تماثيل نحاسية عتيقة، أو شمعدانات وتماثيل برونزية، أوقطع نقدية قديمة تعود لحقب تاريخية، بل وحتى قنينات مشروبات غازية قديمة، أشياء لايعرف قيمتها سوى هواة جمع التحف وأصحاب محلات التحف الفنية أو «الأنتيك» بالمغرب. تجارة لها أصحابها وهواتها، بين باعة وهواة جمع التحف الفنية، لتزين قصورهم وإقامتهم الفاخرة، أو فقط من أجل المتعة الشخصية. هواية مكلفة، تتطلب من ممارسيها وتجارهاعلى السواء ثقافة تاريخية مهمة، لتقييم التحف الفنية وتحديد قيمتها التاريخية والمادية، وكذا تمييز الحقيقية منها والمزورة، سيما أن الميدان يحفل بالعديد من محترفي النصب والاحتيال وكذا مهربي وسارقي التحف الفنية، حتى أضحت مدن كمراكشوالدارالبيضاء، مسرحا لعمليات نصب وتهريب تحف أثرية، ترصدها أعين الأمن ومديرية الجمارك وكل الغيورين على الثراث الثقافي المغربي من السرقة و التزييف ************************ رائحة التاريخ ساعات رملية عتيقة، أجهزة راديو وتلفاز تعود إلى أوائل القرن العشرين، نقود، وهواتف قديمة، محتويات تعج بها مجموعة من المحلات التجارية بحي بنجدية وسط مدينة الدارالبيضاء، حي يعرف تركز مجموعة من تجار التحف القديمة والنادرة بالعاصمة الاقتصادية. رائحة غريبة، لعلها رائحة التاريخ، تلك التي تأسر أنف كل من يلج إلى هذه المحلات التجارية، التاريخ هنا حاضر بكل تجلياته ومخترعاته، كالساعات الجدارية والمائية والرمليةالتي كانت تستخدم في ضبط الوقت وظلت ملك أسر مغربية وأجنبية اضطرت الى بيعها لظروف خاصة تأرجحت مابين الفقر المباغت أو الهجرة المفاجأة سيما الأسر الأجنبية التي استقرت بالمغرب ردحا من الزمن، يوكد ذلك عبد الرحمان تاجر للتحف الفنية بحي بنجدية بالدارالبيضاء. من بين المعروضات كذلك بمتجر عبد الرحمان، عينات من الساعات اليدوية التي كانت حاضرة بين الجيل الأول من هذا القرن. بالإضافة إلى مجموعة من الصور الفوتوغرافية لعدد من الشخصيات المغربية والأجنبية ،وأخرى تشير الى أشخاص ينتمون الى عالم السينما الصامتة كشارلي شابلن والناطقة وغيرهم من رواد التمثيل والمسرح، وكذلك الجيل الأول لأسطوانات مشاهير الطرب والغناء في العالم العربي والغربي معروضين على رفوف هذه المخازن الأثرية، بضاعة لها روادها وعشاقها من هواة جمع التحف والأنتيك، وتلقى إقبالا مهما، إضافة إلى مجموعة من وسائل الاتصال كالهواتف وآلات والبرق العتيقة التي كانت تستخدم في عدد من المراكز البريدية إبان مراحل معينة من تاريخ المغرب فتشغل حيزا وافرا من دكان عبد الرحمان. قنينة كوكا كولا ب2000 درهم! من بين الأشياء المعروضة بالدكان قنينة قديمة للمشروب الغازي كوكاكولا، يعود تاريخها إلى سنة 1898، حدد لها ثمن مبدئي يبلغ 2000 درهم، وقنينات أخرى لزيت لوسيورخضراء اللون يعود تاريخ تصنيعها إلى سنة 1910، أشياء تبدو لعين شخص عادي، أشياء لا قيمة لها لكن في أعين هواة جمع التحف، لها قيمتها، ويبذلون لها الغالي والنفيس من أجل امتلاكها وتزيين إقاماتهم ومخازنهم بها يؤكد عبد الرحمان، إذ يتصدر المتسوقين لهاته التحف، هواة التحف، يتقدمهم كل من المؤرخين والأركيولوجيين إضافة الى مندوبي بعض المؤسسات الثقافية والاجتماعية وعدد من الأشخاص الذين يسكنهم هاجس البحث عن هذه الكنوز الأثرية، ليس بهدف الاتجار بها وإنما للاحتفاظ بها في إحدى حجراتهم وهناك منهم من يتوفر على شبه متحف صغير