ما أن تلج الباب الضيق لبيت مصطفى بقال، الكائن بحي كعدة الجامع بالمدينة القديمة لتاونات، حتى تجد نفسك وسط عشرات القطع الأثرية القديمة، حيث تنقلك الأروقة المتعددة لهذا المتحف الشخصي، في كنف التاريخ، لتقتفي أثر حياة الأجداد، وما كانت تزخر به من إبداعات على جميع المستويات. "لي شغف كبير، منذ شبابي، بجمع القطع الأثرية القديمة، وهي هواية رافقتني على مدى حوالي خمسة عقود"، يوضح مصطفى بقال، الذي يوجد في عقده السابع. وكشف بقال، لهسبريس خلال زيارتها لمتحفه الشخصي بمدينة تاونات، إلى أنه كان، طوال المدة سالفة الذكر، يكدس القطع الأثرية التي تطالها يديه داخل منزله إلى أن راودته مؤخرا فكرة تحويل بيته القديم إلى متحف مفتوح في وجه العموم، ليقتسم مع الجمهور العريض متعة اكتشاف ما جمعه من تحف لا تقدر قيمة عدد كبير منها بثمن. "بحكم مهنتي كلحام للأدوات المنزلية (كواي) كنت أتنقل باستمرار بين مختلف ربوع المغرب، بما فيها الصحراء. وخلال رحلاتي الطويلة هاته، كنت مهتما بجمع الأشياء القديمة، إما بطلبها من أصحابها أو شرائها منهم"، يوضح بقال، الذي أبرز لهسبريس أنه كان يعود إلى بيته بتاونات، بعد كل رحلة، محملا بجملة من القطع القديمة. ويواصل بقال: "يمكن لك داخل متحفي التعرف على مختلف الأشياء التي كان يستعملها السلف في حياتهم، حتى إن كنت مهتما بالموسيقى فيمكن لك أن تجد في الرواق المخصص لذلك ما يشفي غليلك، كما هو الشأن بالنسبة إلى هذا البيانو الألماني القديم، الذي لا يزال يعمل بشكل جيد، والذي اقتنيته من إحدى العلب الليلية بمدينة مراكش". من يزور المتحف الشخصي لمصطفى بقال بتاونات ستأخذه الدهشة، فعلا، حين سيكتشف، وهو يتجول بمختلف أروقته، تخصيصه أحدها لعرض تشكيلة من الأدوات والمستلزمات الحربية التي تعود إلى مرحلة الكفاح المسلح ضد الاستعمار، منها بنادق، وبقايا العبوات الناسفة، وقبعة للجنود، وحزام جلدي حامل للأعيرة النارية. وإلى جانب هذا وذاك، يزخر المتحف الشخصي لمصطفى بقال بقطع متنوعة من الأواني المنزلية، أغلبها من النحاس. كما يمكن لزائره التعرف على طريقة عمل آلة يدوية عريقة لطحن البن، ذات شكل مميز، قال بقال بأن أصلها من البرازيل، إلى جانب اكتشاف كاميرات تصوير عتيقة، وأجهزة مذياع قديمة أغلبها مجلوبة من الصحراء، وقطع نقدية عمرها عشرات السنين، ومصنوعات جلدية وحديدية وفخارية وزجاجية كان القدامى يستعملونها في حياتهم اليومية. "هذا السوط الجلدي كان يستعمل في تنفيذ عقوبة الجلد، جلبته من منطقة السمارة بالصحراء سنة 1975"، يوضح مصطفى بقال الذي قال بأن هذا السوط، ذا المقبض الخشبي، يعود إلى رجل سلطة برتبة خليفة أهداه إليه، وشرح له طريقة استعماله. وأشار المتحدث، وهو يتوقف أمام سلسلة من القناديل النحاسية، إلى أنه على ضوء الفوانيس الزيتية تخرج الكثير من العلماء والفقهاء، مبديا إعجابه بقنديل هندي، عبارة عن قنينة زجاجية تتوسطها فتيلة بيضاء، ذكر بقال على أنه اقتناه من ساحة سيدي عبد الوهاب بوجدة. شغف مصطفى بقال بجمع التحف القديمة جعله يرفض دائما بيع أي قطعة مما يملك منها، على الرغم من حاجته إلى المال لإعالة أسرته، إذ قال بأن مشروعه لم تعط له، حتى الآن، القيمة التي يستحقها، مشيرا لهسبريس إلى أنه يتطلع إلى أن يصبح متحفه الشخصي مزارا لساكنة تاونات والوافدين عليها؛ وهو ما سيشجعه، حسبما يقول، على الارتقاء بمشروعه بما يليق بقيمة ما يزخر به من تحف.