتبط بتفعيل مرسوم الإحداث، وتنزيل كل بنوده على أرض واقع المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين،مع توضيح للمهام في إطار سؤال الهوية بكل معانيها. تبقى أهمية الاشارة الى أن عدد مجلة "جسور" الأخير عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس، هو دعوة لندوةٍ وفكرٍ وتجديدٍ وبحثٍ ونشرٍ وتربيةٍ وتكوين، في أفق تواصل وتفاعل وتكامل أكثر بين الباحثين والمكونين. ولعل من أسس وتميز "جسور" وعيها بأهمية معرفة تربوية سريعة ومتحركة، منها من يتقادم مع مرور الزمن ويتوجب معه التزود بالجديد من أجل المواكبة المعرفية والمهاراتية والمفاهيمية، فضلا عن أهمية التجاوب مع كائنِ راهنِ حقلِ التربية والتكوين والتناغم مع مستلزماته، الأمر الذي يحتاج الى أبحاث ودراسات تماشياً مع زمن تحكمه معلومة وتراكم وتدفق عولمة تربوية. *باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس- مكناس