بالمنزل، يحتفظ به مجموعة من التحف الفنية المختلفة كالأوراق النقدية العتيقة والنقود القديمة، والطوابع البريدية، والساعات الفضية، والأواني والحلي الفضية التي تعود إلى الأسر اليهودية المغربية التي استقرت بالمغرب، بل وكذلك المسدسات والبنادق القديمة التي تعود إلى فترة مابعد الحماية، ومن اللافت يؤكد عصام الحياني، بائع للتحف بحي بنجدية أن بعض الأسر المغربية، بدأ يتملكها حنين رومنسي الى كل ما هو أصيل مغربي، الذي كانت تتصدره نماذج من التحف وإن كان بعض تجار التحف، يرى في هذا المنحى مجرد تقليد عفوي للأسر الأروبية خصوصا والغربية عموما، التي تأسست عندها تجارة وجمع التحف، ولها نواد وجمعيات خاصةبها. تحف تتجدد قيمتها مع السنوات دائما بحي بنجدية بالدارالبيضاء، هناك محلات تجارية تنفرد ببيع التحف النادرة ومتنوعة يرجع تاريخ بعضها الى بداية القرن التاسع عشر وأخرى قد تسبق هذه المرحلة الزمنيةبعقود، والملفت في هذه التجارة أن محترفيها موسرون، يستطيعون تحمل الأمد الطويل والممل لتصريف هذا النوع من التجارة، فهذه التجارة يؤكد أغلب التجار،أنها لا يمكنالاستفادة منها إلا بعد مضي ردح من الزمن، ويعمل تجار التحف على تحيين أثمنة بضاعتهم، وتقويمها، حسب نوعيتها وحضورها في الزمان والمكان، وكذا درجة الطلب عليهامن طرف هواة التحف. نشاط بيع التحف التي يرجع تاريخها الى أمد بعيد، يؤطرها عدد الأعراف والتقاليد المهنية إذ يبقى ترويج هذه البضائع التحف مقيدا، بقوانين تشكل وحدة بين التجار الذين يرأسهم تاجر خبير غالبا ما يكون أكبرهم سنا يلقب بين التجار ب«الأمين»، تعهد اليه مهمة التقويم والفحص الأولي لتحفة ما، وهي عملية يهدف من ورائها ضبط قيمتها الفنية والتاريخية والتجارية، وتعتبر هذه العملية صمام أمان لهذا الصنف من التجارة، أما السعر يؤكد عبد الرحمان فلا يرتبط بقانون العرض والطلب كما هو الحال في أنماط التجارة الأخرى، وإنما يرتبط بقانون التاجر نفسه. مراكش.. عاصمة تجارة الآثار بفضل مكانتها السياحية وتواجد عدد كبير من البزارات بها والمتاحف والرياضات، تحولت المدينة الحمراء إلى، قبلة تغري المافيات الأجنبية بتجارة الآثار، ناسجة علاقات قوية مع أصحاب بازارات مهمتهم الأساس، البحث عن القطع الأثرية النفيسة ذات القيمة المادية. أروبيون من جنسيات مختلفة، همهم بالأساس، البحث عن اللقى الأثرية الثمينة والمخطوطات والتحف التي يزخر بها المغرب، فكل شيء قابل للبيع في مراكش، لكل شيء قيمة تاريخية، وحدهم يمتلكون الحيل لتسويقها وكأنها نفائس موغلة في التاريخ. تهريب الآثار والاتجار فيها، يشبه كثيرا الاتجار في المخدرات والأدوية، وهناك من قارنها بالاتجار في الأسلحة بالنظر إلى الأرباح المالية التي تتأتى منها. غنى التراث المغربي وتنوعه واتساع الرقعة التي تحتضنه، وعدم وعي السكان بقيمته وصعوبة ضبط العاملين في مجال الحفر عليه بصفة غير شرعية، كلها عوامل سهلت بروز هذه التجارة، فجامعوا القطع المتحجرة العالميون يجدون في أرض المغرب مجالا خصبا وسهلا لبلوغ غايتهم بأقل الأثمان ودون مراقبة، فكثير من السياح يأتون إلى مدن أرفود أو ميدلت أو الرشيدية، فيقتني لقى أو متحجرات أثرية دون أن يتم توقيفه أو تفتيش ما بحوزته، كما يوكد عبد الرحمان الدناري، بائع متحجرات بمدينة ميدلت. تحف مزيفة تجارة التحف، قد لا تخلو من بعض المشاكل كعمليات