من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار الجديد "" منذ فجر القرن التاسع عشر كتب الروائي الفرنسي المشهور "فيكتور هوجو" قائلا: "(...) يا شعوب اذهبوا إلى إفريقيا وخذوا الأرض هناك وحلوا إشكالياتكم الاجتماعية، حولوا بروليتاريتكم إلى ملاكين(...)". وفي سنة 1903 كتب "أوجين اتيين" قائلا: "(...) هناك (أي بإفريقيا) مناجم الفوسفاط والحديد وأراضي الزراعة الخصبة وأشجار الزيتون(...) طرقا وسككا حديدية وموانئ تنتظر الخلق لفائدة صناعتنا الثقيلة ولشركاتنا ومقاولينا(...) لنؤسس مجالا واسعا، أطرافه مترامية من الخليج إلى المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط فالصحراء الكبرى، يضم تونس والجزائر والمغرب في نطاق إمبراطورية شمال إفريقيا". هكذا كانت الانطلاقة، وقد سبق أصحاب المصارف والمقاولين فتبعتهم المدافع، للقيام بمهمة حضارية "إدخال شعوب إفريقيا إلى عصر الحضارة وتلقينهم الحرية". احتلت فرنسا وإسبانيا المغرب، وبعد أكثر من أربعة عقود من الاستعمار، اعتبر الكثيرون سنة 1956 (الاستقلال) أن المغرب مازال غير مؤهل لممارسة الديمقراطية وغير ناضج لاعتمادها، ولذلك قامت مرحلة جديدة من الاستعمار الجديد. لذلك منحت الدول المستعمرة الاستقلال المنقوص للمغرب، وتجلى هذا النقص بجلاء في مجالات التبعية الاقتصادية والتبعية الاستراتيجية والشعبية الثقافية والتبعية السياسية، وكلها ساهمت في تفعيل ثراء الحسن الثاني والأسرة الملكية، لاسيما مع بداية الستينات. آنذاك كانت فرنسا قد رسخت أقدام عملائها وخدامها في الخريطة السياسية والاقتصادية بالمغرب قبل رجوع الملك محمد الخامس إلى المغرب لاسترجاع عرشه. ومنذ أن اعتلى الحسن الثاني عرش البلاد سنة 1961، انكب على تكسير شوكة المعارضة، بجميع أشكالها وعلى جميع الأصعدة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا. ومنذ تلك الفترة ترسخت بين فئات الشعب المغربي فكرة تشبيه المغرب بسجن كبير. علما أن حصول المغرب على الاستقلال (الأعرج حسب رأي الكثيرين) كان بفضل المقاومة ونشوء جيش التحرير، الشيء الذي انعكس على العلاقات بين الوطنيين والبلاط منذ فجر الستينات، بفعل جملة من الأحداث ظلت تداعياتها فاعلة إلى حدود نهاية الثمانينيات، وعلى رأسها، الطريقة التي تَمَّ بها حل جيش التحرير بالشمال وسحق جيش التحرير بالجنوب، عندما أصبح الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك، قائما على القوات المسلحة الملكية. وتلى ذلك القمع الدموي الذي تعرضت له انتفاضة الريف من طرف الجيش تحت قيادة الحسن الثاني، ولي العهد، ثم التصدي للمعارضة التي أخذت على عاتقها قلب النظام كسبيل لتخليص البلاد. هذه بعض معالم بداية عهد الحسن الثاني، والتي وصفها مومن الديوري بمرحلة "الرغبة في جعل المغرب أحسن تلميذ في عين صندوق النقد الدولي". وجاء عقد السبعينات، فتصاعدت لهجة المعارضة مرفوقة بالقمع الممنهج لكسرها، ولم يكن أمام الحسن الثاني أي خيار إلا الخضوع لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتظاهر باعتماد "الثورة الليبرالية" تحت شعار "إغناء الفقير دون تفقير الأثرياء"، آنذاك كانت كمشة من المغاربة قد استحوذت على أكثر من 90 بالمائة من الثروات الوطنية تاركة بقية الشعب تترنح في أجواء الفقر