تعد الغامبية فاتو بنسودة، التي عينت الإثنين 12 دجنبر الجاري مدعية عامة للمحكمة الجنائية الدولية خلفا للقاضي الأرجنتيني الشهير لويس مورينو أوكامبو، من أبرز الفقهاء القانونيين، وهي بالمناسبة زوجة رجل أعمال مغربي ناجح. فبعد مسلسل شاق استمر لعدة أشهر، وقع يوم أمس بنيويورك اختيار، الدول الأعضاء الموقعة على "معاهدة روما" وهي المعاهدة التي تشكلت بموجبها المحكمة، رسميا على فتو بنسودة (50 سنة) لتولي هذا المنصب الحساس، والذي يطمح اليه العديد من رجال القانون. وحسب أحد المغاربة المقيمين بغامبيا، الذي يعرف هذه السيدة منذ نعومة أظافرها، فإنها مسلمة ومتزوجة برجل أعمال مغربي ينحدر أبواه من مدينة فاس، ويشتغل في مجال الصيد البحري. وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه بينما اختار العشرات من المغاربة آنداك السنغال كوجهة للهجرة، فإن عائلة بنسودة قررت التوجه سنة 1920 الى غامبيا، التي كانت وقتها تحت الاحتلال الإنجليزي. وكانت البلاد حينها تشهد ازدهارا في الحركة التجارية وعالم الأعمال. وشق زوج المدعية العامة الجديدة للمحكمة الجنائية الدولية طريقه في مجال الصيد والصناعات المرتبطة به حتى صار أحد أنجح رجال الأعمال بغامبيا. وبالرغم من هذا النجاح، فإن بنسودة حافظ على علاقاته بمواطنيه المغاربة وكان يحضر لقاءاتهم، وذلك بحسب أحد أقربائه، مضيفا أنه سيلتحق بلاهاي، حيث تعيش العائلة منذ سنوات، وذلك بعد تعيين زوجته بالمحكمة الجنائية الدولية. مسار استثنائي ولجت بنسودة، خريجة كلية القانون بلاغوس(نيجيريا)، سنة 1987 وزارة العدل حيث تدرجت في عدة مناصب إلى أن تولت منصب وزيرة العدل، وهي مهمة معقدة جدا لا سيما في بلد مثل غامبيا. إثر ذلك غادرت بنسودة وزارة العدل، لتفتح مكتبها الخاص كمحامية لتصبح، بعد ذلك مديرة عامة لأحد أكبر البنوك في بانغول. وستشهد حياتها منعطفا مهما حينما تم انتخابها مستشارة قانونية ونائبة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في أروشا بتانزانيا حيث رقيت الى مستشارة قانونية رئيسية، ورئيسة قطاع الاستشارات القانونية، مما مكنها من الإلمام بعالم العدالة الدولية من الداخل. وفي العام 2004، تمكنت هذه الخبيرة القانونية، ذات المعرفة الواسعة بالمؤسسات القانونية الدولية والملفات الكبرى، من إقناع الدول الأعضاء في المحكمة بتعيينها مدعية عامة مساعدة مكلفة بمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وفي لاهاي، اشتغلت بنسودة إلى جانب مورينو أوكامبو، الذي ستخلفه فعليا في يونيو 2012، وهكذا ستصبح أول سيدة إفريقية تتولى هذا المنصب. وبتولي هذا المنصب وبغض النظر عن كفاءاتها المعترف بها على الصعيد الدولي، فإن الدول الأعضاء في "معاهدة روما"، أرادت ربما تبديد سوء الفهم وبعث رسالة طمأنة الى الأفارقة الذين يرون أن المحكمة عبارة عن أداة لعدالة "البيض"، ذلك أن جميع الشخصيات التي أصدرت في حقها المحكمة مذكرات توقيف هم من الأفارقة. وفي هذا الصدد، أكدت القاضية الغامبية أنها لا تفكر في القادة الذين تمت متابعتهم، موضحة أنها تشتغل "من أجل الضحايا الأفارقة". وشددت على أنها ستبقى "مصممة على متابعة مهام المحكمة، ووضع حد للإفلات من العقاب لأولئك المسؤولين على الجرائم الأكثر خطورة، سأنصف الضحايا وسأعمل على أن لا ترتكب جرائم جديدة"، مضيفة أن "هذا التصميم سيقض مضجع الديكتاتوريين ومجرمي الحرب في مختلف أنحاء العالم". وبالرغم من حساسية المنصب وكثافة الضغوط التي يتعين أن تتحملها، فإن السيدة بنسودة تطمئن المراقبين على أنها ستظطلع بمهامها كاملة بحكم أصولها الإفريقية وحبها للعمل وموهبتها الديبلوماسية. وكشف أليون تين، من منظمة اللقاء الإفريقي للدفاع عن حقوق الإنسان التي تتخذ من داكار مقرا لها، أن المدعية العامة الجديدة "ستعرف كيف تتحدث الى الأفارقة" الذي لم يعد لقادتهم منذ الآن "المزيد من الذرائع لكي يقولوا أن المحكمة الجنائية الدولية، عبارة عن هيئة بيض تقاضي السود".