عادَ شبحُ الإرهاب ليخيّمَ على الأجواء في المملكة مع تداعيات حادث "إمليل" الذي شهدته منطقة الحوز مؤخراً. وتَكرَّسَ هذا "التوجّس" بعد سلسلة من التحذيرات الأمريكية والبريطانية من احتمال وقوع هجمات إرهابية وشيكة في المملكة، والتي تلتْ الحادث، وهو معطى كشفَ أنّ الخطر الإرهابي مازالَ قائماً رغمَ المقاربة الأمنية التي تعتمدُ على قواعد جديدة في تشخيص المخاطر الإرهابية، تنطلق من التدخل الاستباقي في تفكيك الخلايا. وتؤشّر جريمة "إمليل" على معطى غاية في التّعقيد ويحملُ دلالات جديدة في فهمِ الظاهرة الإرهابية، مفاده أنّ الخلايا لم تعد تنشطُ في أحزمة البؤس المحاذية للمدن الكبيرة، بل انتقلتْ من المجال الحضري إلى المجال القروي، معَ اتساع الفئات العمرية في بعض الخلايا التي وصل أعضاؤها إلى سن الأربعين. اليوم، وبعد مرور 16 سنة على تفجيرات 16 ماي 2003، يتبيّن أن الخطر الإرهابي مازال موجوداً ويشكّل تهديداً حقيقياً للأمن الداخلي للبلاد، خاصة مع احتمال عودة المقاتلين المغاربة الذين تلقوا تدريبات ميدانية في أراضي النزاع، وهو ما يدفعُ إلى تبني مقاربة أمنية جديدة في التعامل مع عودة "الدواعش" المغاربة. مدرسة استخباراتية قوية يرى عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، أنّ "العقل الأمني المغربي تغيّر بطريقة جذرية بعد ستة عشر عاماً على أحداث 16 ماي"، مبرزاً أن "المغرب يتوفر على مدرسة أمنية استخباراتية ترتكز على أدوات عمل استطاعت بها احتواء وتقليل خطر الجماعات الإرهابية طيلة السنوات الماضية، من جيل تنظيم القاعدة إلى أجيال داعش وعودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب". وفي نظر الخبير الأمني فإنّ "العقل الأمني المغربي أسّس نموذجه على التوازن والتفاعل الذي خلقته ثلاثية إصلاح المجال الديني والاجتماعي والأمني"، وزاد: "يرتكز العقل الأمني المغربي اليوم على قاعدة التدخل الاستباقي المبنية على القدرة على الوصول إلى المعلومة وتحليلها والتدخل قبل وقوع الخطر؛ والدليل على ذلك العدد الكبير من الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها في مناطق جغرافية مختلفة من المغرب". ويتوقّف الباحث في الشؤون الأمنية عندَ "قدرة الأجهزة الأمنية المغربية على توقع وتغيير أدوات التدخل استباقا لتغير إستراتيجيات داعش"، التنظيم الذي ظل يصر على استهداف المغرب منذ إعلان البغدادي "خلافته" إلى اليوم. خطر الذئاب المنفردة وفي هذا المنحى يشيرُ الباحث الأمني إلى أنّ "هذه المجهودات المتمثلة في المدرسة الاستخباراتية المغربية التي باتت نموذجا عالميا لا تنْفي أن الخطر الإرهابي لازال قائماً، فالسلطات الأمنية المغربية الداخلية والخارجية تواجه اليوم عودة الداعشيين المغاربة في شكل شبيه بعودة المغاربة الأفغان في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، مع وجود اختلاف في خطر كون بعض الداعشيين المغاربة لا توجد حولهم معلومات". وتواجه السلطات المغربية بعد 16 سنة على أحداث ماي بالدار البيضاء "لامركزية تنظيم داعش" في إستراتيجية عمل المرحلة الثانية للبغدادي، ودعواته الأخيرة إلى "الثأر" في كل مناطق العالم. مقابل ذلك يستمر خطر الذئاب المنفردة والاستقطاب والتطرف في السجون، وحالات العود التي ظهرت أخيرا في مكونات بعض الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها، والتي تطرح سؤالا حول الشكل الذي تجري به بعض مبادرات الحوار و"المصالحة" داخل السجون. ويظل أكبر خطر تواجه الأجهزة الأمنية المغربية مثل باقي أجهزة العالم، حسب السليمي، أن "بروفايل الداعشي العائد، الذي خضع للتدريب في سوريا والعراق، مختلف عن بروفايل القاعدة، خاصة قضية الاستقطاب عبر الأدوات التكنولوجية الحديثة وبناء تنظيمات افتراضية قبل الانتقال إلى الفعل الإرهابي الميداني". وينطلق السليمي من عوامل جيوسياسية إقليمية ترفع من درجة المخاطر؛ "فالمغرب يوجد بين خطر داعش أوروبا وداعش الساحل وغرب إفريقيا وقاعدة المغرب الإسلامي، في وقت يسود غموض حول ما يجري في منطقة الساحل التي قد يكون الأمر فيها متعلقا بمؤشرات تشكيل تنظيم إرهابي كبير بمسميات جديدة يجمع القاعدة وبقايا داعش". الخطر قائم من جانبه، يرى الحقوقي والمحامي نوفل البعمري أنّ "الخطر الإرهابي هو معطى قائم الذات لا يمكن الجزم بأن أي دولة في منأى عنه، بل هو تهديد قائم وجاد لكل الدول، بما فيها المغرب". وأضاف الحقوقي المغربي أنّ "تحرك الأجهزة الأمنية المغربية ساهم بشكل كبير في الحد من الخطر الإرهابي داخليا من خلال الضربات الاستباقية التي أدت إلى تفكيك الخلايا الإرهابية، وخارجيا من حيث تتبع الخلايا الإرهابية؛ وهو ما ساهم في كشف خلايا إرهابية بأوروبا، مجنبا إياها الكثير من الضربات الإرهابية".