والحرمان. وقد رأى مجموعة من المحللين الاقتصاديين، في المسار الاقتصادي الذي سار عليه المغرب، أنه ظل محكوما بضرورة الانصياع للخارج والتبعية له. وفي هذا الصدد اعتبر البعض منهم أن الملك الراحل الحسن الثاني ظل سائرا على هذا الدرب، مما أدى في نهاية المطاف إلى بيع ثروات البلاد ومواردها البشرية وموقعها الاستراتيجي، بعد أن غرقت البلاد في مستنقع الديون الخارجية وبعد أن ارتبطت منظومتنا الاقتصادية بالرأسمال الأجنبي. وبذلك اعتبر البعض أن ثراء الملك الحسن الثاني، جاء، في جزء مهم منه، نتيجة لهذا الارتباط (ارتباط اقتصادنا بالمصالح الأجنبية) ألم يكن الملك الراحل الحسن الثاني، الملاك العقاري والمقاول والمالي والمصرفي الأول بالمغرب؟ تنمية الثروة الملكية عبر الخوصصة والمساهمات المتنوعة فيما بين أبريل ودجنبر 1990، بمناسبة الجدال والحوار بخصوص الإعداد للقانون الذي سيعرف بعد ذلك باسم "قانون الخوصصة" المرخص للحكومة ببيع 112 مؤسسة وشركة عمومية (منها 4 من أكبر الأبناك، هولدينغ مالي، 3 شركات فلاحية، 10 معامل لصناعة السكر، معمل تركيب السيارات، 7 شركات بترولية و37 مؤسسة فندقية)، أجمع المشاركون على تسطير ملاحظة أقلقت أغلبهم، وهي تواجد مجموعة أخطبوطية في قلب المنظومة الاقتصادية المغربية، إنها مجموعة "أومنيوم شمال إفريقيا" والتي كان الملك الراحل الحسن الثاني يملك وقتئذ أكبر جزء من رأسمالها. فعلا، خلال عقد من الزمن، أصبحت مجموعة "أونا" تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني وركيزته الأساسية، علما أنها كانت في البداية مجرد نواة تدور في فلك بنك باريس والبلاد المنخفضة، لكنها بدأت تتوسع بفعل ارتفاعات متتالية لرأسمالها وبفعل امتصاصها لجملة من الوحدات والمجموعات منها "كوجيسبار" (COGESPAR) و"سيهام" (SIHAM)؛ وارتكازا على "استراتيجية هجومية" في مجال الأعمال، تم التخطيط بجميع الوسائل لوضع اليد على مجموعة من الشركات العمومية، كما تم رسم خطة لتجميع ومركزة بعض الأنشطة وتوزيع أخرى. وبذلك تمكنت "أونا"، أن تصبح أضخم هولدينغ مالي بالمغرب منذ بداية الثمانينات، حيث تأكد بجلاء توسعها الأخطبوطي، الشيء الذي جعلها تحقق أرباحا لم يسبق أن تمكنت أية مجموعة من تحقيقها من قبل. لقد قفز رقم معاملاتها من مليارين و600 مليون درهم سنة 1982 إلى 9 مليارات من الدراهم سنة 1988، كما أن أرباحها قد تضاعفت مرتين فيما بين سنة 1987 و1988، حيث قفزت مما يناهز 223 مليون درهم إلى 448 مليون درهم، وارتفعت مواردها الخاصة بنسبة 62 بالمائة وبلغت قيمتها المضافة مليارين من الدراهم. ومنذئذ لم يتوقف تطورها. في سنة 1990 بلغ عدد الأشخاص الذين تشغلهم أكثر من 15 ألف، وكانت تملك آنذاك 43 شركة بالمغرب وتراقب بطرق غير مباشرة على أقل تقدير 86 شركة في مختلف القطاعات والأنشطة المربحة. كل هذه الشركات التابعة لمجموعة "أونا" تحتل مواقع استراتيجية في النسيج الاقتصادي الوطني، وقد تم توزيعها كالتالي: وشركات أخرى من الصعب تعيينها اعتبارا لتوسع أطراف الأخطبوط الذي تولد من نواة "أونا" الأولى على مر السنين، لاسيما أن درجة الشفافية المالية المعتمدة بالمغرب مازالت غير كافية للتمكن من الإطلاع على كل المعلومات، ونظرا لأن أبواب الإدارات والمؤسسات العمومية مازالت موصدة