التزييف والمضاربات ما يؤدي الى فقدان الثقة بين الزبون وأرباب المحلات التجارية، إلا أن هذا المشاكل، يقضي عليها التجارة بإجراءات احترازية مختلفة من أبرزها، تحديد هويتي البائع والتحفة إضافة الى بالكشف الأولي على كل تحفة على حدة ثم تحديد المرحلة التاريخية التي تنتمي إليها، إذ فيالغالب ما يقدم بعض الباعة على عرض تحف تثير عادة بعض الشكوك، كما وقع مؤخرا بالدارالبيضاء، حينما كان الأمن يتعقب أفرادا، عمدوا على محاولة بيع تماثيل مصرية خشبية وحجرية مزيفة على أنها قطع أثرية أصلية. تستقطب ظاهرة بيع التحف على الأرصفة ذوي الدخل المحدود حيث لم يعد بيع النقود والتحف القديمة يقتصر على صالات البيع الفاخرة بل تعداها إلى الأرصفة إذ نزل بعضهواة تجميع النقود والمقتنيات والإكسسوارات ذات الطابع الأثري والتاريخي إلى الأسواق الشعبية والشوارع ليعرضوا ما بحوزتهم من هذه المقتنيات للبيع، في خطوة تعتبر فريدة من نوعها ستوسع من قاعدة المولعين بجمع التحف، والملاحظ أن لهؤلاء الباعة زبائنهم الأوفياء، الذين يتوافدون عليهم بين الفينة والأخرى لمعرفة آخر مقتنياتهم. من قطع نقديةوتحف صغيرة وأدوات منزلية قديمة نسبيا رغم أن مكان عرضها بالشارع، قد لا يوحي بأن بضاعتهم ذات قيمة عالية، ولا يعرف قيمتها سوى من خبر أسرار هذه التجارة وقيمتها التاريخية، في مقابل فئة أخرى اتخذت السرقة للحصول على مقتنيات فنية وأثرية نفيسة، لقوة نفوذهم، أو روح المغامرة، واستغلال زمن «الغفلة» ثم السطو على تماثيلتعود إلى العصر الروماني، ومقتنيات أخرى فاخرة، استقرت في ظروف غامضة بكبريات المتاحف العالمية، ليوقعوا على سرقات وصفت بسرقات القرن بالمغرب!. شبكات مغربية ومصرية لترويج مهربة تماثيل مصرية مصنوعة من الذهب والخشب والحجر، وتحمل رسوما لوجه الإله الفرعوني حورس، وكبار الفراعنة، بالإضافة إلى مخطوطات ووثائق تؤرخ لمراحل تعود إلىآلاف السنين قبل الميلاد، هي تحف أصلية ومقلدة، مازال الأمن يتعقب ترويجها داخل المغرب، تم تهريبها من مصر، دخلت التراب الوطني بطريقة سرية، هدفها الاحتيال علىتجار التحف بالنسخ المقلدة، وبيعها لهم على أساس أنها قطع أصلية، وبيع القطع الحقيقية للعارفين من هواة جمع التحف والقطع الآثرية القيمة. أبحاث المصالح الأمنية التابعة للمديرية العامة للأمن، تمحورت حول شبكة متخصصة في ترويج قطع الآثار الفرعونية الأصلية والمقلدة بالدارالبيضاء والرباط وبني ملال وبعض مدن الشمال، والتي تشمل تماثيل ولوحات وتمائم ونماذج قطع أثرية مصرية مشهورة. مصادر خاصة أكدت أن أفراد الشبكة المذكورة، والتي يشتبه في كون زعيمها وأعوانه، يقومون بترويج التماثيل المقلدة بالبيضاء، على أساس أنها قطع أثرية أصلية، تعود لحقب حكم الأسر الفرعونية التي تولت حكم مصر وبعض أطراف السودان. عناصر الشبكة لم يكتفوا بتهريب الأثار، بل عملوا أيضا على عرض القطع الأثرية على تجار متخصصين في التحف وقطع الأثار، بمبالغ مالية باهظة، تراوحت مابين 500 و900 مليون سنتيم للقطعة الواحدة، ودخلوا في اتصالات مع وسطاء أوروبيين من أجل فحص القطع الأثرية وبيعها لفائدة متاحف خارج المغرب، وهو ما جعل إدارة الجماركترفع من مستوى اليقظة على مستوى المعابر الحدودية، بعد صدور دورية، لمراقبة تصدير القطع الفنية والتحف الأثرية، وحمايتها قانونيا من التهريب والترويج بالسوق السوداء، وهو مايحرم