في كل أنحاء المغرب شرع المواطنون في تكوين خلايا مسلحة للمقاومة، وتضامنوا وتعاونوا على البحث عن السلاح وجمعه وعلى تمويل العمليات الفدائية، كل المواطنين دون استثناء ساهموا في المقاومة، وكان لكل مواطن دوره. "تأسيس الخلايا" بعد نفي السلطان محمد بن يوسف لم يبق إلا التضحية بالأرواح فداء للوطن، فبدأ الناس يفكرون في الطريقة التي يحررون بها المغرب من نير الاستعمار الفرنسي، ويرجعون رمز السيادة إلى عرشه، وهكذا شرعوا في البحث عن السلاح وإعلان بداية المقاومة المسلحة. وهنا تجلت عبقرية البطل محمد الزرقطوني في قيادة المقاومة، وبدأ في تنظيم الخلايا في العديد من الأحياء، مع التشديد على السرية التامة، وكانت كل خلية تتكون من ثلاثة أو أربعة إلى خمسة وستة أفراد على أكثر تقدير. واجتمعنا في شقة حسن العرائشي بدار عمر الباعمراني، الملقب "أبا عمر" أو "مول الحليب"، وقررنا أن نقوم بأعمال فدائية في مدينة الدارالبيضاء يفهم منها المستعمر أن المغاربة متشبثون بملكهم الشرعي محمد بن يوسف، وكان حاضرا في هذا الاجتماع: محمد الزرقطوني حسن العرائشي حسن بالمودن محمد السرغيني كوفية محمد السكوري التريسيان محمد بن إبراهيم الباعمراني سليمان العرائشي محمد الرحموني كما عقدنا في المساء اجتماعا آخر في منزلي لتأسيس خليتنا، التي كانت توجه من طرف محمد الزرقطوني مباشرة وتضم كلا من: سليمان العرائشي عرشي بوعزة حسن بلمودن محمد الرحموني وكنا نملك مسدسا من عيار 7،65 ملم زودنا به محمد الزرقطوني وضعنا أيدينا على نسخة من المصحف وعلى المسدس وأقسمنا على الكفاح. وأطلقت أول رصاصة على الخونة يوم 4 سبتمبر 1953، معلنة عن بداية الكفاح المسلح لتحرير المغرب من الاستعمار. شرعنا بعد ذلك في البحث عن السلاح، والتدريب على استعماله، بعدما طلب منا محمد الزرقطوني أن نكون مستعدين للقيام باغتيال خائنيْن بعد أن يزودنا بمعلومات عنهما وعن تحركاتهما، وبعد مدة طلب منا عدم اغتيالهما، وقال يجب أن نتكفل بما هو أهم من الاغتيال وهو التأطير والتسيير، لأن المغاربة كلهم يريدون تحرير وطنهم من الاستعمار، لذا يجب علينا أن نوفر لهم من يؤطرهم، ونوفر لهم الدعم المادي والمعنوي والسلاح، وتنظيمهم في إطار خلايا وإيصال صوتهم إلى العالم، وكلف شجاعدين البشير بكتابة عدة صيغ للمناشير التي سيقوم كل من سليمان العرائشي ومحمد كوفية السرغني بطبعها، لتوجه إلى الشعب المغربي، لنعلن للاستعمار وللعالم أجمع أن المغاربة شرعوا في المقاومة من أجل تحرير وطنهم، وكلفني أنا بمهمة الاتصال والبحث عن السلاح، وكلف عرشي بوعزة بالبحث عن الأنابيب التي تصلح لصنع القنابل، وأن يهيئ الأدوات الكافية للقيام بعملية تفكيك أنابيب للنفط. في كل أنحاء المغرب شرع المواطنون في تكوين خلايا مسلحة للمقاومة، وتضامنوا وتعاونوا على البحث عن السلاح وجمعه وعلى تمويل العمليات الفدائية، كل المواطنين دون استثناء ساهموا في المقاومة، وكان لكل مواطن دوره. لم يكن العمل الفدائي في البداية منظما، ولم يكن هناك تنسيق ولا حتى تعارف بين قادة الجماعات والخلايا، فقد كانت الانتفاضة عفوية، وبالنسبة للجماعة الأولى فقد كانت تضم كلا من: محمد الزرقطوني ابراهيم الروداني عبد الله الصنهاجي حسن العرائشي محمد منصور حسن بلمودن الملقب ب "حسن السائق" محمد آجار الملقب ب "سعيد بونعيلات" حسن صفي الدين الملقب ب "الأعرج" المدني المغراني الملقب ب "لأعور" محمد السموني سليمان العرائشي محمد بنحمو الشباني الملقب ب "بابا علي " مولاي العربي الماسي الشتوکي أحمد الخصاصي "شنطر" محمد إيفقيرن الملقب ب "بولحية" مولاي الطيب الأمراني سفيان عبد الله خربوش النكريمي حسن الملقب ب "حسن الصغير" محمد بن موسى سعيد المانوزي عمر الجعيدي محمد جمالي بلعيد البركوكي لحسن الشيظمي حسن السكوري عبد الله الزناكي الملقب ب "الميكانسيان " سعيد ولد الحاج عبد الله محمد الرحموني وكانت أول رصاصة أطلقتها المقاومة استهدفت مدير جريدة "العزيمة" التونسي بشارع بني مكليد. وقد بذل محمد الزرقطوني مجهودا جبارا في التنسيق بين قادة جماعات وخلايا المقاومة، إذ كان رحمه الله كلما سمع بعميلة فدائية يستشف أخبار الجماعة التي نفذتها، فيسعى إلى التعرف عليهم وعلى