ما بوصلة القيم التي تريد أن تسترشد بها في حياتك؟ كيف تريد أن تمارس لعبة الوجود على هذه الأرض؟ تريد أن تعيش فقط لنفسك؟ هل تطمح أن تؤثر على مصائر الآخرين وتحدث الفرق النوعي في جودة حياتهم؟ هل ستمارس لعبة العيش على هذا الكوكب في نطاقك الضيق؟ هل هناك مجال لمساعدة الآخرين على المضي قدما في طريق نجاحهم ومجدهم الشخصي؟ ذلك ممكن جدا وسيتيح لك أن تتحرك في آفاق شاسعة تتجاوز قوقعة الأنا والتركيز على الذات. في جميع الأحوال، أنت حر وتملك الإمكانات اللانهائية للاختيار... إن معظم الناس الذين أعرفهم يركزون على خدمة وإرضاء ذواتهم أولا. ربما لأن لسان حالهم يقول: "ليس لدي الوقت للاهتمام بالآخرين. من واجبي أن أضع ضمن أولوياتي الجري وراء المال وسداد الفواتير المتراكمة نهاية كل شهر ورعاية الأطفال وتوفير القليل من النقود قبل الصيف للذهاب في عطلة قصيرة مدتها أسبوع أو عشرة أيام. هل هناك أصلا متسع من الوقت لرصد احتياجات الآخرين والاهتمام بحل مشاكلهم؟". وثمة صنف ثان ممن أعرفهم يعتقدون أنهم غير مؤهلين لعون الآخرين لمجموعة من الأسباب يمكن تلخيصها في 4 نقاط: الخوف من الفشل، عدم الثقة في النفس، السلبية، خيبة الأمل تجاه المجتمع ونمط تفكيره القائم على الفردانية المفرطة. إن حياتك ليست ملكا لك وحدك. إن جزءا عظيما منها يجب أن تساهم به في حياة الآخرين. هذا الالتزام نحو مجتمعك رحلة لانهائية واستكشافية لقدراتك ومواهبك وأحلامك. "إن الهدف من حياتنا هو أن نضيف قيمة إلى حياة أفراد هذا الجيل والجيل الذي يليه"، كما يقول المخترع والفيلسوف بكمينستر فويلر. بناء على هذا فإن قيمة عبورنا في الأرض ترتبط بالإضافة التي نقدمها إلى العالم؛ فكل منا يولد وفي أعماقه مواهب وعطايا منحها الخالق له من أجل استخدامها في التواصل والتعامل مع الآخرين. لا تكن مركز الكون. لا تعش لنفسك. أنت ذرة تسبح في مليارات الحيوات والأهداف والمصائر. عش للآخرين ونوّر حياتهم كما أوصاك الإله الكريم بذلك. افعل الخير من أجل الآلاف، بل الملايين، وكن طرفا فاعلا في لاهوت التنوير... لنلق نظرة على التاريخ. لنأخذ مثال توماس أديسون الذي كرس حياته لتحقيق فكرة ينور بها حياة الآخرين: اختراع المصباح الكهربائي. لقد كان أصدقاء أديسون يتهمونه بالجنون: "هل فكرت لحظة واحدة في لامعقولية مشروعك؟ محض هراء! إنك غارق في الأحلام حتى أذنيك يا توماس...!". هل استسلم أديسون؟ لم يستسلم.. واعتكف في مختبره شهورا طويلة يكافح ويجرب إلى أن اكتشف أنه باختراعه الناجح في نهاية المطاف كان يحتاج إلى معرفة ألف طريقة لعدم اختراع المصباح الكهربائي... ومرت السنوات وأنار مصباح أديسون حياة المليارات. إن مشروع أديسون ليس مستقلا ومنعزلا في الزمان والمكان. إنه جزء من مشروع كوني رباني رحماني لإخراج العالم من اليأس إلى الأمل، ومن الشك إلى الايمان. إن هذا المشروع يمكن اختصاره في كلمتين: لاهوت التنوير. وأنت، ما خطتك لتكون مساهما في هذا المشروع؟ الفقراء في كل مكان وبلاؤهم شديد. قد يكون ما أقوله مثاليا، لكن على الأقل انخرط في المجتمع المدني، انضم إلى الجمعيات الخيرية، وكن سببا في تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنوير السياسي والتآزر مع الطبقة العاملة. إن السيد المسيح نفسه كان وعاش فقيراً، وقد اهتم بالفقراء والمنبوذين، إلى جانب أن حقوق المهمشين كان لها حضور في رسالة الإنجيل. بالمقابل كان محمد (صلى الله عليه وسلم) غنيا يملك خمس الغنائم، لكنه عاش متواضعا زاهدا، وسخر أموالا طائلة للنهوض بالمحتاجين وتنوير حياتهم. إن كل شخص فوق هذا الكوكب لديه مهمة سامية تتجاوزه، ومهمتك أنت، إن قبلت، أن تكون عضوا في نادي "لاهوت التنوير". قد تقرر على سبيل المثال أن تكون قائدا لبرنامج توعوي حول الإقلاع عن التدخين، لأنك كنت من قدماء المدخنين ورميت بالسجائر في سلة النسيان منذ 20 سنة، وتحسن تبعا لذلك تنفسك ووضعك الصحي العام، بل حتى أسلوب إنفاقك، دون نسيان شبكتك الاجتماعية التي توسعت بشكل مدهش. لا توجد أعذار لعدم الفعل. الحياة كلها فرص للعطاء، وإن كنت مسلحا بقانون النوايا وكانت نيتك 100 بالمائة، لا أقل، فإنك حتما ستصل إلى هدفك. قرر أن تستثمر كل دقيقة من وجودك في معترك الحياة، فربما تكون هذه الدقيقة هي الأخيرة، وفي هذه الحالة إذا كنت تحيا في هذه الدقيقة فهناك سبب لذلك. ربما ستسألني: "كيف لي أن أعلم أن مهمتي قد انتهت؟". سأجيبك فورا: "ما زلت تتنفس، أنت حي ترزق، ومهمتك لم تنته بعد!". من السهل جدا أن تشاهد في الحياة اليومية مجموعات من الأشخاص لا تفعل شيئا..لا تنتج قيمة مضافة تذكر... الأمثلة كثيرة لا يمكن حصرها: تلاميذ همهم الوحيد النجاح دون بذل المجهود، وبالاعتماد الكلي على الغش في الامتحان، شباب يقضون كامل يومهم بالمقهى في لعب "الكوتشينة"، أثرياء يملكون المليارات ويراكمون شراء العقارات عوض استثمار أموالهم في انشاء الشركات لتحريك الاقتصاد... والآن دعني أسألك: إذا كانت لديك كل هذه القدرات والمواهب ولم تفعل شيئا لخدمة الآخرين وتنوير حياتهم، كما أمرك الله بذلك، فمن سيقوم به إذن؟ صحيح، لكل إنسان هدفه المحدد، لكنك جندي من جنود الله في حياتنا القصيرة على هذا الكوكب، ومهمتك تتجاوز كيانك الضيق إلى آفاق لا محدودة. فكلنا خلقنا لهدف كبير.. أن نساعد الآخرين على استخراج النور الذي يتلألأ داخلهم، لأن ذلك وسيلة لتمجيد الإله الساكن عميقا فينا، في قلوبنا جميعا. إن هذا الايمان ليس موجودا في بعض القلوب، ولكنه مخفي مثل الكنز في قلب كل مؤمن بضرورة مساعدة الآخرين وتحريرهم من مخاوفهم وتنويرهم وإرشادهم إلى سلوك طريق مجدهم الشخصي، تماما كما يريدنا ويأمرنا بذلك الله. لست وحدك. دعني أكرر هذه الفكرة. إن أهدافك ومعنى حياتك متعلقة حتما بأن تكون الشمعة التي تضيء حياة الآخرين. إن السماء سخرتك لإعمار الكون لأنك خليفة الله في الأرض، وجزء لا يتجزأ من لاهوت التنوير. * خبير في التواصل والتنمية الذاتية