كلُّ شيءٍ كان جاهزاً للحظة الحاسمة .. لحظة عبورِ المُتوسط .. الكثيرُ من الخبز يكْفي لأيّام. .. وفاصوليا ومشروبات غازية وحفاضات الأطفال، لكنّ الرّحلة كانَ لها أن تتوقّف نواحي بركان، بعدَ أن هوتْ العربة المُقلّة مرشحين للهجرة السرية في مجرى قناة للرّي، تحوّل اليوم السبت إلى مقبرة جماعية تفوح منها رائحة الموت. شهادات حزينة "كنتُ أحْتضنُ حُلمي بقوّة.. أنْ أصلَ إلى أوروبا وأنسى كلّ شيء.. هكذا كانَ حلمي بسيطا. .قبلَ أنْ تتعالى الصّرخات من حوْلي وأجد نفسي أغرقُ داخل قناة للمياه. أدْركتُ حينها أنّ كل شيء انتهى...انتهى"، يفصحُ "أ. د"، وهو مهاجر وأحد الناجين من حادث سقوط العربة في قناة للرّي متواجدة بالطريق الثانوية الرابطة بين السعيدية والناظور على مستوى جماعة العثامنة، التابعة مجالياً لإقليمبركان. من منطقة سلوان نواحي الناظور، انطلق العشرات من هؤلاء المهاجرين، وغالبيتهم من إفريقيا جنوب الصحراء، في رحلتهم إلى مدينة السعيدية، النقطة الأولى في مسارهم الطويل صوبَ أوروبا.. كما يقول مهاجر قدمَ من بنين إلى المغرب، ووجدَ نفسه بعدَ ساعات من انطلاق الرّحلة في المستشفى الإقليميببركان، يخضع لفحوصات طبية. يحْكي المهاجر نفسه، الذي قدمَ عبر الحدود الجزائرية، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قائلا: "كنا داخل حافلة صغيرة نقتسمُ نفس الحلم، وهو عبور المتوسط والوصول إلى أوروبا"، قبل أن يزيدَ: "كان السائق المغربي يسوق بسرعة جنونية، وهو ما أدى إلى انقلاب الحافلة في أحد المنعرجات، فوجدنا أنفسنا داخل قناة مياه". صراخ وغرق "فقدتُ العديد من الأصدقاء، أما أنا فتمّ نقلي إلى المستشفى رفقة بعض الرفاق"، يقول أحد الناجين، مؤكداً أن "السائق كان مغربيا"؛ وزاد: "تمكن بعضُ الرفاق من فتح الأبواب الخلفية للسيارة والخروج سالمين"، وأضافَ وهو مستلق على السّرير: "3 سنوات وأنا أحاول العبور إلى الضفة الأخرى.. قدمت إلى المغرب عبر الجزائر وفقدتُ اليوم أصدقائي". وعن تفاصيل الواقعة قال أحد ضحايا الحادث، في تصريح لجريدة هسبريس، "كانت الساعة تشيرُ إلى الرابعة صباحاً عندما انقلبتِ السيارة.. كان يعم الصراخ ولم أستطع تذكر ما حدث بعد ذلك". وقال ناجٍ يخضع لفحوصات طبية داخل المستشفى الإقليمي الدراق: "صيحات بعض النساء زادت من هول المشهد". بصوتٍ مبْحوحٍ تتخلله طبقات سميكة من الخجل يحكي مهاجر آخر من مالي: "لقد ماتَ أخي"، وأضافَ وهو يسرحُ بعينيه: "أنا مصدوم لا أقدر على الكلام.. لقد فقدتُ أعزّ الناس..أخي الذي اشتركتُ معه مرارة المسير صوب تحقيق حلمنا. لم أعد أقدر على الكلام". فاجعة في هذا الصدد وصف بنطه عبد القادر، المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بإقليمبركان، الحادث ب"الفاجعة" التي خلفت 53 ضحية غالبيتهم من إفريقيا جنوب الصحراء، مردفا: "توصلنا ب29 مصابا تمّ التكفل بهم، 4 منهم كانوا في حالة حرجة، فتوفي واحد منهم، فيما تم نقل 3 حالات أخرى إلى المستشفى الجامعي بوجدة". وقال المندوب في تصريح لجريدة هسبريس إن "الحالة الصحية للضحايا مستقرة"، مشيراً إلى أن هناك "10 نساء، اثنتان منهنَّ حاملان". أما بالنسبة للوفيات، يُضيف المسؤول الطبي، "فإن الحادث خلّف 18 حالة، 12 في مستودع الأموات الخاص بمستشفى البراق، و6 في مستودع الأموات بمستشفى القرب السعيدية". طريق الموت لم يكن حادث انقلاب "سيارة الحراڭة" الأول من نوعه في الطريق الثانوية الرابطة بين السعيدية والناظور على مستوى جماعة العثامنة، التابعة مجالياً لإقليمبركان، فقد سبقته حوادث أخرى مميتة، خلفت خسائر بشرية، وذلك بسبب "وجود منعرجات خطيرة تفضي إلى حوادث قاتلة مع غياب علامات التشوير الطرقي". وحسب إفادات محلية فإنّ السلطات المحلية لم تتدخل لوضع علامات التشوير رغم سقوط ضحايا كثر في منطقة العثامنة التي تبعد حوالي 15 كيلومترا عن مدينة بركان، داعية إلى "إصلاح الطريق ووضع علامات تحذر السائقين من وعورة المنعرجات وخطورتها". إلى ذلك، أفادتْ السلطات المحلية بإقليمبركان بأن 16 من الأشخاص المرشحين للهجرة السرية المنحدرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لقوا مصرعهم، صباح اليوم السبت، فيما أصيب 17 آخرون بإصابات متفاوتة الخطورة، إثر سقوط عربة من الحجم المتوسط كانت تقلهم في قناة للري متواجدة بالطريق الثانوية الرابطة بين السعيدية والناظور على مستوى جماعة العثامنة، دائرة أحفير، إقليمبركان. وإثر إشعارها بالحادث انتقلت السلطات المحلية والأمنية ومصالح الوقاية المدنية إلى المكان، حيث تم نقل جميع الأشخاص المصابين إلى المستشفى الإقليميببركان لتلقي العلاجات الضرورية. وتم فتح بحث من طرف السلطات المعنية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، لتحديد ظروف وملابسات الحادث، والكشف أيضا عن حيثيات تنظيم عملية الهجرة السرية هاته. كما تجري التحريات كذلك لتوقيف سائق العربة الذي يوجد حاليا في حالة فرار.