المنفذين فيضمهم إلى المنظمة السرية من أجل التنسيق معهم وإمدادهم بالأسلحة والذخيرة، دون أن يفرض عليهم سلطته ولكن بهدف أن لا يصبح العمل الفدائي عشوائيا، كما كان هناك تنسيق مع عدة جماعات وخلايا من داخل مدينة الدارالبيضاء وخارجها لإمدادها بالسلاح وتبادل المعلومات. وفي يوم الجمعة 11 شتنبر سنة 1953 بينما كان "محمد بن عرفة" في موكبه ممتطيا حصانه قاصدا مسجد "أهل فاس" بالرباط لأداء أول صلاة للجمعة له بعد تنصيبه مكان السلطان الشرعي، قام الشهيد علال بن عبد الله بعملية استشهادية لاغتياله، لكنه نجا من الموت وأصيب فقط بجروح، فرجع الى القصر يجر أذيال الخيبة، وسقط علال بن عبد الله شهيدا. الشهيد علال بن عبد الله ينفذ العملية الاستشهادية ضد صنيعة الاستعمار محمد بنعرفة "البحث عن السلاح" من هذين المسدسين كانت البداية بعد تأسيس المنظمة السرية، فكر محمد الزرقطوني وعبد الله الصنهاجي في توفير وتأمين الأسلحة لها، فوقع اختيارهما على مكان يسمي عرصة بناني، توجد في "الأرميطاج"، وجعلا منها مركزا لإخفاء الأسلحة التي كان يتم تجميعها في مركز قسارية المنجرة. ومن أجل توفير السلاح، سافر حسن العرائشي إلى المنطقة الشمالية للمغرب للاتصال بالإخوان هناك، وذلك في أواسط شهر شتنبر سنة 1953، وتوصلنا بعد مدة بأول شحنة من السلاح، وكانت تتكون من مسدسين عيار 9 ملم لم يسبق استعمالهما و260 رصاصة، وقد أحضرها المطرب عبد النبي الذي كان يعمل مساعد سائق على متن حافلات "ستيام"، بعد أن خبأها في هيكل الحافلة الرابطة بين مدينتي الدارالبيضاء وطنجة، وأوصلها في منتصف الليل إلى منزلي بدرب "بوشنتوف". وفي الصباح حوالي الساعة الثامنة والنصف، وضعتها في قفة وغطيتها بحزم كبيرة من القزبر والمعدنوس والطماطم، كأن القفة مملوءة بالخضر، وحملتها رفقة محمد الرحموني قاصدين متجرا للسلع بحي المنجرة، الذي يبدو من الخارج کدکان عادٍ لكنه يتوفر على خلفية فسيحة استغلت في عقد الاجتماعات وتجميع الأسلحة بجميع أنواعها. والجدير بالذكر أن المتجر كان تحت إشراف بلعيد البركوكي، ويعد أول مركز للاتصال بين أعضاء المنظمة السرية، وسلمنا له الأمانة ليقوم بدوره بتسليمها إلى من ينقلها إلى المستودع الخاص بالأسلحة الموجود بضيعة "عرصة الأرميطاج"، وكانت تسمى "عرصة بنائي"، وكان يشرف عليها ويقطن بها لحراسة الأسلحة كل من: محمد بولحية حسن السكوري مولاي الطيب الآمراني وكانت كل الأسلحة من مسدسات ورصاص وقبصون وبارود، تسلم إلى المتجر الموجود بحي المنجرة، ليتم نقلها بعد ذلك من هناك إلى عرصة الأرميطاج ليقوم الإخوان المشرفون عليها بتجريبها وتخزينها إلى أن توزع على الجماعات والخلايا، وتم الاستغناء عن منزل أبا عمر، وبعد افتضاح أمر المركز "وعرصة الأرميطاج" أصبحت الأسلحة تشحن إلى مراكز أخرى بأحياء مختلفة بدرب السلطان وحي اسباتة ودرب اليهودي وعين الذئاب وغيرها، ومنها على سبيل المثال فقط سكن عائلة محمد جمالي بعين الذئاب، الذي نقل إليه 86 مسدسا والعديد من القنابل والقوادس والقبصون والميش من ضيعة الأرميطاج. وبعد أسبوع آخر جلب المطرب عبد النبي شحنة جديدة تتكون من مسدسين من العيار نفسه وعدد مهم من الرصاص يقدر ب 400 رصاصة، عبارة عن علبة، سلمناها بالطريقة نفسها أنا ومحمد الرحموني إلى بلعيد البركوكي بمركز المنجرة، وبعد مرور أكثر من خمسة عشر يوما جلب المطرب عبد النبي 7 مسدسات، ثلاثة من عيار 7،65 ملم وأربعة من عيار 6،35 ملم، وكمية كبيرة من الرصاص. غيّر المطرب عبد النبي المكان الذي كان يخبئ فيه السلاح، وبدأ يخبئ المسدسات والرصاص في "الكالات" (سند خشبي يوضع تحت العجلات الأمامية أو الخلفية) لمنع الحافلة من التقهقر أثناء التوقف، وكان يضعها خلف عجلات الحافلة عند توقفها في كل عمليات التفتيش التي كان البوليس الفرنسي أو الإسباني يجريها على كل السيارات والشاحنات والحافلات القادمة من المنطقة الشمالية، فكانوا يفتشون الحافلة رأسا على عقب باستثناء "الكالات" التي كان المطرب عبد النبي يضعها خلف العجلات، وقد كانت هذه "الكالات" مفرغة من الداخل وقام بصنعها كل من عبد السلام رزوق وحسن السكوري في شارع الفداء. *صحافي باحث في تاريخ المقاومة المغربية شاعر وزجال [email protected]