من المعلوم أن الحزب الحامل للمرجعية الإسلامية بالمغرب هو حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة للمرة الثانية على التوالي. ونحن عندما نقول بالمرجعية الإسلامية لهذا الحزب، فإن تفكيرنا سينصرف أساسا إلى حرص الحزب على التطبيق الأمثل للدين، على الأقل بالنسبة إلى المنخرطين والمتعاطفين، وكذا الدفاع عن ما هو أخلاقي في أدبيات الحزب وتجنب ما من شأنه أن يسيء إلى هذه المرجعية. ألم يتراجع الجانب الأخلاقي على مستوى الخطاب وعلى صعيد الممارسة للعدالة والتنمية بعد تجربتين في الحكومة؟ يعد الوصول إلى السلطة هاجس كل شخص، هيأة أو حزبا، لما يتيحه ذلك من إمكانية تغيير المجتمع والانكباب على شؤون المواطنين. شيء تحقق للإسلاميين وأصبح واقعا يعيشونه بعدما كان حلما راودهم ردحا من الزمن؛ لكن هل كانت لهم رؤى واستراتيجيات.. بمعنى آخر: هل كانوا مستعدين للحكم دون التخلي عن مرجعيتهم الأخلاقية ؟ الظاهر أنهم لم يكونوا مستعدين للحكم؛ ولكنهم في المقابل كانوا مستعدين للتخلي عن بعض أدبياتهم والتخلص من بعض مرجعياتهم، لأن السلطة تتغير وتقتضي المكر و النفاق، وهي أشياء على ما أعتقد تتعارض والمرجعية التي يمتح منها هذا الحزب. واقع الحال يقول إن المرجعية الأخلاقية للحزب آخذة في التراجع، بل قد يذهب الحزب إلى أبعد من ذلك ويدعو جهارا إلى فصل الدين عن الشأن السياسي، مثلما فعل حزب النهضة في تونس. كل شيء متوقع من الحزب في ظل المتغيرات السياسية التي أصبح يتخبط فيها الإخوان؛ فالصراع لم يعد مستترا بين أطره، ويطفو شيئا فشيئا (قيادية في الحزب أصبحت تلبس لكل حالة لبوسها وتوزع إخوانها طرائق قددا بين مؤيد ومعارض لها). لو أن الأمر جاء من حزب حامل لمرجعية غير إسلامية لهان الأمر. ألا يعد اللجوء إلى العنف لتشتيت الاحتجاجات السلمية (في الريف وجرادة وأثناء مواجهة احتجاجات الأساتذة والتنكيل بهم وبذويهم) دليلا على تراجع مرجعية الحزب الأخلاقية؟ الذي نعرفه هو أن استعمال العنف وتبريره أمر غير أخلاقي، فما بالك إذا أتى الأمر من حزب حامل لمرجعية إسلامية، فذلك لعمري وجه التناقض. أو ليس بيع الوهم للناس نوعا من الافتراء الذي يتنافى والأخلاق والمثل العليا؟ للأسف، انزلق الإسلاميون أخلاقيا أمام إغراءات السلطة، ولم يعودوا يتحرجون حتى من الكذب (قد يعتبرونه بعد تجربتين في السلطة كذبا مباحا والله أعلم). ما يثير الاستغراب هو إتقان إسلاميي العدالة والتنمية لدور المظلوم، فتراهم يعزون فشلهم إلى يد خفيه (كتلك المتحكمة في الاقتصاد عند أدم سميث) تريد إفشال تجربتهم. فأحيانا يقولون ن لا سلطة لرئيس الحكومة على بعض الوزارات ( الداخلية مثلا)، وأحيانا أخرى يلوحون بوجود حكومة موازية لحكومتهم. أليس معنى هذا عدم امتلاك الجرأة والقدرة على مجابهة خصومهم، وأنهم لم يتجاوزوا بعد سن المراهقة السياسية؟ فرئيس حكومة عاجز إما أن يشتغل وإما أن يستقيل. أو لم يعترف أحد قادة الحزب بأن رئيس الحكومة الحالي لا يعرف كيف يدافع عن إنجازاته، عكس الرئيس السابق، معنى هذا أن الأول لا يفتح فمه إلا نادرا، وأن الثاني يسهب في الكلام إسهابا، فهل إسهابه في الكلام يعود إلى كثرة معرفته أو كثرة كذبه؟ ما دام الحزب قبل اللعبة السياسية على علاتِها، ولم يضع شروطا للقبول بالتسيير، يستحسن به أن يقطع مع خطاب المظلومية، ويواجه خصومه ومنافسيه بالوسائل المتاحة قانونيا وشرعيا، فالإسلاميون يريدون ممارسة السياسة في مدينة فاضلة، تنعدم فيها كل العراقيل والمثبطات، وهذا أمر مستحيل عمليا. عموما ما يريده الإسلاميون هو الخلود في السلطة والتمتع بامتيازاتها طويلا، ولما لا يكونوا خير حزب أخرج للناس. يحمل السؤال أعلاه صيغة استنكارية، جوابها نعم، أي أن حزب العدالة والتنمية تخلى ويتخلى عن خطابه الأخلاقي حسب الظرف والحاجة، ولم يعد يجد مانعا في استعمال العنف المعنوي ضد خصومه ومنافسيه، بل ضد الشعب المغربي، وكذا العنف المادي ضد من سولت له نفسه المطالبة بحقوقه المشروعة من المواطنين العزل الذين لا حول لهم ولا قوة. فضلا بطبيعة الحال عن اللجوء إلى الكذب والافتراء، خاصة إذا كان ذلك ييسر تحقيق مآربهم.