في وجه الباحثين المستقلين غير الموالين للدولة والمتعاملين معها. وزادت مجموعة "أونا" من تنمية قوتها الأخطبوطية بفعل ابتلاعها سنة 1988 للبنك التجاري المغربي (BCM)، وبالتالي مراقبة كل الوحدات التابعة له. ومع تفويت 2.5 بالمائة من رأسمالها إلى البنك الوطني لباريس (BNP)، تمكنت المجموعة من المساهمة بنسبة 13 بالمائة في رأسمال البنك المغربي للتجارة والصناعة (BMCI). ومكنها هذا الرصيد المالي من وضع قدمها في الأسواق العالمية وولوج بورصة باريس، وبفضل هذا الإنجاز استطاعت المجموعة الملكية في عهد الحسن الثاني المساهمة في رأسمال بنك باريس والبلاد المنخفضة (Paribas) ومجموعة "بولوري" (Bolloré) و"التأمينات العامة لفرنسا" (AGF) وشركة بوجو (Peugeot) و"نادي البحر الأبيض المتوسط" (Club Méditerranien). ومنذئذ اهتمت مجموعة الحسن الثاني بقطاع السياحة أكثر من السابق، حيث برمجت آنذاك إلى حدود 1993 استثمارا سياحيا تفوق قيمته 5 ملايير درهم. كما أن لمجموعة "أونا" مساهمات أخرى، منها 10 بالمائة في شركة "أسفار هافاس" و10 بالمائة في "دينرز كلوب" (Diners Club) وشركات النقل وشركات استثمار عالمية، كما ساهمت إلى جانب البنك الوطني لباريس في مشاريع صناعية (قطاع الصناعات الغذائية) بفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، وهذا ما جاء في جملة من المقالات نشرتها مجلة "مغرب – مشرق" في أبريل/ يونيو 1990. في هذه الفترة كان صهر الملك الراحل الحسن الثاني، فؤاد الفيلالي يضطلع بمهمة نائب الرئيس المدير العام للمجموعة. ومقارنة مع المجموعات المالية الخاصة بالمغرب ظلت المجموعة الملكية "أونا" تحتل المرتبة الأولى بمسافة بعيدة عن المجموعات التي تليها، كمجموعة مولاي علي الكتاني التي كان رصيدها آنذاك (بداية التسعينات) بنكا و32 شركة وشغيلة يناهز عددها 10 ألف شخص، وتأتي بعدها مجموعة كريم العمراني، الوزير الأول السابق، بامتلاكها لبنك و29 شركة. علما أنه هناك عرفا ظل قائما على الدوام، وهو بمثابة "قانون اقتصادي" متعارف عليه بين كبار أثرياء المغرب، مفاده أنه لا يصح أن يكون بالمغرب شخص أثرى وأغنى من الملك، وبذلك كان من الضروري أن تكون ثروة الملك في عهد الحسن الثاني أكبر ثروة موجودة بالمغرب، وبالتالي استفادته أكثر من غيره وقبل أي كان من الآليات المتوفرة لحيازة الثروة ومراكمتها وتنميتها، سواء أمر بذلك أم لم يأمر به، ما دام أن القاعدة هي عدم جواز وقبول منافسته في أي مجال من المجالات ولاسيما فيما يخص الثروة. "أونا".. بدأت صغيرة جدا بفضل التهامي الكلاوي، باشا مراكش وعميل الاستعمار الأول وبدون منازع، تمكن الفرنسي "جون إيبينات" من الاستحواذ على مناجم المغرب وخلق شركة "أومنيوم شمال إفريقيا" سنة 1924 بمساهمة بنك "باريبا" لتدبيرها واستغلالها وجني أرباحها، وبعد سنوات من إنشائها أصبح الملك الراحل الحسن الثاني (ولي العهد وقتئذ) رئيسا مديرا عاما لشركة "سماك" (SMAG)، وهي شركة كانت تابعة ل "أونا". أصبح الحسن الثاني، وبطلب من فرنسا، القائم على "أونا" بعد أن مركزت كل المناجم المربحة بالمغرب، لاسيما الذهب والفضة والنحاس والزنك والفوسفاط، إذ أن نسبة 70 بالمائة من أرباحها كانت تذهب إلى خزائن العائلة الملكية. تطورت "أونا" وتوسعت أنشطتها بعد أن وضعت يدها