كان الأطفال يجرون في المكان الضيق وهم يتصايحون ويتعاركون ويصرخون لجذب اهتمام حارس السجن الذي كان يوزع الحلوى والبالونات، بينما كان أطفال أصغر لم يتعلموا المشي بعد يتشبثون بالسور الذي يشبه السلاسل ويحدقون في الفراغ. ومن خلال سياج الفناء الذي يعتبرونه ملعبهم، مد الأطفال الأكبر سنًا أيديهم الملطخة بالأوساخ للحصول على البالونات. وقال اثنان منهم إن تلك البالونات هي اللعبة الوحيدة المتاحة لهم في سجن الرصافة النسائي في وسط بغداد. وقالت بنت أذربيجانية عبر السياج الشبيه بالسلاسل الذي يحيط بنحو 100 طفل: "من فضلكم أريد العودة إلى البيت. لو سمحتم ساعدونا. هذا مكان غير صالح لنا". كانت زيارة رويترز واحدة من المرات القليلة جدا التي سمح فيها السجن بدخول وسائل الإعلام. وهذا السجن من صميم معضلة التصرف مع نساء تنظيم الدولة الإسلامية وأطفالهن. نفذ التنظيم المتشدد أعمال قتل جماعي وتعذيب واسترقاق جنسي، وكذلك التلقين الفكري، في المناطق التي احتلها في سورياوالعراق في عام 2014، وشن هجمات في جميع أنحاء العالم، مما يعني أن الأسرى يشكلون خطرا على الأمن كما أنهم عرضة للانتقام منهم. وقالت مديرة السجن التي طلبت حجب اسمها إن الثقة في البداية كانت "صعبة علينا وعليهم ... كانت كلش كثير منهم حاولوا يقتلوا أنفسهم وأطفالهم". وأضافت أن السجن يضم بين جدرانه 1241 امرأة وطفلا أجنبيا يشتبه بأنهم من أطفال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من أكثر من 12 دولة. وتابعت أن أعمار 774 طفلا منهم تتراوح بين تسعة أشهر و15 سنة. تم نقل الأطفال إلى السجن في نوفمبر تشرين الثاني 2017 بعد شهرين من وقوعهم في أيدي السلطات العراقية أثناء الهروب من تلعفر في شمال العراق. وتم نقل معظم الأطفال الذين يحتمل أن تنطبق عليهم شروط تقديمهم للمحاكمة في العراق إلى منشأة لاحتجاز القُصّر. وحوكم عدد منهم لا يتجاوز أصابع اليد لتنفيذهم هجمات، لكن غالبيتهم حوكموا بتهمة عبور الحدود بالمخالفة للقوانين، وكان بعضهم صغارا في التاسعة من العمر. وفي الحالتين ليس من الواضح مدى مسؤوليتهم عما حدث. أما الأطفال الآخرون فيقيمون في سجن الرصافة مع أمهاتهم اللائي يقضين أحكاما طويلة بالسجن، أو في انتظار محاكمتهن. وبعد احتجازهن عامين بموارد محدودة، تسعى بغداد إلى إرسال من لا يمكن محاكمتهن إلى بلادهن، لكن المشكلة معقدة من الناحية القانونية، كما أنها تمثل معضلة سياسية. وقد رفضت دول كثيرة حتى الآن قبولهن. جوع وملل ومرض قالت مديرة السجن خلال الزيارة التي تمت في 11 أبريل إن الأوضاع في السجن، الواقع داخل مجمع وزارة الداخلية ذي الحراسة المشددة، تحسنت منذ الأيام الأولى. ولم يتم السماح بزيارة الزنزانات التي تقضي فيها النساء وأطفالهن ما يقرب من 20 ساعة يوميا، ولم تسمح السلطات بالتصوير. ورافق ثلاثة مسؤولين حكوميين على الأقل مراسلة رويترز معظم الوقت، لكنها تحدثت لفترة وجيزة مع أربعة من الأطفال دون أن يكون أي منهم حاضرا. سألت البنت الأذربيجانية: "جبتي لنا ملابس أو دواء؟ محتاجين دواء كتير". وكانت ترتدي حجابا أزرق اللون. كانت البنت ضمن مجموعة قالت مديرة السجن إنها من الأطفال الذين صدرت على أمهاتهم أحكام بالسجن المؤبد ليقضين فترة لا تقل عن 20 عاما بسبب عضويتهن في تنظيم الدولة الإسلامية ودخول العراق بصفة غير قانونية. والبنت أصغر من أن تُقدم للمحاكمة بموجب القانون العراقي، وليس من الواضح طول الفترة التي ستقضيها وراء القضبان. وأذربيجان من الدول التي توجد أكبر الأعداد من مواطناتها في سجون العراق، بالإضافة إلى روسيا وتركيا. وهناك أيضا أخريات من طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان والأردن وسوريا وفرنسا وألمانيا والسويد وترينيداد وتوباجو. ولم ترد وزارة