الدولة من مداخيل مالية مهمة. تجارة التحف وتبييض اللأموال غسيل الأموال، القمار، وتجارة الأحجار النفسية والتحف الفنية وأنشطة أخرى، أصبحت تحت مجهر وحدة معالجة المعلومات المالية، بعد أن أصدرت الوحدة بداية السنة الجاريةالمذكرة التوجيهية العامة رقم «د ج 1/2014» الموجهة للأشخاص والمهن التي توجد تحت إشرافها ومراقبتها في مجال مكافحة غسل الأموال. المذكرة الجديدة، تعني مجموعة من المهن والأشخاص، وهم مراقبو الحسابات والمحاسبون الخارجيون والمستشارون في المجال الضريبي، بالإضافة إلى الأشخاص الذينيستغلون أو يسيرون كازينوهات أو مؤسسات ألعاب الحظ والوكلاء والوسطاء العقاريون وتجار الأحجار الكريمة أو المعادن النفيسة، وكذا الأشخاص الذين يتاجرون بصفة اعتيادية الأعمال الفنية، والشركات ذات الطابع الخدماتي، التي تنشط في إحداث المقاولات وتنظيمها وتوطينها. المذكرة التوجيهية تضمنت كذلك دعوة للمهن المذكورة، إلى مكافحة غسل الأموال، والجرائم المرتبطة بالمالية، عبر تحسيسهم بأهمية مكافحة الجرائم المالية وتوضيح كيفيات تنفيذ الالتزامات الواجبة على الأشخاص والمهن المذكورة، التي أوضح مقرر الوحدة رقم د. 5/12 الصادر بتاريخ 16 نونبر 2012 كافة التزامات الواجبة على الأشخاصالخاضعين لمراقبة الوحدة وبإجراءات هذه المراقبة، في الوقت التي تنامت فيه أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع بروز بؤتر توتر بالعالم التي تعرف نشاطا غير مسبوق للتنظيمات الإرهابية. 120 قطعة أثرية عالمية لايعرف مصيرها إلى اليوم! أضحت سرقة التحف الفنية تشغل جهازي «إف بي آي» و «الإنتربول»، بعد أن بلغت أرقاما قياسية. فقد سرق 70% من التراث الفني لأفغانستان و15 ألف قطعة من العراق إثر دخول القوات الأميركية إليهما. هذا عدا ما يسرق من كبريات المتاحف في فرنسا وإيطاليا، وبقية أوروبا. مافيات، وأسواق عالمية. ناتانيال هرسبرغ، الصحافي بالملحق الثقافي بجريدة «لوموند» وصاحب كتاب عن سرقة التحف الفنية بعنوان «المتاحف الشفافة» دار نشر «دو توكان»،قام برصد قائمة بأهم التحف التي سرقت في الثلاثين سنة الماضية. مائة وعشرون قطعة من جميع أنحاء العالم لا يُعرف مصيرها لغاية اليوم وهي لا تخص اللوحات، بل كذلك التحف الصغيرة والتماثيل والقطع المعدنية والمخطوطات وحتى الأثاث الثمين. كثيرة منها اختفت إبان الحروب، وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، لا سيما تلك التي أخذها النازيون من أملاك العائلات اليهودية الغنية، ولكن أيضا عند حدوث حروبأهلية في برمانيا مثلا، حيث كان الجيش يتاجر بالتحف لشراء السلاح. ومن فترة قريبة اختفت قطع أثرية ثمينة في متاحف بغداد، وصل عددها حسب تقييم الخبراء إلى 15 ألفقطعة، أما ما اختفى في أفغانستان بعد التدخل الأميركي، فيقدر بنحو 70 في المائة من التراث الفني والثقافي لهذا البلد. الأرقام التي وردت في كتاب «المتاحف الشفافة» لناتانيال هرسبرغ كشفت أن فرنسا تسجل أعلى نسبة سرقات للتحف الفنية في أوروبا، متبوعة بإيطاليا. وعدا هذه السرقاتالتي تكتب عنها وسائل الإعلام لأنها تخصّ متاحف معروفة وفنانين كبارا فإن الحوادث التي تسجلها مصالح الشرطة المختصة تفوق ذلك بكثير. فقد تمّ عام 2011 تسجيل أكثرمن 24 سرقة في متاحف فرنسا. 86 سرقة حدثت أيضا في قصورها، 245 في كنائسها ودورها و61 في معارضها. أنس بن الضيف