أثير خلال الأيام الأخيرة نقاش مهم حول إحدى المواد الواردة في مضمون القانون الأساس لبنك المغرب، التي تهم إدراج اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية في الأوراق والقطع النقدية، وما أثاره ذلك من استحسان في صفوف الإطارات والفاعلين في المجال الحقوقي والنهوض بالأمازيغية، ومن استخفاف وحتى رفض من طرف بعض المحسوبين على الإسلام السياسي، خاصة احد شيوخ السلفية الجهادية المفرج عنه سنة 2011 الذي اعتبر إدراج الأمازيغية بحرف كتابتها تفيناغ في الأوراق النقدية الوطنية يحمل "مزيدا من التهميش والتضييق على لغة الإسلام والمسلمين". وفي سياق هذا النقاش، نود تقديم الإضاءات الآتية: تضمن مقترح القانون رقم 40.17 في مادته 57 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب الذي عدل وصودق عليه في مجلس المستشارين، باقتراح من فريق الأصالة والمعاصرة، إضافة فقرة تنص على كتابة البيانات باللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، لكن دون تحديد حرف الكتابة تفيناغ كما يروج في بعض المتابعات الإعلامية. ورغم أهمية هذا التعديل في المادة 57 من القانون الذي ظل يراوح مكاتب مجلسي النواب والمستشارين مند سنوات، فإن الإشكال المطروح هو أنه يصعب تصور إدراج اللغة الأمازيغية وبحرف تفيناغ في الأوراق والقطع النقدية قبل صدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، حيث تنص المادة 22 من مشروع القانون التنظيمي رقم 16.26 المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية على: "تكتب باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية، البيانات المضمنة في القطع والأوراق النقدية، والطوابع البريدية، وأختام الإدارات العمومية". وفي المادة 31 من مشروع القانون التنظيمي ذاته يتم التنصيص على ما يلي: "يعمل بأحكام المواد... و22 من هذا القانون التنظيمي داخل أجل عشر سنوات على الأكثر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية". إذن، المطلوب الإسراع بتعديل والمصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وذلك بتقليص مرحلة إدماج الأمازيغية في الأوراق البنكية والطوابع وأختام الإدارات إلى سنة بدلا من 10 سنوات، والتنصيص على تفيناغ الحرف الرسمي للكتابة، خاصة أن هذا الإدماج لا يتطلب موارد مادية ولا بشرية إضافية، ويمكن أن يشرع فيه مباشرة بعد صدور القانون. وبخصوص رد فعل الشيخ السلفي الذي يمثل جزءا هاما من الرأي السائد في صفوف حركات الإسلام السياسي، التي تتضايق كثيرا من الأمازيغية لغة وكتابة، فإنه من الواضح أن ربطه بين إدراج الأمازيغية والتضييق على الإسلام والمسلمين حسب زعمه، هو مجرد غلو إيديولوجي وتطرف ديني لا أساس له من الصحة، جعل الشيخ السلفي يحصر لغة الإسلام في اللغة العربية دون غيرها من اللغات. وإذا كان هذا الربط الايديولوجي والدعوي لا يحتاج إلى الكثير من الكلام لتفنيده ويكفي تذكير صاحبه بأن أكبر المجتمعات التي تتدين بالدين الإسلامي ليست عربية، ولغاتها في الحياة العامة، ككتابة بيانات عملاتها ووثائقها، بما في ذلك الدينية، وتدبير الشؤون الثقافية والاقتصادية والتقنية، يتم بلغاتها، كالإندونيسية والأردية والتركية والإنجليزية وغيرها، فإن هذا الربط الإيديولوجي والسلفي يحيلنا على إحدى الصياغات الواردة في دستور 2011 نفسه التي تتطلب التعديل مستقبلا. في تصدير دستور 2011، تم التنصيص على أن المملكة المغربية متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. وإذا كان هذا الإقرار يمثل تغييرا ومكسبا كبيرا في الاعتراف بمختلف مكونات الهوية الوطنية مقارنة مع الدساتير السابقة، وذلك بعد عقود من النقاش المجتمعي والترافع والمطالبة الحقوقية والثقافية، فإن ما يثير الانتباه في الصياغة الدستورية هو إقران المكون الإسلامي بالمكون العربي من خلال الجمع بينهما في مصطلح مركب، مما يفيد بأن البعد الإسلامي يقتصر على المكون العربي دون غيره من المكونات ويمثل إلحاقا إيديولوجيا لا يعكس الواقع الثقافي والاجتماعي والوضع القانوني في الدولة والمجتمع. من هنا تتضح ضرورة تعديل هذه الصياغة مستقبلا، عبر الفصل بين المكونين العربي والإسلامي على غرار بقية المكونات والروافد التي تشكل غنى وتعددية الهوية المغربية، والمقوم الأساسي لانفتاحها وديناميتها الاجتماعية والإنسية.