الخارجية الأذربيجانية على طلبات للتعليق على سياساتها فيما يتعلق بإعادة أطفال رجال ونساء الدولة الإسلامية. ويسمح للأطفال بالخروج إلى الفناء لمدة ساعتين يوميا، وبخلاف ذلك يقضون أيامهم في زنازين مكدسة أو يشاهدون حلقات الرسوم المتحركة على التلفزيون. ويقول حوالي 20 مصدرا مطلعا على الظروف في السجن وقضايا النساء، حاورتهم رويترز قبل الزيارة، إن الأطفال ينامون على حشايا رقيقة يعتريهم الملل وينهشهم الجوع بل والمرض في كثير من الأحيان دون رعاية طبية تذكر. وقالت أكثر من ستة من هذه المصادر إن الأوضاع السيئة أدت إلى وفاة سبعة أطفال على الأقل. وقالت مصادر دبلوماسية ومن الاستخبارات إن عددا من النساء توفين أيضا. وامتنعت مديرة السجن التي حاورتها رويترز في حضور أربعة مسؤولين آخرين عن التعليق، واكتفت بالقول إن النزيلات تلقين رعاية جيدة تحت إدارتها. وامتنع مسؤولو الحكومة العراقية عن التعليق. وقالت ثلاث نزيلات اختارتهن مديرة السجن إنهن وافقن على إجراء مقابلات معهن، وتحدثن أمام خمسة مسؤولين من السجن ووزارة الداخلية ووزارة العدل وجهاز الأمن الوطني. قالت امرأة طاجيكية حُكم عليها بالسجن المؤبد بتهمة الانتماء للتنظيم ولها طفلان معها في السجن: "بالنسبة إلي السجن هو السجن، إما في طاجيكستان أو العراق". وأضافت: "ولكن أريد أن يذهب أطفالي إلى طاجيكستان ويعيشون مع أمي". ولم تنشر رويترز أسماء النساء خشية التعرض لأعمال انتقامية. وقالت طاجيكستان في الآونة الأخيرة إنها ستبدأ إعادة بعض الأطفال. وروسيا وتركيا وفرنسا من بين عدد قليل من الدول التي قبلت بعض الأطفال، لكن عملية إعادتهم تسير ببطء. وقالت كاترينا ريز، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، التي تنظم زيارات للسجينات وتقدم لهن المساعدة وتساعدهن في التواصل مع أسرهن، "لا بد من موازنة الأمن والمحاسبة بتوفير الفرصة لهؤلاء الأطفال لإعادة بناء حياتهم في أوطانهم". لماذا تركونا هنا؟ تتجاوز المشكلة سجن الرصافة. فعلى الجانب الآخر من الحدود في سوريا تعيش آلاف النساء الأجنبيات وأطفالهن في معسكرات احتجاز وقد تزايدت أعدادهم منذ استعادة السيطرة على آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في الباغوز الشهر الماضي. وقال صبي أوزباكستاني محتجز في سجن الرصافة: "لماذا تركونا هنا؟" وأضاف: "أريد أن أرجع إلى أوزبكستان. يمكن أن أعيش مع جدي وجدتي". ولم ترد وزارة الخارجية الأوزباكستانية على طلبات للتعليق على سياستها فيما يخص الأطفال المحتجزين. وقالت مديرة السجن إن حوالي 225 طفلا ولدوا في السجن ببغداد لأن كثيرات من الأمهات وصلن إلى السجن وهن حوامل. وقالت ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر إن بعض النساء تعرضن لانتهاكات جنسية بعد القبض عليهن في ظروف سادتها الفوضى على أيدي قوات مختلفة في شمال العراق وكذلك في الرصافة. وسئلت مديرة السجن عن هذه الاتهامات فقالت إن المحتجزات يحظين برعاية جيدة تحت رعايتها. وبالنسبة لبعض النزيلات أدت مفاجآت قانونية إلى تفاقم معاناتهن. فقد تمت تبرئة سويدية عمرها 29 عاما دخلت السجن مع أطفالها الثلاثة من كل اتهامات الإرهاب خلال محاكمتها في أكتوبر، لكن حكم عليها بالسجن ستة أشهر لدخولها العراق خلسة. وبمساعدة الحكومة السويدية أرسلت أطفالها للعيش مع أقاربهم خوفا من تأثرهم بالأفكار المتشددة أثناء بقائهم معها في السجن. وقبل أيام من انتهاء فترة سجنها قيل لها إن حكما صدر بإلغاء حكم البراءة وإعادة محاكمتها عن الاتهامات نفسها. وقالت الحكومة السويدية إنها على علم بالأمر وتتابع الوضع، لكنها رفضت التعليق على قضية بعينها. وقالت المرأة وهي تحبس دموعها: "ظننت أنني سأبتعد عن أطفالي ستة أشهر فقط. والآن .. لا أعلم ما سيحدث لنا". *رويترز