"با دجاي" هو الإسم الذي يُطلَق على شهر رمضان المبارك في جمهورية الصين الشعبية، وهي كلمة باللغة الصينية وتعني "الإمساك" أو "الصيام". وعلى غرار كثير من الدول غير الإسلامية، تُحدِد الجمعية الصينية الإسلامية في بكين مطلع شهر رمضان وفقاً للحسابات الفلكية، لا برؤية الهلال كباقي الدول العربية، حيث يتوجب عليهم إتمام الصيام ثلاثين يوماً. ويتراوح عدد المسلمين الصينيين إلى ما يقارب مائة وثلاثون مليون نسمة، إلا أن هذا الرقم لا يُشكل أية نسبة تذكر في المجتمع الصيني، مقارنة بالتعداد السكاني الهائل المكون لدولة الصين، والذي يصل إلى مليار وأربعمائة مليون نسمة. ولهذا، فإن قضاء شهر رمضان له طعم خاص في بلد يُمثل فيه الطعام والشراب ركنا مهما في ثقافته؛ فالشعب الصيني يُقدس مواعيد الوجبات مثل احترام المسلم لمواقيت صلاته. وقد لا يُصدق غير المسلمين فيه أن المرء يمكنه أن يمتنع نهارا كاملا عن الطعام؛ لكن ومع الاقتراب من تجمعات المسلمين في أنحاء الصين المختلفة، وبخاصة في منطقة شمال غربي البلاد والتي استطاع المسلمون فيها الحفاظ على خصوصيتهم، والحفاظ عليها من الاندثار، يبدو أن مظاهر رمضان عندهم لا تختلف كثيرا عن الدول الإسلامية. وينتشر المسلمون في كافة أنحاء الصين، وتجد غالبا في كل مدينة مسجد واحد على الأقل، ويتركز المسلمون من أصل صيني خاصة في ولاية "تشينغ هاي"، ذات الأغلبية السكانية من قومية هوي، إحدى ال56 قومية التي تتكون منها الصين. وتُعتبر قومية هوي أكبر القوميات المسلمة العشر في الصين، وتتمتع بحكم ذاتي مستقل، إضافة إلى مقاطعة شينجيانغ "تركستان الشرقية" ذات الأغلبية من قومية الإيغور المسلمة، ذات الحكم الذاتي أيضًا. وبالحديث عن "الدين"، فدستور الصين ينص على "أن مواطني جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية العقيدة الدينية"، و"لا يحق لأي من أجهزة الدولة أو المنظمات الاجتماعية أو الأفراد إرغام أي مواطن على الاعتقاد بأي دين أو عدم الاعتقاد به، ولا يجوز التعصب ضد أي مواطن يعتقد بأي دين أولا يعتقد به"، و"أن الدولة تحمى النشاطات الدينية الطبيعية". طقوس رمضان في الصين ولشهر رمضان الفضيل طقوس خاصة في الصين، فمظاهر الاحتفال تبدأ قبل قدوم الشهر من خلال تنظيف المنازل بالكامل حتى الأسقف والجُدران، وتزيينها باللوحات القرآنية وتزيين المساجد بالأعلام الملونة، وفرشها بالسجاد الجديد، حيث تكتظ المساجد بالمصلين، وتشارك جميع المساجد في ختم القرآن، كما هو الحال في باقي بلاد العالم الإسلامي. وتحرص المساجد في الصين على فتح أبوابها أمام المسلمين وغير المسلمين أيضا خلال شهر رمضان، من أجل تعريفهم بالدين الإسلامي. ويوجد في الصين حوالي 30 ألف مسجد، في أرجاء البلاد. ومن أقدم تلك المساجد مسجد "نيوجيه" بالعاصمة بكين، الذي بني منذ ما يقرب من 1000 عام. ومن أبرز مظاهر شهر رمضان هو تنظيم مأدبة الإفطار الجماعي في جل مساجد البلاد، من أجل زيادة الروابط بين المسلمين في المجتمع الصيني الذي يُعرف بانغلاقه. وتتكون وجبة الإفطار من فترتين: الأولى يتناول فيها المسلمون التمر والشاي وبعدها يتناولون البطيخ ثم يذهبون إلى المسجد لتأدية صلاة المغرب، وبعد الانتهاء من الصلاة يعودون لاستكمال بقية وجبة الإفطار مع أسرهم أو مع المسلمين في المسجد. ويتجمع المسلمون في المساجد في العشر الأواخر للاحتفال بليلة القدر ويكثرون فيها الصلاة وقراءة القرآن الكريم، أما صلاة التراويح فتصل إلى 20 ركعة. ولا يشعر المسلمون والعرب الوافدون، ومن بينهم دبلوماسيون وموظفون وطلبة، بالغربة في الصين، خاصة أن دخول الدين الحنيف للصين منذ فجر الإسلام أسهم كثيرا في تحسين العلاقة بين المسلمين والصينيين غير المسلمين، فهم يحترمون تقاليد وعادات المسلمين. ويوجد في الصين عدد كبير من المطاعم والمتاجر للأطعمة الإسلامية، ومن أشهر الأطعمة التي تنتشر في رمضان بين المسلمين في رمضان لحم الضأن المشوي، ويحرص المسلمون أيضا على تبادل الحلوى والتمر والشاي. وما يلفت النظر هو أن شهر رمضان لدى مسلمي الصين هو شهر للتعبد، والتقرب إلى الله، وقضاء معظم الأوقات في المساجد، حيث إن عادة تناول الإفطار ومشاهد التلفاز تغيب تماما لديهم. * باحث في الشؤون الصينية والأسيوية [email protected]