على الصناعات الغذائية والفلاحية، وأصبحت تراقب 92 بالمائة من المواد الدسمة (الزيوت، الزبدة، الحليب)، و60 بالمائة من السكر، ثم عملت على اكتساح قطاعات جديدة، منها السياحة والتأمينات وتركيب السيارات والنقل ومواد التجميل (Cosmétique) والعقار وغيرها، وبذلك لم يفلت أي نشاط من الأنشطة الاقتصادية ذات الربح العالي من سيطرتها. كما أن "أونا" تمكنت، في عهد الحسن الثاني، من امتلاك 40 بالمائة من رأسمال ثلاثة أبناك تعتبر من كبريات المصارف بالمغرب، وبذلك أضحى من الضروري على الراغبين في الاستثمار بالمغرب الحصول على الموافقة الشخصية للملك، الفاعل الاقتصادي الأول بالبلاد. آنذاك بدأ القائمون على الأمور يقدمون مجموعة "أونا" كمحرك من شأنه أن يقود البلاد إلى التنمية والازدهار، وموازاة مع ذلك، كانت ثروات الملك والعائلة الملكية تنمو بسرعة كبيرة، وكذلك الأمر بخصوص الديون الخارجية التي وصلت حينئذ إلى 22 مليار دولار أمريكي، وبلغ يأس الكثير من المغاربة درجة لم يسبق لها مثيل. ففي المغرب 1992 تم إحصاء 9.2 مليون شخص يعيش تحت خط الفقر و11.2 مليون لا يعرف الكتابة ولا القراءة، هذا ما أقره تقرير الأممالمتحدة للتنمية في مارس 1992. حسب جريدة "لوموند" الفرنسية، بلغ رقم معاملات مجموعة "أونا" سنة 1991 ما يناهز 8.7 مليار فرنك فرنسي و351 مليون فرنك فرنسي كأرباح. آنذاك انضاف إلى رصيد المجموعة 50.20 بالمائة من رأسمال الشركة الفرنسية "أوبتورك" (OPTORG) الناشطة في التوزيع والصيانة التقنية. ومن خلال "سيجير" أصبحت مجموعة "أونا" الدرع الاقتصادي للحسن الثاني والبلاط. وبذلك تمكن من جعل مجموعته المجموعة الاقتصادية والاستثمارية الأولى، بدون منازع، بالمغرب. الأراضي المسترجعة من الأمور التي لم يستسغها العديد من الفلاحين والكثير من القبائل، قضية مآل الأراضي التي اغتصبها الاستعمار من أبائهم وأجدادهم، والتي رغم استرجاعها من طرف الدولة بعد الاستقلال لم ترد لأصحابها الأصليين، وإنما تم تفويتها إلى جماعة من المحظوظين والمقربين ومسؤولين كبار في الجيش، وذلك بعد أن وضع القصر يده على ما أراد منها. وهذا أمر ظل عسير الفهم بالنسبة للساكنة القروية، لاسيما الفلاحين الصغار والمعدمين، في جميع أنحاء البلاد. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تجاوزه إلى حد الترامي على بعض الأراضي التي بحوزتهم أو تفعيل مسطرة نزع الملكية قصد المنفعة العامة، كما يقال، لتجريدهم من حق ملكيتها وإجبارهم على قبول تعويض تحدده لجنة الإدارة أو الجهاز القضائي بعد مرور سنوات عديدة، الشيء الذي أدى إلى بروز حركات احتجاجية ساهم فيها فلاحون وأحيانا قبائل برمتها، صغيرها وكبيرها، نساؤها ورجالها، كهولها وشبابها، وأغلبها ووجهت بالقمع الشرس، وهذا ما حدث عندما انتفض فلاحو قبيلة أولاد سعيد بضواحي سطات للمطالبة باسترداد أراضيهم التي كانت السلطات الاستعمارية قد نزعتها منهم ومن آبائهم بقوة الحديد والنار، منحت بجرة قلم، بعد استرجاعها، في نهاية الستينات للمقربين من البلاط. وكذلك الأمر بالنسبة لأبناء قبيلة أولاد عياد بمنطقة بني ملال الذين قاموا، قومة الرجل الواحد، للتصدي لتحويل مياه الري إلى ضيعة أحد الشخصيات الوازنة المستفيد من الأراضي المسترجعة على حساب حق الفلاحين في مياه السقي.