تجسد "القرية الرمضانية ببيروت"، المقامة بعقار تابع لدار الفتوى وسط العاصمة اللبنانية لتقديم وجبات إفطار مجانية للصائمين المحتاجين، تقليدا سنويا يعكس مفهوم العيش المشترك وإحدى أبرز مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعي بين الفئات المجتمعية اللبنانية وغيرها ممن اضطرتها الظروف للعيش بالبلد خلال شهر رمضان الفضيل. وتسعى هذه القرية التضامنية، التي تشرف عليها مؤسسة للعمل الخيري بتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، إلى جانب تقديمها لوجبات إفطار طيلة الشهر الكريم، خلق أجواء روحانية وطقوس رمضانية تجعل من انقطعت بهم السبل يشعرون بفضائل المودة والإخاء والتكافل التي توحد المسلمين. وباشرافها على مبادرات تضامنية أخرى من قبيل تنظيم عمليات إفطار جماعية بالأحياء والفضاءات العمومية والمقاهي بتعاون مع جمعيات ومنظمات خيرية، تساهم القرية الرمضانية في إسعاد الصائمين المحتاجين، وأيضا في ترجمة المعاني الحقيقية لمظاهر التكافل الاجتماعي التي تميز الشهر الكريم ، باعتباره زمنا دينيا بامتياز للاقتداء بالسنة النبوية الشريفة والتقرب إلى الله ونيل الثواب والمغفرة. ويسهر المنظمون على القرية، التي تستقبل يوميا ضمن خيمتها المخصصة لذلك حوالي الف صائم، توفير ما يقرب من 84 مائدة إفطار بأطباق متنوعة من أهم ما يميز المطبخ اللبناني. ولإنجاح هذه البادرة التضامنية، سخر منظمو القرية، التي تبدأ نشاطها التحضيري من الساعة السابعة صباحا إلى ساعة الإفطار، فريق عمل يتكون من 190 متطوعا من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني يعملون إلى جانب 150 متطوعا مستقلا من مختلف الأعمار يتوزعون إلى مجموعات، بعضها يقوم بتوضيب الوجبات وتوزيعها خارج القرية، وآخرون يشرفون على تحضير أطباق رمضانية متنوعة وتقديمها للصائمين. كما سخرت الجهة المشرفة وسائل لوجستية وأمنية تساهم في حسن سير واستقبال الصائمين، فضلا عن توفير قاعتين للصلاة للرجال والنساء ومطبخ ومرافق إدارية وصحية ومساحة مخصصة للأطفال. وفي هذا الإطار، قال فؤاد مخزومي رئيس "مؤسسة مخزومي"، الجهة المشرفة على تنظيم القرية، إن المؤسسة تقدم يوميا وجبات إفطار لضيوفها الذين هم من مختلف فئات المجتمع ومن المناطق اللبنانية كافة ومن جنسيات عربية وأجنبية مختلفة، فضلا عن عابري السبيل، وتوزع ما يقارب 1500 وجبة إفطار أخرى في أماكن محددة بأحياء بيروت، مضيفا أن القرية تحرص أيضا على تنظيم أنشطة تربوية ودينية وترفيهية وفنية متنوعة تستهدف مختلف الفئات العمرية وخاصة الأطفال. وأبرز مخزومي، في تصريح صحافي، أن القرية الرمضانية تجسد نموذجا حيا لمفهوم التكافل الاجتماعي في رمضان، إذ تعيد إحياء العادات الرمضانية، خصوصا في بيروت، إلى جانب مساهمتها في إحياء وتكريس مفهوم الوحدة والتضامن بين اللبنانيين وباقي المسلمين من مختلف الجنسيات والطوائف والمذاهب واستحضار المغازي النبيلة للشهر الفضيل. وتابع أن هذه المبادرة الإنسانية تستمد نجاحها من أهدافها النبيلة المبنية على تعزيز مبادئ المودة والتعاضد وترسيخ مفهوم التكافل التي تمثل جوهر الشهر الكريم، مؤكدا أن فلسفة القرية لا تتمثل فقط في تقديم الطعام، بل في توفير جو رمضاني تسوده الروحانيات والحميمية التي تميز الشهر الكريم. ومن جانبهم، عبر عدد من المستفيدين، من لبنان وسورية وبنغلاديش، عن استحسانهم لهذه البادرة التي دأبت المؤسسة منذ سنوات على تنظيمها للوقوف الى جانب المحتاجين والمغتربين. وكان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف أكد، في كلمة له خلال حفل افتتاح القرية الرمضانية، أن هذه المبادرة التضامنية تعد دليلا على تكريس مبادئ المحبة والأخوة والتسامح وخلق الأجواء الطيبة المباركة والمبرورة لفائدة الصائمين المحتاجين وتجسيد روح التكافل والتضامن وأهمية العيش المشترك والتفاهم والحوار بين مكونات نسيج المجتمع المحلي وباقي الجاليات المسلمة المقيمة في لبنان. ودعا مختلف فئات المجتمع اللبناني الى دعم القرية، من خلالها المؤسسات والجمعيات الخيرية، للرفع من حجم التبرعات والمساعدات الغذائية. وتبقى "القرية الرمضانية ببيروت" واحدة من عدة مبادرات تضامنية لإفطار الصائمين سواء من خلال توفيرها للوجبات في مراكز مخصصة، أو عبر توزيعها على العابرين وذوي الحاجة. *و.م.ع